الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية **
من خلال كتاب ((صفحات من أوراقه الخاصة)) من خلال كتاب جمال حمدان صفحات من أوراقه الخاصة إعداد وتقديم: د. عبد الحميد صالح حمدان الناشر: دار الغد العربي القاهرة 1996، * ويقع هذا الكتاب في 182 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوى على خمسة فصول . * وجـمال حـمدان لم يكن عالمًا في الجـغرافيا فحسب، ولكنه كـان عبقريًا فذًا... وعاشقًا لمصر كأعظم ما يكون الحب. في الفصل الأول من الكتاب ذكر الكاتب جملة حقائق: 1ـ الأضرار التي حدثت لمصر نتيجة بناء السد العالي والخطر الصهيوني: أ ـ أصبحت أرض مصر معرضة للتآكل الجـغرافي لأول مرة في التاريخ كله، وإلى الأبد، إذ تحولت من عالم متناه بالطبع والطبيعة الجغرافية، إلى عالم متآكل بفعل الإنسان، فأولًا السد العالي أوقف نمو أرض مصر أفقيًا ورأسيًا ... وعرضها للتآكل البحـري والصحراوي. ب ـ أصبحت أرض مصر "أرضًا مغلقة" بيولوجيا بلا صرف بلا مصرف، وبالتالي لا تتجدد مياهها وتربتها، كما لم يعد تجدد أرضها وترابها، من ثم أصبحت بيئة تلوث نموذجية، وبقدر ما هي بللورة مركزة طبيعيًا، ستصبح بللورة تلوث مكثفة حتى الموت البيلوجـي. جـ ـ لأول مرة ظهر لمصر منافسون ومطالبون ومدعون هيدرولوجيا، كانت مصر سيدة النيل ـ بل ـ مالكة النيل الوحيدة ـ الآن فقط انتـهى هذا إلى الأبد، وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائي محدود، وثابت وغير قابل للزيادة، إن لم يكن للنقص، والمستقبل أسود ولّت أيام الغرق، وبدأت أيام الشرق وعرفت الجفاف، "الجفاف المستديم" بعد "الرى المستديم ". د ـ في الوقت نفسه بلغ عدد سكان مصر الذروة، غير المتصورة قط، بينما القاعدة الأرضية والمائية في انكماش أو انقراض . هـ ـ مع كل هذه الانكماشات والانزلاقات الداخلية والذاتية، أتت الكوارث الخارجية لا فرادى، ولا بالمثنى، ولكن بالجمع والجملة: * إسرائيل. * بترول العرب. * الانقلاب الكوني العالمي في الحضارة والتكنولوجيا، والهيمنة الأمريكية، وسقوط السوفييت... إلخ، هذا وحده عصف بكل ما تبقى من مكانة مصر، بعد أن تآكل المكان من العوامل الداخلية : المتغيرات الداخلية تخرب المكان. المتغيرات الخارجية تخرب المكان . مصر تختلف عن كل بلاد العالم من حيت مشكلة تلوث البيئة، فهي أول بيئة زراعية في التاريخ غالبًا، وهي الآن بيئة مرشحة للانقراض والاختفاء في التاريخ أيضًا. الآن تتعرض لأكبر عملية تلويث كيماويًا + تآكل ميكانيكيًا، بحيث قد يأتي اليوم الذي تصبح فيه بيئة غير صالحـة بتاتًا لاستمرار حياة الإنسان، وعندئذ ينقرض السكان والإنسان بعد انقراض الأرض والبيئة ! 2 ـ الحضارة الإسلامية هي حضارة الأقباط أيضًا : يقول بعض الأقباط: إننا شركاء حضارة واحدة هي الإسلام، وإننا نختلف دينًا، ولكن نشترك في الحضارة وحضارة القبطي هي الحضارة الإسلامية. حسنًا، ما المقصود بالحضارة الإسلامية؟ إذا كان الماضي، فذلك صحيح، أي إننا شركاء في التراث، ولكن إذا كان المقصود الآن والعصر الحديث فأين هي الحضارة الإسلامية؟ إن كل حياتنا المادية هي الحضارة الغربية 100% هل مجرد المساجد والجوامع تجعلنا حضارة إسلامية؟ كـلا، إن الموجـود الآن ليس حـضارة إسلامية، ولكن ثقافة إسلامية، وجزئية عند ذلك هي اللغة طبعًا والدين+ التلمذة الثقافية للغرب . إذن نحن والأقباط شركاء ـ بعد الوطن والتاريخ والحضارة الإسلامية قديمًا شركـاء الآن في الثقافة نصف الغربية الإسلامية، إنهم أقرب المسيحيين في العالم إلى الإسلام بمعنى ما أو آخر. وفي هذا تفرد الأقلية القبطية لتضاف الى عناصر تفرد مصر بعامة. وكما أن مصر "فلتة" جغرافية، فإن الأقباط "فلتة" طائفية . 3 ـ أنقذوا مصر من القاهرة، والقاهرة من نفسها: كل طوبة توضع في القاهرة، هي جريمة في حق مصر كلها، وأولها القاهرة نفسها، كل كوبري يبنى داخـل القاهرة، هو كـبري مسروق من مدينة أو قناة أو منطقة أخـرى في مصر" مصر القوة والجمال ـ هذا ما نريد ـ القوة هي التحـرر الوطني والسيادة الوطنية والعزة القومية، ونفي التبعية للاستعمار والصهيونية وإسرائيل: أما الجمال فهو عزة الإنسان المصري في دولته القوية: العدالة، المساواة، إعادة توزيع الملكية والدخل ". وقد عرف جمال حمدان المثقف الحق أو الجغرافي الكامل (ص 58): "هو الإنسان الذي يتجاوز دائرة ذاته، ليصل إلى المجتمع الأكبر كله، هو الإنسان القادر على أن يجعل مشاكل الآخرين همومًا شخصية له. هو ضمير عصره سابق لعصره في إدراك الخطر المستقبلي والحلم بالمستقبل، هو برج مراقبة للعالم من حوله، يرصد، ويحلل، يتوقع ويتنبأ، يحذر ويخطط لا يضيع في التفاصيل، وإن تابعها بكل تفصيل، يحول الشجار إلى نهاية، والتكتيك إلى الاستراتيجية، إنه مفكر استراتيجي، كلي شمولي نبؤي... إلخ. حسنًا، إذا كان هذا هو تعريف المثقف الشائع والأكثر شيوعًا وقبولًا، فإن لم يكن هو تعريف الجغرافي فماذا يكون؟ إن المثقف الجغرافي هو سيد المثقفين. (ص 59). 4 ـ الحذر من فكرة العالمية: نعم، العالم يصبح قرية كبيرة أو صغيرة ـ ولكن حذار من هيستيريا العالمية (لعبة أمريكا والغرب ضد الآخرين خصوصًا نحن) ـ المهم في الجغرافيا: لن يصبح العالم " كذلك "إقليميًا " جغرافيًا واحدًا قط، ستظل الجغرافيا هي الجغرافيا، والعالم هو العالم ـ وماعدا ذلك فسفسطة وفلسفة مفلسة. 3 ـ لا ثقافة بلا جغرافيا (ص 64): لا سياسة بلا جغرافيا، لا تاريخ بلا جغرافيا؟ لا عمران بلا جغرفيا؟ لا اقتصاد بلا جغرافيا، الجغرافيا والحياة؟ جغرافية الحياة، الجغرافية الحية. 6 ـ أهمية الجغرافيا للتاريخ (ص 67): لا يتحول التاريخ إلى علم، إلا بتخصيبه بالجغرافيا، وبغير ذلك يظل كائنًا عقيمًا. وفي الفصل الثالث تحدث الكاتب عن العرب والعالم العربي: 1 ـ ما دخل العرب التاريخ إلا بفضل الإسلام (ص 92) . "بعد أن حاربوه طويلًا وبضراوة، قبل العرب الإسلام، وأقبلوا عليه بحماس لا يقل هوادة، ربما لأنهم أدركوا أنه أعظم استثمار قومي أتيح لهم في التاريخ. ولعلهم انقضّوا عليه لينشروه بقوة وعنف خـارج الجزيرة، فعن طريقه فرضوا سيادتهم ولسانهم على المنطقة وعلى عالم بأسره، وكونوا لأنفسهم رصيدًا تاريخيًا قوميًا يعيشون عليه إلى الأبد، فضلًا عن المكاسب المادية البحتة ". "لقد خرج العرب من الصحراء، ودخلوا التاريخ بفضل الإسلام، وما كان لهم هذا ولا ذاك بدونه، لم يكن الإسلام بالنسبة للعرب رسالة من السماء فقط، ولكن أيضًا نجدة من السماء". "قبل الإسلام، لم يكن عرب الجـزيرة أمة، ولا كان لهم تاريخ، حـتى أمة بلا تاريخ لم يكونوا، بل مجرد حـفنة أو شرذمة من القبائل المتحـاربة المتعاركة، المتطاحنة المتعددة اللهجات وأحياتا اللغات، وهي إن لم تكن تقع خارج التاريخ، فإن لها تاريخ فولكلوري على أكثر تقدير". 2 ـ المشرق العربي منطقة نفوذ أمريكي (96): "إن التوجـه الطبيعي سياسيًا وحضاريًا واقتصاديًا للعالم العربي والشرق الأوسط كله هو إلى أوربا، لا إلى أمريكا، مهما كان التفوق الأمريكي والسياسة والسيطرة الأمريكية. لكنه البترول أساسيًا وإسرائيل أولًا، هما اللذان حرفا التوجه الطبيعي من أوربا إلى أمريكا (+ انحـدار أوربا) (طبعًا)، لكن لولا إسـرائيل+ البترول، لكان المشرق العربي كله ـ كالمغرب العربي حاليًا ـ بوصلته أوربا أساسًا لا أمريكا، ولذا نجد الآن أن المشرق العربي منطقة نفوذ أمريكية بحتة، بينما المغرب العربي منطقة نفوذ أوربية فرنسية. أما الجزيرة العربية فكانت أشبه بجنوب شرق أوربا والبلقان. ضعف وتخلف ورجعية... إلخ، إلى أن قلبها البترول المجنون إلى أمريكا، ولكنها التابعة لأمريكا". 3 ـ كارثة فلسطين إسرائيل هي ببساطة كالآتي: طلبت الصهيونية العالمية دولة لليهود في فلسطين فأسسها لهم العرب. المعنى: قيام إسرائيل وضياع فلسطين هو مسؤولية العرب، والعجز العربي.. والخيانة العربية، والجبن العربي... والتفرق العربي، الذي حدد نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي، هو الصراع العربي العربي. الفلسطينيون لم يبيعوا فلسطين لليهود، ولكن العرب هم الذين باعوا فلسطين والفلسطينيين لإسرائيل! 4 ـ الإسلام جاء ليبقى: "بعضهم يقول ": القومية أيديولوجية ـ كالشيوعية وكالإسلام... إلخ. وكما سقطت الشيوعية سقطت القومية، وجاء الإسلام ليبقى... إلخ. حسنًا، الشيوعية أيديولوجية، كالرأسمالية، وبعيدًا عن الإسلام، الذي هو دين أولًا وآخرًا، وليس أيديولوجية بالمعنى الجاري، فإن القومية ليست أيديولوجية على الإطلاق، نأخـذ بها أو نرفضها، تنمو أو تندثر... إلخ، إنما القومية "طبيعة"، عنصر طبيعي كالتضاريس والجبال والأجناس..، إلخ. 5 ـ قبول العرب بضياع فلسطين انتحار سياسي (99): "إن قبول العرب نهائيًا بضياع فلسطين نهائيًا، وتثبيت إسرائيل، وهو مقابل الخروج الأندلسي مع فروق، سيكون اعترافًا، بل إعلانا من العرب عن إنهاء وحل العروبة والقومية العربية نهائيًا وإلى الأبد. بمعنى أن أمة قررت حل نفسها، واعتبار ذاتها ليست أمة ـ تمامًا، كما أعلن الاتحاد السوفيتي حل نفسه وإنهاء وجوده كدولة ". "وفي الحـالين، فإنه انتحار سياسي وقومي على مبدأ "بيدي لا بيد عمرو" والعدو المضاد في حالتنا هو إسرائيل، وفي حالة الاتحاد السوفيتي أمريكا، وفي الحالين فإن أمريكا هي القاتل النهائي عن بعد Remote assasin " "نابليون هو أول أصحاب فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين ـ أي إسرائيل!! لقد نجحت الصهيونية في إنهاء وإفناء القومية العربية، التي لم تكن قد بدأت بالكاد، وكانت في مرحلة التكوين والنمو بالمعنى الحديث ـ إذ يبدو أن إسرائيل لن تزول أبدًا، فإذا ما بقيت فهذا حتمًا هو زوال القومية العربية إلى الأبد، إنهما نقيضان مستحيل اجتماعهما ". "إذا كان اليهود يقولون: لا معنى لإسرائيل بدون القدس، فنحن نقول لهم: لا معنى للعرب بدون فلسطين ". "الكوارث السياسية التي أصابت العالم العربي+ آثار البترول، سببت مرحلة أو عصرًا من التحركات السكانية والهجرات والتبادلات السكانية + التزاوج الكثيف بين الدول العربية. دياسبورا الفلسطينيين في العالم العربي، جعلت الآلاف منهم يتزوجون عربًا آخرين كالمصريين والعرب، المصريين والليبيين. "بوتقة عربية حديثة وخطيرة. وهكذا أصبح في الشرق الأوسط بوتقتان متضادتان بوتقة إسرائيل، بوتقة العرب". وفي الفصل الرابع يتحدث الكاتب عن الإسلام.. والعالم الإسلامي (100): 1 ـ هناك صراع بين الشمال ضد الوسط (لا الشمـال ضد الجنوب) وهو صراع عقدي بين أيديولوجية الغرب وأيديولوجية الإسلام (101). "ولا شك أن الإسلام اليوم يمثل عنصرًا غير متكيف تمامًاMisfit مع حضارة العصر، التي هي أساسًا حضارة الغرب. وهي مشكلة المسلمين لا الإسلام طبعًا، ولكنها دائمًا يتم إسقاطها عليه (القاعدة هي مرادفة الإسلام بالمسلمين وإسقاط المسلمين على الإسلام لا العكس، وهذا هو الخطاء الجذري والعمدي الذي يلجأ إليه كل نقاد الإسلام من حيث هو إسلام " . وإذا كـان الإسلام اليوم ضعيفًا مغلوبًا على أمره، والسيادة والسيطرة لأوربا والغرب المسيحي خارج كل حدود، فإن هذا الوضع ليس قديمًا أو أصيلًا، بل حديث طارئ منذ العصور الحديثة، تمامًا كما هي قصة التوازن وصراع القوة أوربا وآسيا. فقديما في العصور الوسطى وما قبلها كانت أوربا تقع تحت مطرقة آسيا والآسيويين، وغاراتهم واحتلالهم قرونًا، وكانت الغلبة دائما للرعاة الآسيويين... إلخ، ثم انقلب الميزان رأسًا على عقب، منذ البارود في العصور الحديثة، وأصبح العالم الآسيوي مستعمرة لأوربا تقريبًا، نفس الشيء بالنسبة للعالم الإسلامي مع ملاحظة التداخل الجزئي جغرافيًا بين العالم الإسلامي والعالم الأوراسي ـ ففي العصور الوسطى كـان العالم الإسلامي سيد أوربا وغازيها. بعد العصور الحديثة انقلب الميزان "المهم في هذه النقطة هو ذلك التشابه التاريخي في تطور علاقة القوة بين كل من العالم الإسلامي والعالم الآسيوي، وبين أوربا المسيحية والغرب الأوربي". "الأقليات الإسلامية خـارج العالم الإسلامي، تقابلها الأقليات غير المسلمة داخلة جزر في هذا المحيط، مقابل واحات في تلك الصحراء، وكلتاهما تمثل منطقة انتقال دينية بين كتلة الإسلام وغير الإسلام، أي مساحة من الوصل ـ بقدر ما هي من الفصل ـ بين عالمين أو قل مساحة رمادية بين الأبيض والأسود، فهي تقرب بين النقطتين وتخفف من التناقض والتضاد بينهما، ولذا فهي مفيدة كعامل ربط نسبيًا، أي ليست شرًا مطلقًا أو شرًا لابد منه، أوشيء لا خير فيه، وإنما هي شيء لابد منه ". لذا فإن الصراع الحقيقي انتقل اليوم إلى معادلة جديدة : معادلة صراع الشمال ضد الوسط لا الشمال ضد الجنوب . 2 ـ بعض الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه الخطر الجديد والعدو الجديد بعد سقوط الشيوعية والسوفييت... إلخ. هذا علنا وحرفيا: "والمقصود أن الصراع الأيديولوجي السـابق حل محله صراع أيديولوجـي جـديد. فالإسلام كعقيدة هو أيديولوجية مضادة لأيديولوجية الغرب، وللغرب، وحضارة الغرب. "الإسلام اليوم يعيش الحضارة الحديثة المعاصرة ـ أي الغربية أو الأوربيةـ ولكنه لا يعيش نمط الحياة الغربية Genre de vie هو يقبل الحضارة الغربية، لا "المجتمع " الغربي. هو مندمج حضاريًا، مختلف مجتمعيًا، من هنا الخلاف والاختلاف غير قابل للذوبان في الحضارة الحديثة، يعيش خارج الحضارة الحديثة، لا يمكن هضمه كما لايمكن هضمهم. هذا يعتبره بعض الغربيين تحديًا، التحدي الإسلامي المزعوم، والذي يهدد حضارة الغرب، وربما حياة الغرب ولكن هذا وهم ـ أوهام العوام والخواص والخواجة ـ أوهام الخواجة ". "فعلًا ـ انتشار الإسلام وتمدده ملحمة جغرافية فريدة لا مثيل لها قط بين الأديان، هذا التوسع القاري القرني خرافة تاريخية تقريبًا، ولكنه حدث ". "وحدود العالم الإسلامي اليوم تمتد من المحيط إلى المحيط ـ الأطلسى ـ الهادي ـ ومن البحر إلى البحرـ البحر الأسود إلى بحر العرب ـ ومن البحر إلى المحيط ـ المتوسط ـ الهندي. ومن البحيرة إلى البحيرة ـ بيكال ـ فيكتوريا " الإسلام دخل أوربا من الغرب ومن الشرق، الأندلس والبلقان، كانت القاعدة في الأولى الشام الأموي، وفي الثانية الأناضول العثماني. هاتان البيئتان البحريتان التي توسع منهما الإسلام شمالًا . وهناك بيئتان بحـريتان أخريان في الجنوب، توسع منهما الإسلام بحـرًا ـ عمان إلى إفريقيا، واليمن إلى الهند الشرقية. وما بين الاثنين بيئة قارية برية هي التي توسع منها عرب الجزيرة الداخلية ليغطى قلب القارات في آسيا وإفريقيا. لاحظ دور الشام التوسعي كبيئة بحرية: قديما إلى قرطاجنة ـ تونس . ثم إلى المغرب فالأندلس. لقد قفز عرب الإسلام رؤوس ولا نقول جثث البيئات المستقرين وتجاوزهم إلى أبعد آفاق الإسلام على رؤوس المصريين إلى المغرب غربًا، وإلى السودان جنوبًا. فالذي نقل الإسـلام وأدخله إلى المغـرب وإلى السودان، ليس المصـريين ولكن عرب الجزيرة عبر مصر، وهكذا فعلوا شرقًا على رؤوس العراق . "من اللافت بشدة أن أهم خـصائص أو صفات الإسلام هي نفسها أهم خصائص وصفات أرض الإسلام، أي العالم الإسلامي، وهي التوسط والاعتدال في الحالين فالعالم الإسلامي متوسط الموقع تماما في العالم القديم، وبيئته الطبيعية أقرب إلى الاعتدال بحكم هذا المتوسط ـ موقع متوسط، وموضع معتدل، أما الإسلام فيقال لنا دائمًا: إنه دين التوسط والاعتدال، لا إفراط ولا تفريط، لا تطرف ولا تعنف". "فعلًا أوربا والعالم العربي+ الشرق الأوسط ـ هما وحدهما شركاء التاريخ البشري الفعال. هما فرسا رهان التاريخ والحضارة، والسياحة والاستراتيجية، والدين والصراع والسلم والحرب. وإذا كان هناك تنافس وصراع، فهذا إنما يؤكد الندية، وأنهما فرسا رهان، وإذا كانت أوربا تنكر هذا ولا تراه، فهذا عمى ألوان". "من هنا يجب ألا ننفصل عن أوربا، باعتبارنا وحدنا الأعرق والأقوم والأكثر أصالة وقرابة وقربا في عالم إما قديم، ولكنه معزول تمامًا كالمجهول، أو غير الموجود ـ الشرق الأقصى ـ وإما جديد محدث طارئ ـ أمريكا. وكما يتقارب الأوربيون أنفسهم داخل أوربا بعد صراعات ألفية رهيبة، وذكريات مريرة، فإن الدور ينبغي أن يأتي على أوربا مع العرب والمشرقيين ـ الشرق الأوسط ". "لمصلحة الطرفين ذلك على الأقل لإحداث التوازن ضد القادمين الجدد الذين يهددون كلا الطرفين، وخاصة الطغيان والهيمنة الأمريكية المجنونة " . 3 ـ اضطهاد المسلمين ومذابحهم في القرن العشرين . "رغم أن الإسـلام صـالح لكل زمـان ومكان، إلا أنه لم يعـد له مكان بالكاد في هذا الزمان". "اضطهاد المسلمين ـ ومذابحهم المعاصرة في ختام القرن 20، وعلى أبواب القرن21 الميلادي ـ لا قبل الميلاد ـ ظاهرة مؤسفة، محزنة مخجلة طبعًا، ومرفوضة تمامًا: ولكنها للأسف طبيعية ـ فالتعصب الديني والصراع الطائفي جزء من صراع الشعوب والأمم والدول والقوى والمجتمعات والجماعات، صراع البقاء المؤبد، ولماذا نندهش له ونستغربه، على بشاعته ورفضنا له، ومثله أو عكسه موجود بيننا داخل العالم الإسلامي، وقبله ألم يكن الكفار يضطهدون المسلمين في عصر النبي؟ "دار الإسلام " وقد تحولت ـ للأسف ـ إلى "دار حرب" في العقود الأخيرة، أصبح العالم الإسلامي ساحة لحروب عديدة لا تنقطع. 1 ـ إما داخلية بين دول إسلامية. 2 ـ وإما حرب أهلية داخل الدولة الإسلامية الواحدة. 3 ـ وإما كحروب أقليات تتعرض لها الأقليات الإسلامية على تخوم العالم الإسلامي أو خارجه". وهذه الحروب تؤلف نطاقًا كاملًا يطوق العالم الإسلامي، ويكاد يلفه لفًا من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب: أ ـ الحروب بين الدول الإسلامية: ليبيا X تشاد ـ العراق Xإيران. العراق Xالكويت (+ السعودية والخليج ومصر وسوريا). الجزائر X المغرب (الصحراء الغربية). ب ـ الحروب الأهلية الداخلية: أفغانستان ـ نيجـيريا ـ لبنان ـ قبرص ـ الفلبين (المورو) ـ سرى لانكا (التاميل المسلمين) ـ الصومال. ج ـ حروب الأقليات الإسلامية: بورما (أراكان) ـ إريتريا. د ـ حروب الدول غير الإسلامية ضد الإسلامية: الهند Xالباكستان ـ الصرب Xالبوسنة والهرسك و X "كوسوفا ". إسرا ئيل X فلسطين ـ مصرـ الأردن ـ سوريا ـ لبنان. المفارقة المفجعة حقًا أن الإسلام الذي يصلح لكل زمان ومكان، لم يعد له مكانًا بالكاد في هذا الزمان! فخارج العالم الإسلامي، الإسلام والمسلمون مطاردون مضطهدون شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، في آسيا البوذية، وأوربا المسيحية، في إفريقيا السوداء، من سائر الأديان كما من الأديان أو اللا أديان الأرضية. غريب جدًا: وفي آسيا، الديانات غير السماوية تضطهد الإسلام والمسلمين في كل مكان الهند الهندوكية، بورما البوذية، الصين... إلخ. ولكن في كل الحالات، فإنهم لا يضطهدون بعضهم البعض، ليس بينهم مشاكل طائفية فلا الهندوس يضطهدون، أو العكمس، ولا الشنتو يضطهدون الهندوس أو.. إلخ! ". "لا يريد العرب والمسلمون أن يدركوا أن هناك ثنائية أبدية في الصراع الأبدي الديني في هذا العالم، إنها "ثثائية الثنائية": صراع ـ ديني أبدي بين طرفين كل منهما ذو طرفين: الإسلام + العرب ضد المسيحية + اليهود . لا يريد العرب والمسلمون أن يفهموا أن الغرب والأوربيين ينظرون إلى اليهود كجزء منهم سواء جنسيًا أو دينيًا (+ حضاريا أيضًا)، إلا أنه جزء صغير مشاغب، كالابن الضال Prodigal son الذي سيعود في النهاية إلى العائلة، مهما فعل فهو مغفور له، والعائلة معه إلى النهاية. جنسيًا، اليهود أوربيون (كذلك حضاريًا) دينيًا هم طائفة ناشز من المسيحية وخوارج أو متخلفون عن الديانة الأم أو الحق... إلخ. 4 ـ المفروض أن المسلمين هم التجسيد العملي للإسلام: فمن ناحية الانفصال للإسلام عن المسلمين، إذ لا إسلام بلا مسلمين ـ كما أنه لا اشتراكية بلا اشتراكيين ـ فالمسلمون هم التجسيد المادي المحسوس للإسلام. الإسلام هو الروح والمسلمون الجسد، الإسلام يتجسد في جسم المسلمين ويحييه، والمسلمون هم الجسم الذي يحتوي الروح ويحميها، وهم التجسيم المادي المرئي الملموس للعقيدة والدين كفكرة وأيديولوجية، إسلام بلا مسلمين، ولكن قد يكون هناك "مسلمون بلا إسلام "! "أما المرادفة بين الإسلام والمسلمين، كما يفعل معظم المستشرقين والغرب، فهذا فقط من قبيل المجاز، والاختصار، التجاوز واليسر، ولكن يمكن أحيانا أن يكون إيجازا مخلًا ومجازًا مغرضًا. الظاهرة الحقيقية جدًا والمحيرة للغاية، هي الانقلاب الذي طرأ على وضع الإسلام ودرجة تقبله أو رفضه في إفريقيا الجديدة بعد التحرر. قديما كان التحول إلى الإسلام يتم بسهولة وسلام، وبإقبال شخصي شديدًا من أصحابه، الذين كانوا يرون في الإسلام وسيلة للتحرر والحرية والكرامة. بعد التحرر السياسي وخروج الاستعمار، حدث العكس أصبح هناك عقدة نفسية ضد الإسلام، ورفض له حادًا ومؤكدًا، باعتباره وسيلة لسلب الإنسان من حريته الشخصية،لا شك أن أصابع الدول الاستعمارية والاستعمار خلق ذلك في الحالين، ولكن كعنصر ثانوي، وعامل انتهازي، ولكن الأصل والعيب ليس في الإسلام نفسه ". (عودة الإسلام ليقود من جديد): "يبدو لي أن عودة الإسلام أصبحت حقيقة واقعة في أكثر من مكان في أسبانيا اليوم، عودة الإسلام حقيقة ودالة جدًا تحت ناظرينا". ثم في جمهوريات آسيا الوسطى ـ السوفيتية سابقًا ـ هناك عودة مؤكدة بمعنى ومفهوم مختلف، بعد طمر الشيوعية للإسلام 70 سنة. "في الوقت نفسه يبدو أن ديناميات الإسلام تختل تمامًا؟ فقديمًا كان الإسلام يتقلص في تراجع نحو الجنوب في جبهته الأوربية وجنوب جبـهته الإفريقية، الآن هناك عودة الإسلام في أوربا خاصة في طرفيها أسبانيا وآسيا الوسطى + هجرة المسلمين إلى قلب أوربا". فقد كان الاستعمار لا يحارب الإسلام علنا أو مباشرة، ولكنه كان يحاصره بطرق غير مباشرة. "فقد كان يعطي كل الفرص والإمكانيات للوثنيين المنتصرين، أو المسيحيين من الفئات المستعمرة. فكانوا متأوربين "متحضرين" بالمعنى الأوربي، وجاهزين للسلطة والحكم حين ذهب الاستعمار، بينما كان المسلمون في كتاتيبهم ودراساتهم الدينية لا يصلحون لشيء فعلًا. وحين تسلم المنتصرون السلطة، اتخذ التناقض الديني شكل صراع سافر أو مكتوم، فأصبحت الدولة الجديدة تحارب الإسلام وتناصر المتنصرين، فتوقف الإسلام وتحول من المد إلى الجزر. 5 ـ استراتيجية الصهيونية واليهود هي استدراج الإسلام وتورطه في صدام دموي مع النصارى : "إن الاستراتيجـية العظمى لأعداء الإسلام هي استدراجه ـ الإسلام ـ وتوريطه في صدام وصراع دموي، مسلح إن أمكن، مع النصرانية. هذه هي استراتيجية الصهيونية واليهود" * الاستراتيجية الإسلامية المضادة، ينبغي أن تعكس هذا الصراع: أن تدق إسفينًا ما بين المسيحية واليهودية، وتعمل على الفصل بينهما ما أمكن، وفي نفس الوقت وبنفس درجة التقارب بين الإسلام والمسيحية أندونيسيا هي الإسلام الوحيد الذي يخترقه خط الاستواء، فالإسلام لا يصل في أي قارة أخرى جنوبًا إلى خط الاستواء، سواء ذلك في إفريقيا أو أمريكا الجنوبية. في إفريقيًا هو يقطع منطقة الساحل الشرقي لعمق محدود للغاية. "سينكيانج والتبت، كلتاهما في الصين. كلتاهما آسيا الوسطي في الاتحاد السوفيتي السابق، ليست صينية، ولكن استعمار صيني، وكما انفصلت آسيا الوسطى في دول مستقلة، يجب أن تنفصل سينكيانج والتبت عن الصين كدول مستقلة (داخلية) أيضًا، إذ لا معنى حقيقة لهذا الابتلاع ". 6 ـ الغرب يسمى الإسلام الخطر الأخضر ويعتبره عدوه اللدود: "كان الغرب يتحدث عن الخطر الأحمر أي الشيوعية، فابتكر الآن تعبير "الخطرالأخضر" إشارة إلى خطر الإسلام. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وزواله، وبدء البحث عن عدو جديد، قيل: إنه الإسلام، نؤكد أن الإسلام خارج المعركة والحلبة، هو فقط كبش فداء مؤقت، أما العدو الحقيقي الفعال فسيظهر من بين صفوف المعسكر المنتصر بالغرب، وسيكون الصراع الرهيب بين أمريكا وأوربا الغربية أو اليابان أو... ولعلهم هناك يخدعون أنفسهم ثمن حتمية ومأساوية، هذا الصراع القادم بالحديث الشفهي عن الإسلام كعدو". 7 ـ الجغرافيا علم الأين: "على المسلم الذي يكتب عن العالم الإسلامي، أن يضع نفسه في مكان غير المسلم، خاصة الأوربي المسيحي، ليس فقط ليكون موضوعيًا، ولكن أيضًا ليستوعب وجهة نظر الآخرين "الآخر". أسوأ دعاية وأكبر للإسلام هي الإسلام السياسي بالمعنى الأصولي". الإسلام السياسي إذن نوعان، كما يمكن تصنيفه: 1 ـ الإسلام الحميد ـ تحرير فلسطين أساسا + تنمية وتطوير العالم الإسلامي. 2 ـ الإسلام السياسي الخبيث ـ الثيوقراطية والدولة الدينية. 3 ـ الغرب يعتبر العالم الإسلامي عدوه الجديد : "بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفيتي، أصبح العالم الإسلامي هو المرشح الجديد كعدو الغرب الجديد. وإلى هنا لا جديد. الجديد هو أن الغرب سوف يستدرج خلفاء الإلحاد والشيوعية إلى صفه ليكوّن جبهة مشتركة ضد العالم الإسلامي والإسلام، باعتبارهما العدو المشترك للاثنين، بل لن يجد الغرب مشقة في هذا، ولن يحتاج الأمر إلى استدراج: سيأتي الشرق الشيوعي القديم ليلقي بنفسه في معسكر الغرب الموحد ضد الإسلام والعالم الإسلامي. الإسلام اليوم في فرنسا هو الديانة الثانية بعد الكاثوليكية ـ وقبل البروتستانتية واليهودية ـ عددهم 6.5 مليون ـ 11% من سكان فرنسا. وفي الفصل الخامس يتحدث الكاتب ـ رحمه الله ـ عن العالم الغربي: 1ـ صراعات البشرية من أجل القوة والسيطرة العالمية، ومنها الصراعات الأوربية: وعن إمكانية التقارب بين العالم العربي وأوربا قال "جمال حمدان": "كانت أوربا البيضاء في صراع دموي ألفي طوال تاريخها مع بعضها البعض، أعدى الأعداء الآن يتقاربون ويتحابون ويتطلعون إلى دولة واحدة الولايات المتحدة، بعد أن لم يكونوا يرون إلا الاختلافات والخلافات بينهم، لم يعودوا يرون إلا التشابهات والروابط بينهم! ما من محبة إلا بعد عداوة! حسنًا، كانت أوربا البيضاء المسيحية طوال العصور الوسطى المظلمة في حرب ظالمة، وعداء منطقي مع العالم العربي والشرق الأوسط ـ المسلمين ـ ولا يزال الثأر والتعصب والحقد والكراهية بدرجات متفاوتة" عن الحكمة التي تقول: "ما محبة إلا بعد عداوة". علق الكاتب ـ رحمه الله ـ يقوله: "هذا ما يحـدث الآن في أوربا بعد حـروب ألفيـة ـ وبالآلاف، بدؤوا يتقاربون ويدركون وحدة أصلهم وِكيانهم. يومًا ما سوف تتسع الدائرة ليكتشف الأووبيون أن أقرب الشعوب غير الأوربية إلى الأوربيين هم العالم العربي والشرق الأوسط، وإنهم جميعًا قوقازيون، بيض، متحضرون، مختلفون عن سائر شعوب الأرض أي وحدة، ولكنها أقل كثافة وعمقًا من الوحدة الأوربية، كما أنه ما من محبة إلا بعد عداوة، فكذلك ما من مساواة إلا بعد صراع". "كل جماعة تفضل نفسها على الآخرين، وتعتبر الأرقى والأسمى وترفض أن تعترف بالآخرين أندادًا متساوين معها ومساوين لها، إلى أن يفرض الآخرون أنفسهم عليهم بالقوة والحرب والصراع، حتى يتقاربوا ويتصالحوا صلح الشجعان، وهذه قصة أوربا بشعوبها المختلفة داخلها، وما كارثة الاتحاد السوفيتي وشرق أوربا مؤخرًا إلا آخر وأحدث تجسيد لهذه الحقيقة ولهذا القانون ". "الآن الدور والدورة على العرب المسلمين والإسلام عامة. فعلًا أوربا والغرب تبحث الآن عن عدو ـ وليس هذا توهمًا أو شذوذًا ـ هو طبيعي جدًا في التاريخ والحياة ". "نفس القضية مع أوربا + العرب، لا للعرب، ولا أوربا، تنافس مع الآخرين على صدارة العالم، سواء في الماضي أو الحاضر، كلاهما يعلم ويعلن أن الأولوية لأوربا والغرب الآن وإلى الآبد، لكن العرب تشعر أنها الرجل الثاني في العالم، وتريد اعتراف أوربا بها على هذا الأساس، ولكن أوربا ترفض تكبرا ومكابرة، ولكن سيأتي اليوم الذي تدرك فيه أوربا صحة وشرعية الادعاء العربي، وستقربهم إليها على هذا الأساس". 2 ـ رغبة أوربا الموحدة في الاستقلال والتحرر من الخضوع لأمريكا: "وتمامًا تمامًا، وإن بالمقلوب، فكما كان الأمريكان الأوائل يسعون إلى الدولة الجديدة لكي يستقلوا عن الطغيان والظلم والتبعية والسيادة البريطانية الغاشمة، فإن الأوربيين اليوم يسعون إلى الوحدة الأوربية، لكي يستقلوا عن وصمة الوصاية والحماية والتبعية والتخلف والخضوع لأمريكا ـ الولايات المتحدة ـ وغطرستها المكشوفة والوقحة. 3 ـ تأمر أوربا وأمريكا ضد البوسنة والهرسك: "أوربا وأمريكا تلعبان معًا لعبة تواطؤ خبيء خبيث ضد البوسنة والهرسك، فكل منهما تترك مهمة التدخل للأخرى، أمريكا تتركها لأوربا باعتبارها مشكلة أوربية. وأوربا تتلكأ برغم عدم اتفاق أعضائها، وتترك الفرصة لأمريكا باعتبارها القيادة العليا! ولكن الاثنتين تتباريان في التسويف والتلكؤ عمدًا، بأمل أن يفرض الأمر الواقع نفسه، وهو انتصار الصرب، حتى لا تقوم دولة السلاطين في قلب أوربا". 4 ـ أوربا تعتبر أن العدو الجديد هو الإسلام: "واضح أن أوربا والغرب في بحث دائم عن عدو ما، وتاريخ أوربا الحديث هو سلسلة متعاقبة من العداءات الموجهة في القرن الماضي ANTI SEMITESMـ ضد السامية ـ بعد ذلك ANTI COMMUNISM ـ ضد الشيوعية ـ الآن ANTI ISLAMISM ـ ضد الإسلام". "ينبغي أن تميز في ألوان البشرة والأجناس بين "الأبيض الأوربي" "والأبيض الشرقي" وهو الأبيض القوقازي غير الأوربي، أو الأبيض القاتم أو الكابي". 5 ـ انهيار الولايات المتحدة قريبًا جدًا: " الآن تصارع الولايات المتحدة للبقاء على القمة، ولكن الانحدار لأقدامها سارٍ وصارمٍ والانكشاف العام تم، الانزلاق النهائي قريب جدًا في انتظار أي ضربة من المنافسين الجدد ـ أوربا، ألمانيا، اليابان". "وأمريكا تختلف عن كل دول الاستعمار السابق، لا في أنها فقط تنكر أي علاقة لها بالاستعمار، ولكن أساسًا في أنها أول مستعمر وقح متبجح بصورة علنية فاجرة، فالمستعمرون قبلها كانوا يعرفون أنهم لصوص، ولكن لا يدعون حقًا في اللصوصية، إلا أمريكا فإنها لأول مرة تعلن بكل وقاحة أنها لصة ولها حق اللصوصية". 6 ـ الاستعمار العالمي عاد إلى الوجود في صورة أخطر جدًا مما تتصور!! "أمريكا تتعامل مع العالم الخارجي كما تتعامل مع الهنود الحمر، وهي سرطان العالم السياسي، ويبدو أن دور روسيا الذي اختارته لنفسها بعد انتحار الاتحاد السوفيتي وللمشاركة الشكلية مع أمريكا في النظام الجديد ـ تعلقًا بحبال الهواء ـ هو أن تعمل "كوكيل لأمريكا" فيما كان الاتحاد السوفيتي سابقًا، أي كمساعد أول للسيد الأمريكي العالمي". "ويبدو كذلك أن النظام العالمي الجديد وارد أمريكا يعتمد على اعتماد مجموعة من الوكلاء الإقليميين الكبار في كل منطقة رئيسية من العالم ـ وكلاء. وأمريكا تشرع لنفسها فقط علنا وقانونيًا ـ محاربة الإرهاب الدولي العالمي ـ حيث قررت محكمتها العليا حق أمريكا في اختطاف ومحاكمة أي أجنبي تطلبه ". "هذا بالضبط يعني أن أمريكا بدأت تعامل العالم الخارجي، كما تعاملت مع الهنود الحمر في الداخل: الإبادة والإرهاب الاسم الشرعي!! ". "لقد بدأت الحـرب البـاردة بالفعل بين شـاطئ الأطلسي، بين أوربا وأمريكا حلفاء الأطلنطي، لقد انتقلت الحرب الباردة من الشرق ـ الغرب، أو الشيوعية الرأسمالية إلى داخل الغرب نفسه الغرب ـ الغرب، وداخل الرأسماليين القدامى خاصة فرنسا + ألمانيا، وأمريكا+ بريطانيا. "أصدقاء الأمس سيصبحون أعداء الغد، بمثل ما قد أصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم! ". "أمريكا هى" سرطان العالم السياسى" لا تنطبق صفة السرطان على شيء في الدنيا، كما تنطبق على أمريكا، كل خصائص ومشخصات وأعراض السرطان تنطبق عليها كما لا تنطبق على أي شيء آخر سوى الجسم الإنساني: إفراط النمو، والتضخم المرضى القاتل الذي يهدد سائر الجسم ـ العالم ـ في صميم وجوده". 7 ـ إسرائيل هي الحاكم: "وطريقة الحياة الأمريكية كما يسمونها ما هي؟ هي الهيستيريا الحياتية، طريقة حياة أمريكا هي هيستيريا دائمة، سعار مستمر، مركز ومصدر ومحرك وموجه هذه الهستيريا الوطنية هو الإعلام: الإعلام الأمريكي، هو قمة طريقة الحياة الأمريكية المزعومة، إنه الجنون والهيستيريا المسموعة والمقروءة والمرئية... إلخ، والشعب الأمريكي قطيع قائده الإعلام، وهو حاكم أمريكا الحقيقي، حتى الإدارة والحكم ينقاد لموجات الإعلام العاتية ويخضع لإشعاعاتها الضارة إن عفوًا أو عمدًا" "ولما كانت إسرائيل هي التي تحكم الإعلام الأمريكي، الذي يحكم العقل الأمريكي، فإن إسرائيل هي الحاكم النهائى والأخير والحقيقي للدولة الأمريكية ". 8 ـ أمريكا والعالم كله يتبادلان الحقد والكراهية: "أمريكـا في حالة سعار سياسي مجنون. ملاحظة هامة جدًا وجـديرة بالتفكير منذ نشأتها، وأمريكا تدعي المثالية السياسية في كل مجال، فهم أشراف وأطهار وأنبياء العفة السياسية في العالم وعبر التاريخ... إلخ، والعكس تمامًا تمامًا هو ما يفعلون، ولكن ما من قوة على الأرض يمكن أن تقنعهم بذلك". "وأصبح من الواضح تمامًا أن العالم كله وأمريكا يتـابدلان الحقد والكراهيـة علنًا، أمريكا تعلن للعالم الوقح الحاقد عليها، والعالم الذي لا يخفي كـرهه لها ينتظر بفارغ الصبر لحظة الشماتة العظمى فيها حين تسقط وتتدحرج، وساعتئذ ستتصرف أمريكـا ضد العالم كالحيوان الكاسر الجريح " "لقد صار بين أمريكا والعالم "تار بايت" أمريكا الآن في حـالة "سعار قوة" سعار سياسي مجنون، شبه جنون القوة، وجنون العظمة، وقد تسجل مزيدًا من الانتصارات العسكرية، في مناطق مختلفة من العالم عبر السنوات القادمة، ولكن هذا السعار سيكون مقتلها في النهاية". 9 ـ العرب أصبحوا لعبة أمريكا المفضلة : "الغذاء الداخلي الجديد لأمريكا ـ الولايات المتحـدة ـ لم يعد الكاريبي ولا أمريكا اللاتينية، وإنما الوطن العربي، والعرب أصبحوا لعبة أمريكا المفضلة، ومستعمرتهم الخصوصية جدًا، وعليهم وحدهم يمارسون قيادتهم المزعومة للعالم. وأمريكا دولة الشذوذ السياسي العظمى في العالم كيف؟ أ ـ هي الوحيدة التي تشترى تبعية سياسات الدول الأجنبية بالشراء، أي بالمساعدات والمنح المادية، أي تشتري السياسة بالاقتصاد. ب ـ هي الوحيدة التي تدعي المثالية السياسية، رغم أن واقعها هو النقيض المطلق تمامًا "وكيان أمريكا ذاته وكله فيه المادة الخام النموذجية للثورة الشيوعية، كما حددها ماركس ـ وهي أرقى الدول الرأسمالية تطورًا وتقدمًا، إذن هي المرشح الحقيقي للشيوعية الناضجة القادمة، فشل الاتحاد السوفيتي سببه أن الشيوعية فيه قامت في "المكان الخطأ والزمان الخطأ ـ شبه إقطاعي رأسمالي بادئي فلننتظر! ". 10 ـ ألمانيا واليابان عملاق اقتصادي وقزم سياسي : "يبدو أن ما كان يقال عن ألمانيا واليابان استراتيجيًا سيقال عن أمريكا قريبًا، ولكن بالمعكوس، فألمانيا واليابان عملاق اقتصادي وقزم سياسي ـ كما قيل ـ بينما تتحول أمريكا تدريجيًا إلى عملاق سياسي وقزم اقتصادي". 11ـ هل تمثل أمريكا اليوم مرحلة احتضار الحضارة؟ أم انتصار الحضارة (124)!! " "ما الذي دهى العالم؟! لم يحدث قط من قبل أن ظهرت قوة إمبريالية طاغية مستبدة مفتونة بقوتها، ومجنونة بالقوة والغطرسة العلنية على العالم كله، كما حدث من أمريكا اليوم. وفي الوقت نفسه لم يحدث قط أن استكان العالم كله، وسكت ورضخ وخضع في هوان وذل حـقير، كـما يحـدث الآن. كـانت الستينات روح الصراع والتحـدي، والآن التسعينيات موت الروح، وروح الموت؟ ". 12ـ العالم الغربي روسي: "بداية نهاية الاتحاد السوفيتي ـ نقولها للمرة الألف بعد المليون! كانت هزيمة يونيو1967. منذ ذلك التاريخ أصبح خطر الاتحاد السوفيتي في الصراع العالمي مع أمريكا في النازل، ويدها السفلى المهتزة المنكسرة بل المكسورة. ولذا من السفه النظرية المجنونة. إن السوفيت هم الذين خدعوا مصر والعرب استدرجوهم إلى الحرب والهزيمة، حتى لو كانت نواياهم غير طيبة (ومن المسلم به أنهم لم يكونوا معنا 100%، ولا حتى 50%، وكانت إسرائيل عندهم فوق العرب قطعًا، وأهم وأبقى وأقرب)،. "الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة: كما قاما معًا في غفلة من الزمن ستسقطان معًا في ساعة الحقيقة. ولقد سقط الاتحاد، والدور الآن على الولايات والأيام بيننا". 13ـ البوسنة والهرسك: "وموقف أوربا من الإسلام في البوسنة اليوم هو تمامًا كـموقفها من اليـهود أيام اغتصابهم لفلسطين في الأربعينيات والخمسينيات وحتى اليوم، فرصة العمر التاريخية للتخلص من دولة إسلامية في قلب أوربا، كما كانت للتخلص من يهودهم وتدمير العرب وفلسطين، ولذا فأوربا تلعب لعبة "مؤامرة الصمت"، تتفرج وتتلهف على النتيجة المرجوة، ولكن مع مصمصة الشفاه وحركات الهمبكة للتمويه". "والتطهير العرقي ETHNIC PURGE الذي يمارسه الصرب في البوسنة والهرسك، هو أوقح أكذوبة في التاريخ بعد اللاسامية، والبوسنة والهرسك هي أول دولة إسلامية في أوربا الحديثة. لكن هل تكون الأخيرة؟ هل يزيلها الصرب وكرواتيا في المستقبل بالقوة والحرب؟ من ناحية أخرى الصرب والكروات وسائر المسيحيين البلقانيين يكرهون المسلمين هناك، ويحـاربونهم ـ والآن يحـاولون إبادتهم!ـ مع أنهم بيض تمامًا مثلهم، حتى لو كـانوا أتراكًا جنسيًا وأصلًا جزئئا وسلاف أيضًا أساسًا". "حرب البوسنة ومأساة المسلمين بها هي قطاع عرضي وطولي، أفقي ورأسي، كـامل من العصور الوسطى بحذافيرها، والحروب الصليبية بالتحديد إنها تعيد العصور الوسطى بكل مركباتها وعقدها ورجعيتها وتعصبها ودمويتها، إن من ينظر إلى صراعات أوربا الآن بين الدول والقومية والعنصرية... إلخ، لا يندهش قط لما يحـدث بين العرب من تمزقات وانهيارات، كل هذا طبيعي، وليس أوربا أفضل منا في هذا بكثير". "بدأت "الصليبيات الصغيرة" في أوربا بضرب أذربيجان السوفيتية، قبل زوال الاتحاد حين طالبت بالاستقلال، ولم تضرب دول البلطيق التي طالبت بنفس الشيء. ثم تبلورت في البوسنة والهرسك، حيث تواطأ الصرب مع الكروات الذين كانا في حالة حرب منذ شهور ضد بعض في معركة استقلال وانفصال ـ كرواتيا بعد سلوفينياـ ضد مسلمي البوسنة والهرسك، فأصبحت مؤامرة صليبية سافرة ضد المسلمين! ". "لو كانت البوسنة والهرسك هي المعتدية وقامت يإبادة الصرب والتطهير العرقي ضدها، أو لو فرضنا جدلًا أن البوسنة والهرسك هزمت الصرب المعتدية في الحرب الحالية فعلًا، لانقلبت كل أوربا + أمريكا بكل أسلحة حلف الأطلسي، وغير الأطلسي لإبادة ومحو البوسنة والهرسك من الوجود، ومن القاموس، ومن خريطة أوربا والعالم تماما، كحرب الخليج الإجرامية، الإبادة ضد العراق ". "إنها فعلًا آخر الصليبيات، ومن يقل بغير هذا كاذب إن كان غير مسلم، وجاهل إذا كان مسلمًا". 14ـ الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد: الصحيح أن الأمم المتحدة أصبحتـ ظل ـ القوة العظمى الأولى والوحيدة. فقد أصبحت الأمم المتحدة الأداة التنفيذية المثلى والقفاز الحربي لأمريكا، وسياسة القوة والسيطرة والغطرسة... إلخ. الرد الوحيد الآن أمام الدول المقهورة والترسو هو: تحطيم الأمم المتحدة بالخروج منها نهائيًا بالجملة إلى أن يتم إنشاء منظمة غير إجرامية. النظام العالمي الجديد "ليس جديدًا، وليس نظامًا، لا هو نظام، ولا هو جديد "لأن قبله وجد نظام واثنان وعشرة، فلكل عصر توازن قواه، وهذا التوازن هو بعينه النظام العالمي أو الدولي السائد أو القائم، كان هتلر يريد نظامًا عالميًا جديدًا كان هذا مشروعه، وكذلك اليابان... إلخ، وقبل ذلك وحتى لنابليون نظامه العالمي الجديد، الذي هدفه وراثة النظام البريطاني الجديد... إلخ ". إذن، ليس النظام العالمي الجديد الذي دعا إليه مجرم الحرب والسلم "بوش" إلا ادعاء كاذبًا إجراميًا لفرض سلامة الأمريكيPAX AMERICANA أما أنه ليس بنظام، فكل توازن يسمى بالنظام العالمي، إن هو إلا كتوازن القشرة الأرضية على باطنها. " ولذا فكل نظام عالمي هو كيان هلامي ديناميكي متغير ببطء أو بسرعة، فهو إذن نظام ولا نظام في آن واحد، وأنت تستطيع أن تتحدث عنه كنظام فعلًا، ولك أن تنكره أيضا، فأي نظام عالمي ليس قفصًا حديدًا صارمًا". "بعض العرب ـ اللوبي الأمريكي في العالم العربي يتحمس للنظام العالمى الجديد المزعوم ـ الأمريكي وهو كما قلنا ليس نظامًا ولا جديدًا ! هذا هو ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، فأولًا: هو فوضى، أو بالأحرى فرض لا نظام، من جانب القوة المتغطرسة السائدة مرحليًا. أما الآن، فهو"وهم بوش المجرم"، مجرم الحرب والسلم، حلم لن يتحقق، بل تحطم فعلًا، حتى في عقل صاحبه المخبول، وسقط معه إلى سلة مهملات التاريخ والسياسة. وليست أمريكا زعيمة العالم "العربي" وحده، والنظام العالمي الجديد لا يوجد في عقل العالم، وإنما في "فراغ" عقل العالم العربي فقط، ولربما لو لم يوجد، لأوجده العرب" اهـ. تعليق: هذه لمحات من مذكرات أحد علماء الأمه أ. د. جمال حمدان شخّص فيها أمراض العالم ومنها الإسلامي، وشخص لها الدواء. ولعلك أيها القارئ الكريم أدركت لماذا اختفي هـذا العالم على النحو الذي نشر عنه؟ فمن المسؤول عن هذا؟ وهل آن الأوان كي تنتفع الأمة بفكره ـ رحمـه الله تعالى ـ في مواجهة تحديات العصر؟؟
|