الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)
.تعليق ابن كثير على حديث الصور: قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِطُولِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا وَلِبَعْضِهِ شَوَاهِدُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَكَارَةٌ، تَفَرَّدَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ قَاضِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ وَثَّقَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَهُ، وَنَصَّ عَلَى نَكَارَةِ حَدِيثِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ هُوَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا فِيهَا نَظَرٌ إِلَّا أَنَّهُ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ فِي جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْتُ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ قَدْ أَفْرَدْتُهَا فِي جُزْءٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا سِيَاقُهُ فَغَرِيبٌ جِدًّا وَيُقَالُ إِنَّهُ جَمَعَهُ مِنْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَجَعَلَهُ سِيَاقًا وَاحِدًا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ يَقُولُ إِنَّهُ رَأَى لِلْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ مُصَنَّفًا قَدْ جَمَعَهُ كَالشَّوَاهِدِ لِبَعْضِ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا الصُّورُ» فَقَالَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ متى يؤمر» فقال: وا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ».(غُرْلًا حُفَاةً) الْأَغْرَلُ الْأَقْلَفُ، حُفَاةً غَيْرَ مُنْتَعِلِينَ كَجَرَادٍ مُنْتَشِرٍ شُبِّهُوا بِالْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ لِكَثْرَتِهِ وَلِكَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ وِجْهَةٌ يَقْصِدُهَا بَلْ يَخْتَلِفُ وَيَمُوجُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [الْقَمَرِ: 6-8]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [الْمُدَّثِّرِ: 8-10].وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشْرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتُهُمِ النَّارُ تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا».وَفِيهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الْأَنْبِيَاءِ: 104]، الْآيَةَ، وَأَنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَةِ: 117 118]، قَالَ: فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ».وَفِي رِوَايَةٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِنَّكُمْ مُلَاقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلًا» وَفِي أُخْرَى قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ.وَفِيهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» قَالَتْ: عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ: «الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَلِكَ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَقَالَتْ: عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِالْعَوْرَاتِ فَقَالَ: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} وَرَوَى هُوَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلًا»: قَالَ: فَقَالَتْ: زَوْجَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْظُرُ-أَوْ يَرَى- بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ قَالَ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أَوْ قَالَ: «مَا أَشْغَلَهُمْ عَنِ النَّظَرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنِّي سَائِلَتُكَ عَنْ حَدِيثٍ فَتُخْبِرُنِي أَنْتَ بِهِ قَالَ إِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الرِّجَالُ قَالَ: «حُفَاةً عراة» قالت: واسوءتاه مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ: «وَعَنْ أَيِّ ذَلِكَ تَسْأَلِينَ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيَّ آيَةٌ، لَا يَضُرُّكِ كَانَ عَلَيْكِ ثِيَابٌ أَوْ لَا يَكُونُ» قَالَتْ: أَيَّةُ آيَةٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.وَرَوَى الْبَغَوِيُّ بِإِسْنَادِ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الْآذَانِ» فَقُلْتُ: يَا رسول الله واسوءتاه يَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ: «قَدْ شُغِلَ النَّاسُ، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}».وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ قَتَادَةُ بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا.قُلْتُ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 97]، الْآيَاتِ فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَفُرْقَانَ مَا بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ أُولَئِكَ يَفِدُونَ رَكْبًا إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَرَحْمَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَزِيَارَةِ الرَّبِّ الْعَظِيمِ، وَهَؤُلَاءِ يُسْحَبُونَ سَحْبًا إِلَى نَارِ الْجَحِيمِ وَنَكَالِهَا الْأَلِيمِ وَعَذَابِهَا الْمُقِيمِ {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مَرْيَمَ: 85 86].قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفْدًا رُكْبَانًا، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى الْإِبِلِ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَلَى النَّجَائِبِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَلَى الْإِبِلِ النُّوقِ، قَالَ قَتَادَةُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يُحْشَرُونَ وَاللَّهِ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَلَكِنْ عَلَى نُوقٍ رِحَالُهَا الذَّهَبُ، وَنَجَائِبُ سَرْجِهَا يَوَاقِيتُ، إِنْ هَمُّوا بِهَا سَارَتْ وَإِنْ هَمُّوا بِهَا طَارَتْ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ ابن الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مَرْيَمَ: 85].قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا عَلَى أَرْجُلِهِمْ يُحْشَرُونَ وَلَا يُحْشَرُ الْوَفْدُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَلَكِنْ بِنُوقٍ لَمْ يَرَ الْخَلَائِقَ مِثْلَهَا، عَلَيْهَا رَحَائِلُ مِنْ ذَهْبٍ فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ الْجَنَّةِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَزَادَ عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ وَأَزِمَّتُهَا الزَّبَرْجَدُ.وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مَرْيَمَ: 85]، فَقَالَ: مَا أَظُنُّ الْوَفْدَ إِلَّا الرَّكْبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَسْتَقْبِلُونَ-أَوْ يَؤْتُونَ- بِنُوقٍ بِيضٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ وَعَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ، شَرَكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ كُلُّ خَطْوَةٍ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى شَجَرَةٍ يَنْبُعُ مِنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا فَتَغْسِلُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ دَنَسٍ، وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الْأُخْرَى فَلَا تَشْعَثُ أَبْشَارُهُمْ وَلَا أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ فَيَنْتَهُونَ-أَوْ فَيَأْتُونَ- بَابَ الْجَنَّةِ فَإِذَا حلقة من ياقوتة حَمْرَاءُ عَلَى صَفَائِحِ الذَّهَبِ، فَيَضْرِبُونَ بِالْحَلْقَةِ عَلَى الصَّفْحَةِ فَيُسْمَعُ لَهَا طَنِينٌ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ.{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مَرْيَمَ: 86]، أَيْ عِطَاشًا قَدْ تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُهُمْ مِنَ الْعَطَشِ، وَالْوِرْدُ الْجَمَاعَةُ يَرِدُونَ الْمَاءَ وَلَا يَرِدُ أَحَدٌ الْمَاءَ إِلَّا بَعْدَ عَطَشٍ قُلْتُ وَلَكِنَّهُمْ وَرَدُوا لَا إِلَى مَاءٍ، بَلْ إِلَى جَهَنَّمَ وَجَحِيمِهَا، وَمُهْلِهَا وَحَمِيمِهَا وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيلِ فَيُقَالُ لَهُمْ «مَاذَا تَشْتَهُونَ» فَيَقُولُونَ «عَطِشْنَا فَيُشَارُ لَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيُقَالُ لَهُمْ أَلَا تَرِدُونَ» الْحَدِيثَ.فَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ، كانوا فِي الدُّنْيَا عَلَى السَّوَاءِ يُرْزَقُونَ وَيَسِيرُونَ وَيَذْهَبُونَ وَيَجِيئُونَ، يُؤْتَاهَا مَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْمَوْتُ عَرَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبِيلَهُ وَاتَّضَحَ لَهُ مَقِيلُهُ فَلَمَّا كَانُوا فِي الْبَرْزَخِ خَلَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِعَمَلِهِ وَأَفْضَى إِلَى مَا قَدَّمَ قَبْلَ أَجَلِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ صَرَخَ بِهِمُ الصَّارِخُ وَصَاحَ بِهِمُ الصَّائِحُ فَخَرَجُوا مِنَ الْأَجْدَاثِ مُسْرِعِينَ وَإِلَى الدَّاعِي مُهْطِعِينَ، هَذَا عَلَى النَّجَائِبِ وَهَذَا عَلَى الرَّكَائِبِ، وَهَذَا عَلَى قَدَمَيْهِ وَهَذَا عَلَى وَجْهِهِ هَؤُلَاءِ فِي النُّورِ يَنْظُرُونَ وَأُولَئِكَ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ هَؤُلَاءِ إِلَى الرَّحْمَنِ يَفِدُونَ وَأُولَئِكَ إِلَى النَّارِ يَرِدُونَ هَؤُلَاءِ حُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا، وَأُولَئِكَ غُلُّوا بِالسَّلَاسِلِ وَعَلَتْهُمُ الزَّبَانِيَةُ بِالْمَقَامِعِ يَضْرِبُونَ بُطُونًا مِنْهُمْ وَظُهُورًا هَؤُلَاءِ وَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا، مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا، وَأُولَئِكَ أَعْتَدَ اللَّهُ لَهُمْ سَعِيرًا {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ حُلَلُ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَسَائِرِ الْأَلْوَانِ وَأُولَئِكَ مُقَرَّنُونَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ هَؤُلَاءِ إِلَى زِيَارَةِ رَبِّهِمْ يَرْكَبُونَ وَأُولَئِكَ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ هَؤُلَاءِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا وَأُولَئِكَ تُرِكُوا فِي جَهَنَّمَ جِثِيًّا هَؤُلَاءِ يَقُولُ لَهُمْ رَبُّهُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وَأُولَئِكَ يَقُولُ لَهُمُ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النار هؤلاء يقرون بِذُنُوبِهِمْ فَيَغْفِرُهَا لَهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأُولَئِكَ يُنَادِي بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ الْفُرْقَانِ وَافْتَرَقَ الطَّرِيقَانِ، وَامْتَازَ الْفَرِيقَانِ، وَصَارَ الْغَيْبُ شَهَادَةً وَالسِّرُّ عَلَانِيَةً، وَالْمَسْتُورُ مَكْشُوفًا، وَالْمَخْبَأُ ظَاهِرًا {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28]، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الْجَاثِيَةِ: 21]، كَمْ كَاسٍ فِي الدُّنْيَا طَالَ يَوْمَئِذٍ عُرْيُهُ، كَمْ طَاعِمٍ فِي الدُّنْيَا عَظُمَ يَوْمَئِذٍ جُوعُهُ، كَمْ رَيَّانٍ فِي الدُّنْيَا اشْتَدَّ يَوْمَئِذٍ عَطَشُهُ، كَمْ نَاعِمٍ فِي الدُّنْيَا حَقَّ بِهِ يَوْمَئِذٍ بُؤْسُهُ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْقَصَصِ: 83-84].
|