الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
ما أخرجه البخاري [عند البخاري في "باب تقصير المتمتع بعد العمرة" ص 233 - ج 1] عن ابن عباس، قال: لما قدم النبي عليه السلام مكة أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يحلوا ويحلقوا، أو يقصروا، انتهى. وأخرج البخاري، ومسلم [عند البخاري في "باب الحلق والتقصير عند الاحلال" ص 233، وعند مسلم في "باب جواز تقصير المعتمر من شعره" ص 408 - ج 1، ولفظ أبي داود في "باب الاقران" ص 251 - ج 1، وعند النسائي في "باب أن يقصر المعتمر" ص 41 - ج 2] عن معاوية بن أبي سفيان، قال: قصرت عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على المروة، أو رأيته يقصر عنه على المروة بمشقص، انتهى. قال المنذري في "حواشيه" قوله: قصرت، يحتج به من يقول: أنه عليه السلام كان في حجة الوداع متمتعًا، لأن المعتمر يقصر عند الفراغ من السعي، وهذا لا يصح أن يكون في حجة الوداع، لأنه عليه السلام حلق رأسه في حجة الوداع بلا خلاف، كما ورد في "الصحيحين"، وقيل: إنما كان هذا في بعض عُمره عليه السلام، قيل: ولا يصح هذا، إلا أن يكون في عمرة الجعرانة، لأن الصحيح أن معاوية أسلم يوم فتح مكة مع أبيه، فأما الرواية الأخرى: رأيته يقصر عنه، فلا يصح أن يكون في حجة الوداع، ويصح أن يكون فيما تقدم من عُمَره عليه السلام، وأما لفظ الحديث عند أبي داود أن معاوية قال لابن عباس: أما علمت أني قصرت عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بمشقص أعرابي على المروة لحجته، فمعنى قوله: لحجته، أي لعمرته، ففي لفظ النسائي في عمرة على المروة، والعمرة قد تسمى حجًا، لأن معناها القصد، وقد قالت للنبي عليه السلام: ما بال الناس حلوا وأنت لم تحلل من عمرتك؟ قيل: تريد من حجتك، واللّه أعلم، انتهى كلامه. - الحديث الثاني: روي أنه عليه السلام - قطع التلبية في عمرة القضاء حين استلم الحجر الأسود، قلت: أخرجه الترمذي [عند الترمذي في "باب متى يقطع التلبية في العمرة" ص 124، وعند أبي داود في "باب متى يقطع المعتمر التلبية" ص 252 - ج 1، وص 253 - ج 1، وعبد الملك ابن أبي سليمان اسمه ميسرة أبو محمد، أحد الأئمة، قال ابن مهدي: كان شعبة يعجب من حفظه، وقال ابن عيينة عن الثوري: حدثني الميزان عبد الملك ابن أبي سليمان، وقال ابن المبارك عبد الملك ميزان، كذا في "تهذيب التهذيب" ص 397 - ج 6] عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس أن النبي عليه السلام كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر، انتهى. وقال: حديث صحيح، ورواه أبو داود، ولفظه: أن النبي عليه السلام قال: يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر، انتهى. قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان، وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفًا، انتهى. وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وفيه مقال، ولم يصب المنذري في عزوه هذا الحديث للترمذي، فإن لفظ الترمذي من فعل النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ولفظ أبي داود من قوله، فهما حديثان، ولكنه قلد أصحاب "الأطراف" إذ جعلوها حديثًا واحدًا، وهذا مما لا ينكر عليهم، وقد بينا وجه ذلك في حديث: "ابدءُوا بما بدأ اللّه به"، وروى الواقدي في "كتاب المغازي" حدثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه السلام لبى - يعني في عمرة القضية - حتى استلم الركن، انتهى. - الحديث الثالث: روي أنه عليه السلام - ساق الهدايا مع نفسه، قلت: أخرجه البخاري، ومسلم عن ابن عمر، قال: تمتع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج، وتمتع الناس معه، وقد تقدم الحديث بتمامه في أول الباب. - الحديث الرابع: روي عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: - أنا فتلت قلائد هدي رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قلت: تقدم قبل "باب القران"، رواه الأئمة الستة، والمصنف هنا أحال، فقال: فإِن كان بدنة قلدها بمزادة أو نعل، لحديث عائشة على ما روينا، وحديث عائشة هذا ذكره المصنف قبل "باب القران" أنها قالت: كنت أفتل قلائد لبدن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فبعث بها، وأقام في أهله حلالًا. ولو استدل هنا بحديث ابن عباس لكان أولى، أخرجوه - إلا البخاري - [عند مسلم في "باب إشعار البدن وتقليده عند الاحرام" ص 407 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء في إشعار البدن" ص 122 - ج 1، وعند أبي داود في "باب الاشعار" ص 244 - ج 1، واللفظ له] عن أبي حسان الأعرج، واسمه مسلم عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته، وفي لفظ: ببدنة، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها، وقلدها نعلين، ثم أتى براحلته، فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهلّ بالحج. - الحديث الخامس: روي أنه عليه السلام - أحرم بذي الحليفة، وهداياه تساق بين يديه، قلت: تقدم للبخاري، ومسلم عن ابن عمر، قال: تمتع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، إلى آخره، وقد تقدم بتمامه في أول هذا الباب. - الحديث السادس: روي في الإِشعار أن النبي عليه السلام - طعن في الجانب الأيسر مقصودًا، وفي الجانب الأيمن اتفاقًا،قلت: رواية الطعن في الجانب الأيمن أخرجها مسلم عن أبي حسان عن ابن عباس أن النبي عليه السلام صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وقد تقدم ذكر البخاري [عند البخاري في "باب من أشعر وقلد بذي الحليفة" ص 229 - ج 1، وحديث عائشة في: ص 230 في ذلك الباب] الإِشعار من حديث المسور، ومروان غير مقيد بالأيمن، ولا بالأيسر، ولفظه: قالا: خرج النبي عليه السلام زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي عليه السلام الهدي، وأشعر وأحرم بالعمرة، انتهى. وذكره من حديث عائشة أيضًا، وسيأتي قريبًا، وأما رواية الطعن في الأيسر، فرواها أبو يعلى الموصلي في "مسنده" حدثنا يزيد بن هارون أنبأ شعبة بن الحجاج عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لما أتى ذا الحليفة أشعر بدنته في شقها الأيسر، ثم سلت الدم بإِصبعه، فلما علت به راحلته البيداء لبى، انتهى. وقال ابن عبد البر في "كتاب التمهيد": رأيت في "كتاب ابن علية" عن أبيه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أشعر بدنة من الجانب الأيسر، ثم سلت الدم عنها، وقلدها نعلين، قال: وهذا عندي منكر في حديث ابن عباس، والمعروف ما رواه مسلم، وغيره: في الجانب الأيمن، لا يصح فيه غير ذلك، إلا أن ابن عمر كان يشعر بدنه من الجانب الأيسر، انتهى. وهكذا أورده أبو محمد عبد الحق في "أحكامه" معزوًا إلى ابن عبد البر، قال ابن القطان في "كتابه": وهو كلام صحيح، وأنا أخاف أن يكون تصحف فيه: الأيمن، بالأيسر، وأيضًا، فإِنا لا نعلم ابن علية إلا الإِخوة الثلاثة: إسماعيل، وربعي، وإسحاق، والمشهور الفقيه منهم: إسماعيل بن إبرهيم بن سهم، وعلية أمه، وليست هذه طبقته، أن يروي بهذا النزول، فإن قدرناه هو فأبوه إبراهيم بن مقسم لا أعرفه في رواية الأخبار، وحاله مجهول، انتهى كلامه. قلت: قد روي من غير طريق ابن علية كما قدمناه من جهة أبي يعلى الموصلي، وحديث ابن عمر الذي أشار إليه ابن عبد البر أخرجه مالك في "موطأه"[عند مالك في "الموطأ - في باب العمل في الهدي حين يساق" ص 147، وفي "الموطأ" للإمام محمد بن حسن: ص 56 أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان يشعر بدنته في الشق الأيسر، إلا أن تكون صعابًا مقرنة، فإذا لم يستطع أن يدخل بينها أشعرها من الشق الأيمن، الخ. قال محمد: وبهذا نأخذ، التقليد أفضل من الاشعار، والاشعار حسن، والاشعار من الجانب الأيسر، إلا أن تكون صعابًا مقرنة لا يستطيع أن يدخل بينها، فليشعرها من الجانب الأيسر والأيمن، وفي "العمدة" ص 35 - ج 9: وقال ابن قدامة: وعن أحمد من الجانب الأيسر، لأن ابن عمر فعله، وبه قال مالك، وحكاه ابن حزم عن مجاهد يقول: كانوا يستحبون الاشعار من الجانب الأيسر، الخ. وقال الحافظ الإمام فضل اللّه التوربشتي الحنفي في "شرحه على المصابيح". قلت: وقد كان هذا الصنيع - إشعار الهدي - معمولًا به قبل الإسلام، وذلك لأن القوم كانوا أصحاب غارات لا يتناهون عن الغصب والنهب، ولا يتماسكون عنه، وكانوا مع ذلك يعظمون البيت، وما أهدي إليه، ولا يرون التعرض لمن حجه أو اعتمره، فكانوا يعلمون الهدايا بالاشعار والتقليد، وذلك بأن يقلدوها نعلًا، أو عروة، أو مزادة، أو لحاء شجرة، لئلا يتعرض لها متعرض، فلما جاء اللّه بالاسلام أقر ذلك، لغير المعنى الذي ذكرناه، بل ليكون مشعرًا بخروج ما أشعر عن ملك من يتقرب إلى اللّه تعالى، وليعلم أنه هدي، فإن نفر لم يركب، ولم يحلب، ولم يختلط بالأموال، ولم يتصرف فيه، كما يتصرف في اللقطة، وإن عطب لم يؤكل منه، إلا على الوجه الذي شرع. هذا، وقد اختلف في الاشعار بالطعن، وباسالة الدم، فرآه الجمهور، ونفر عنه نفر يسير، وقد صادفت بعض علماء الحديث يشدد في النكير على من يأباه، حتى أفضى به مقاله إلى الطعن فيه، والادعاء بأنه عاند رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في قبول سنته، ويغفر اللّه لهذا الفرح بما عنده، كيف سوغ الطعن في أئمة الاجتهاد، وهم للّه يكدحون، وعن سنة نبيه يتناضلون؟! فأنى يظن بهم ذلك! أو لم يدر أن سبيل المجتهد غير سبيل الناقل، وأن ليس للمجتهد أن يتسارع إلى قبول النقل والعمل به إلا بعد السبك والاتقان، وتصفح العلل والأسباب، فلعله علم من ذلك ما لم يعلمه، أو فهم منه ما لم يفهمه، وأقصى ما يرى به المجتهد في قضية يوجد فيها حديث مخالف أن يقال: لم يبلغه الحديث، أو بلغه من طريق لم ير قبوله، مع أن الطاعن لو قيض له ذوقهم فألقى إليه القول من معدنه وفي نصابه، وقال: إن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ساق بعض هديه من ذي الحليفة، وساق بعضه من قديد، وأتى عليّ رضي اللّه عنه ببعضها من اليمن، وجميع ما ساق النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إلى البيت: إما ست وثلاثون، أو سبع وثلاثون بدنة، والاشعار لم يذكر إلا في واحدة منهما، وقد روي أيضًا عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ اشترى هديه من قديد، وقديد: قرية بين مكة والمدينة، وبينها وبين ذي الحليفة مسافة بعيدة، أفلا يحتمل أن يتأمل المجتهد في فعل النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فيرى أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إنما أقام الاشعار في واحدة، ثم تركه في البقية، حيث رأى الترك أولى، لاسيما والترك آخر الأمرين، أو اكتفى عن الاشعار بالتقليد، لأنه يسد مسده في المعنى المطلوب منه، والاشعار يجهد البدنة، وفيه ما لا يخفى من أذية الحيوان، وقد نهى عن ذلك قولًا، ثم استغنى عنه بالتقليد، ولعله مع هذه الاحتمالات رأى القول بذلك أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حج، وقد حضره الجم الغفير، ولم يرو حديث الاشعار إلا شرذمة قليلون، رواه ابن عباس، ولفظ حديثه على ما ذكرناه، رواه المسور بن مخرمة، وفي حديثه ذكر الاشعار من غير تعرض للصيغة، ثم إن المسور وإن لم ينكر فضله وفقهه، فإنه ولد بعد الهجرة بسنتين، وروته عائشة، وحديثها ذلك أورده المؤلف في هذا الباب، ولفظ حديثها: فتلت قلائد بدن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له، ولم يتعلق هذا الحديث بحجة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وإنما كان ذلك عام حج أبو بكر رضي اللّه عنه، والمشركون يومئذ كانوا يحضرون الموسم، ثم نهوا، وروي عن ابن عمر أنه أشعر الهدي، ولم يرفعه، فنظر المجتهد إلى تلك العلل والأسباب، ورأى على كراهة الاشعار جمعًا من التابعين، فذهب إلى ما ذهب يسارع في العذر قبل مسارعته في اللوم، وإلا أسمع نفسه: * ليس بعشك فادرجي*، واللّه يغفر لنا ولهم، ويجيرنا من الهوى، فإنه شريك العمى، انتهى]. عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أهدى هديًا من المدينة يقلده بنعلين، ويشعره من الشق الأيسر، ثم يساق معه، مختصر. - الحديث السابع: روي - الإِشعار عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وعن الخلفاء الراشدين، قلت: أما الرواية عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فأخرج البخاري عن المسور، ومروان قالا: خرج النبي عليه السلام من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كان بذي الحليفة قلد عليه السلام الهدي، وأشعره، وأحرم بالعمرة، انتهى.
|