الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
الأول: عجب استحسان، كما في حديث عائشة رضى الله عنها: (كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعجبه التيمن في شأنه كله: في طهوره، وترجله، وتنعله)
الثاني: عجب إنكار، كما في قوله تعالى:
قوله: (الإسناد). المراد به هنا رجال السند لا نسبة الحديث إلى راويه، أي: عرفوا صحة الحديث بعرفة الرجال.
قوله: (يذهبون إلى رأي سفيان). أي: سفيان الثوري، لأنه صاحب المذهب المشهور وله أتباع لكنهم انقرضوا، فهم يذهبون إلى رأي سفيان وهو من الفقهاء ويتركون ما جاء به الحديث!
قوله: (والله يقول: (فليحذر)). الفاء عاطفة، واللام للأمر، ولهذا سكنت وجزم الفعل بها، لكن حرك بالكسر، لالتقاء الساكن.
قوله: (عن أمره). الضمير يعود للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـبدليل أول الآية قال تعالى
فإن قيل: لماذا عدى الفعل ب: (عن) مع أن (يخالف) يتعدى بنفسه؟
أجيب: أن الفعل ضمن معنى الإعراض، أي: يعرضون عن أمره زهدا فيه وعدم مبالاة به.
و(أمره): واحد الأوامر وليس واحد الأمور، لأن الأمر هو الذي يخالف فيه، وهو مفرد مضاف، فيعم جميع الأوامر.
(فتنة).الفتنة فسرها الإمام أحمد بالشرك، وعلى هذا يكون الوعد بأحد أمرين: إما الشرك، وإما العذاب الأليم
***
وعن عدي بن حاتم: أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ هذه الآية:
قوله في حديث عدى بن حاتم: (اتخذوا). الضمير يعود للنصارى، لأن اليهود لم يتخذوا المسيح ابن مريم إلها، بل ادعوا أنه ابن زانية وحاولوا قتله، وادعوا أنهم قتلوه، ويحتمل أن يعود الضمير لليهود والنصارى جميعا ويختص النصارى باتخاذ المسيح ابن مريم، وهذا هو المتبادر من السياق مع الآية التي قبلها.
قوله: {أحبارهم ورهبانهم}. الأحبار: جمع حبر، وحبر بفتح الحاء وكسرها، وهو العالم الواسع العلم، والرهبان: جمع راهب، وهو العابد الزاهد.
قوله:
قوله: (إلها واحدا). هو الله - عز وجل - وإله، أي: مألوه معبود مطاع، وليس بمعنى آله، أي: قادر على الاختراع، فإن هذا المعنى فاسد ذهب إليه المتكلمون أو عامتهم، فيكون معنى (لا إله إلا الله) على هذا القول: لا رب إلا الله، وهذا ليس بالتوحيد المطلوب بهذه الكلمة، إذ لو كان كذلك لكان المشركون الذين قاتلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موحدين، لأنهم يقولون: لا رب إلا الله، قال تعالى:
قوله: {سبحانه عما يشركون}. (سبحان): اسم مصدر، وهي معمول أو مفعول لفعل محذوف وجوبا تقديره يسبح سبحانا، أي: تسبيحا، لأن اسم المصدر بمعنى المصدر، فسبحان: مفعول مطلق عاملها محذوف وجوبا وهي ملازمة للإضافة: إما إلى مضمر، كما في الآية:(سبحانه)، أو إلى مظهر كما في (سبحان الله).
والتسبيح: التنزيه، أي: تنزيه الله عن كل نقص، ولا يحتاج أن نقول: ومماثلة المخلوقين، لأن المماثلة نقص، ولكن إذا قلناها، فذلك من باب زيادة الإيضاح حتى لا يظن أن تمثيل الخالق بالمخلوق في الكمال من باب الكمال، فيكون المعنى: تنزيه الله عن كل ما لا يليق به من نقص أو مماثلة المخلوقين.
وقوله: {عما يشركون}. أي: مما سواه من المسيح ابن مريم والأحبار والرهبان، فهو متنزه عن كل شرك وعن كل مشرك به.
قوله: (عما يشركون). هذا من البلاغة في القرآن، لأنها جاءت محتملة أن تكون (ما) مصدرية، فيكون المعنى من شركهم، أو موصولة، ويكون المعنى: سبحان الله عن الذين يشركون به، وهي صالحة الأمرين، فتكون شاملة لهما لأن الصحيح جواز استعمال المشترك في معنييه إذا لم يكن بينهما تعارض، فيكون التنزيه عن الشرك وعن المشرك به.
قوله: {إنا لسنا نعبدهم}. أي: لا نعبد الأحبار والرهبان، ولا نسجد لهم ولا نركع ولا نذبح ولا ننذر لهم، وهذا صحيح بالنسبة للأحبار والرهبان بدليل قوله:
فإن هذا الوصف لا ينطبق على عيسى أبدا، لأنه رسول الله، فما أحله، فقد أحله الله، وما حرمه، فقد حرمه الله، وقد حاول بعض الناس أن يعل الحديث لهذا المعنى مع ضعف سنده، والحديث حسنة الترمذي والألباني وآخرون وضعفه آخرون.
ويجاب على التعليل المذكور بأن قول عدى: (لسنا نعبدهم) يعود على الأحبار والرهبان، أما عيسى ابن مريم، فالمعروف أنهم يعبدونه.
وبدأ بتحريم الحلال، لأنه أعظم من تحليل الحرام، وكلاهما محرم، لقوله تعالى:
قوله: (فتلك عبادتهم) ووجه كونه عبادة: أن من معنى العبادة الطاعة، وطاعة غير الله عبادة للمطاع، ولكن بشرط أن تكون في غير طاعة الله، أما إذا كانت في طاعة الله فهي عبادة لله، لأنك أطعت غير الله في طاعة الله، كما لو أمرك أبوك بالصلاة فصلىت، فلا تكون قد أباك أبوك بطاعتك له، ولكن عبدت الله، لأنك أطعت غير الله في طاعة الله، ولأن أمر غير الله بطاعة الله وامتثال أمره هو امتثال لأمر الله.
ويستفاد من هذا الحديث:
1. أن الطاعة بمعنى العبادة عبودية مقيدة.
2. أن الطاعة في مخالفة شرع الله من عبادة المطاع، أما في عبادة الله، فهي عبادة لله.
3. أن اتباع العلماء والعباد في مخالفة شرع الله من اتخاذهم أربابا.
واعلم أن اتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يتابعهم في ذلك راضيا بقولهم، مقدما له، ساخطا لحكم الله فهو كافر لأنه كره ما أنزل الله، فأحبط الله عمله، ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر، فكل من كره ما أنزل الله، فهو كافر.
الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضيا بحكم الله وعالما بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوى في نفسه اختاره، كأن يريد مثلا وظيفة، فهذا لا يكفر، ولكنه فاسق وله حكم غيره من العصاة.
الثالث: أن يتابعهم جاهلا، فيظن أن ذلك حكم الله، فينقسم إلى قسمين:
أ - أن يمكنه أن يعرف الحق بنفسه، فهو مفرط أو مقصر، فهو آثم، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم.
ب - أن لا يكون عالما ولا يمكنه التعلم فيتابعهم تقليدا ويظن أن هذا هو الحق، فهذا لا شيء
عليه لأنه فعل ما أمر به وكان معذور بذلك،ولذلك ورد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:
فإن قيل: لماذا لا يكفر أهل القسم الثاني؟
أجيب: إننا لو قلنا بكفرهم لزم من ذلك تكفير كل صاحب معصية يعرف أنه عاص لله ويعلم أنه حكم الله.
فائدة:
وصف الله الحاكمين بغير ما أنزل الله بثلاث أوصاف:
1. قال تعالى:
2. قال تعالى:
3. قال تعالى:
واختلف أهل العلم في ذلك:
فقيل:إن هذه الأوصاف لموصوف واحد،لأن الكافر ظالم،لقوله تعالى:
وقيل: إنها لموصفين متعددين، وإنها على حسب الحكم، وهذا هو الراجح.
فيكون كافرا في ثلاثة أحوال:
أ - إذا اعتقد جواز الحكم بغير الله ما أنزل الله، بدليل قوله تعالى:
ب - إذا اعتقد أن حكم غير الله أحسن من حكم الله.
ج - إذا اعتقد أن حكم غير الله أحسن من حكم الله.
بدليل قوله تعالى:
ويكون ظالما: إذا اعتقد أن الحكم بما أنزل الله أحسن الأحكام، وأنه أنفع للعباد والبلاد، وأنه الواجب تطبيقه، ولكن حمله البغض والحقد للمحكوم عليه حتى حكم بغير ما أنزل الله، فهو ظالم.
ويكون فاسقا: إذا كان حكمه بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه مع اعتقاده أن حكم الله هو الحق، لكن حكم بغيره لهوى في نفسه، أي محبة لما حكم به لا كراهة لحكم الله ولا يضر أحدا به، مثل: أن يحكم لشخص لرشوة رشيء إياها، أو لكونه قريبا أو صديقا، أو يطلب من ورائه حاجة، وما أشبه ذلك مع اعتقاده بأن حكم الله هو الأمثل والواجب اتباعه، فهذا فاسق، وإن كان أيضا ظالما، لكن وصف الفسق في حقه أولى من وصف الظلم.
أما بالنسبة لمن وضع قوانين تشريعية مع علمه بحكم الله وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله، فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين، فهو كافر لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه الخير للعباد والبلاد من شريعة الله، وعندما نقول بأنه كافر، فنعني بذلك أن هذا الفعل يوصل إلى الكفر.
ولكن قد يكون الواضع له معذورا، مثل أن يغرر به كأن يقال: إن هذا لا يخالف الإسلام، أو هذا من المصالح المرسلة، أو هذا مما رده الإسلام إلى الناس.
فيوجد بعض العلماء - وإن كانوا مخطئين - يقولون: إن مسألة المعاملات لا تعلق لها بالشرع، بل ترجع إلى ما يصلح الاقتصاد في كل زمان بحسبه، فإذا اقتضى الحال أن نضع بنوكا للربا أو ضرائب على الناس، فهذا لا شيء فيه.
وهذا لا شك في خطئه، فإن كان مجتهدين غفر الله لهم، وإلا، فهم على خطر عظيم، واللائق بهؤلاء أن يلقبوا بأنهم من علماء الدولة لا علماء الملة.
ومما لا شك فيه أن الشرع جاء بتنظيم العبادات التي بين الإنسان وربه والمعاملات التي بين الإنسان مع الخلق في العقود والأنكحة والمواريث وغيرها، فالشرع كامل من جميع الوجوه، قال تعالى:
وكيف يقال:إن المعاملات لا تعلق لها بالشرع وأطول آية في القرآن نزلت في المعاملات، ولولا نظام الشرع في المعاملات لفسد الناس؟
وأنا لا أقول: نأخذ بكل ما قاله الفقهاء، لأنهم قد يصيبون وقد يخطئون، بل يجب أن نأخذ بكل ما قاله الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يوجد حال من الأحوال تقع بين الناس إلا في كتاب الله وسنة رسوله ما يزيل إشكالها ويحلها، ولكن الخطأ إما من نقص العلم أو الفهم، وهذا قصور، أو نقص التدبر، وهذا تقصير.
أما إذا وفق الإنسان بالعلم والفهم وبذل الجهد في الوصول إلى الحق، فلا بد أن يصل إليه حتى في المعاملات، قال تعالى
ومن سن قوانين تخالف الشريعة وادعى أنها من المصالح المرسلة، فهو كاذب في دعواه لأن المصالح المرسلة والمقيدة إن اعتبرها الشرع ودل عليها فهي حق ومن الشرع، وإن لم يعتبرها، فليست مصالح، ولا يمكن أن تكون كذلك، ولهذا كان الصواب أنه ليس هناك دليل يسمى بالمصالح المرسلة، بل ما اعتبره الشرع، فهو مصلحة، وما نفاه، ليس بمصلحة، وما سكت عنه فهو عفو.
والمصالح المرسلة توسع فيها كثير من الناس، فأدخل فيها بعض المسائل المنكرة من البدع وغيرها، كعيد ميلاد الرسول، فزعموا أن فيه شحذا للهمم وتنشيءطا للناس لأنهم نسوا ذكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا باطل، لأن جميع المسلمين في صلاة يشهدون أن محمدا عبده ورسوله ويصلون عليه، والذي لا يحي قلبه بهذا وهو يصلى بين يدي ربه كيف يحي قلبه بساعة يؤتى فيها بالقصائد الباطلة التي فيها من الغلو ما ينكره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ فهذه مفسدة وليست مصلحة.
فالمصلحة المرسلة وإن وضعها بعض أهل العلم المجتهدين الكبار، فلاشك أن مرادهم نصر الله ورسوله، ولكن استخدمت هذا المصالح في غير ما أولئك العلماء وتوسع فيها، وعيه، فإنها تقاس بالمعيار الصحيح، فإن اعتبرها الشرع قبلت، وإلا، فكما قال الإمام مالك: (1)
وليعلم أنه يجب أن يجب على الإنسان أن يتقي ربه في جميع الأحكام، فلا يتسرع في البت بها خصوصا في التكفير الذي صار بعض أهل الغيرة والعاطفة يطلقونه بدون تفكير ولا روية، مع إن الإنسان إذا كفر شخصا ولم يكن الشخص أهلا له عاد ذلك إلى قائله، وتكفير الشخص يترتب عليه أحكام كثيرة،فيكون مباح الدم والمال، ويترتب عليه جميع أحكام الكفر، وكما لا يجوز أن نطلق الكفر على شخص معين حتى يتبين شروط التكفير في حقه يجب أن لا نجبن عن تكفير من كفره الله ورسوله، ولكن يجب أن نفرق بين المعين وغير المعين، فالمعين يحتاج الحكم بتكفيره إلى أمرين:
1. ثبوت أن هذه الخصلة التي قام بها مما يقتضي الكفر.
2. انطباق شروط التكفير عليه، وأهمها بأن هذا مكفر، فإن كان جاهلا،فإنه لا يكفر، ولهذا ذكر العلماء أن من شروط إقامة الحد أن يكون عالما بالتحريم، وهذا وهو إقامة حد وليس بتكفير، والتحرز من التكفير أولى وأحرى.
قال تعالى:
|