الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
من أهل دبوسة بلدة بين بخارى وسمرقند وهو من ذرية الحسين الأصغر بن زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه كان إماما جليل القدر في الفقه والأصول واللغة والنحو والنظر والجدل أملى مجالس ببغداد سمع أبا عمرو محمد بن عبد العزيز القنطري وأبا سهل أحمد بن علي الأبيوردي وأبا مسعود أحمد بن محمد البجلي وجماعة روى عنه عبد الوهاب الأنماطي وأبو غانم مظفر البروجردي وأبو البركات ابن السقطي وقال فيه إمام الشافعية والقائم بالمدرسة النظامية كان متوحدا متفردا قرأ القرآن والحديث والفقه والأصول واللغة العربية وكان قطبا في الاجتهاد وله التوسع في الكلام والفصاحة والجدل والخصام أقوم الناس بالمناظرة وتحقيق الدروس وكان موفقا في فتواه وقد شاهدت له مقامات في النظر أبان فيها عن كفاية وفضل وافر جمل فيها آل أبي طالب وقال ابن النجار كان من أئمة الفقهاء كامل المعرفة بالفقه والأصول وله يد قوية في الأدب وباع ممتد في المناظرة ومعرفة الخلاف وكان موصوفا بالكرم والعفاف وحسن الخلق والخلق قدم بغداد في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وأربعمائة للتدريس بالمدرسة النظامية فدرس بها يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة من السنة ولم يزل على التدريس إلى حين وفاته وقال ابن السمعاني سمعت من أثق به يقول تكلم الدبوسي مع أبي المعالي الجويني بنيسابور في مسألة فآذاه أصحاب أبي المعالي حتى خرجوا إلى المخاشنة فاحتمل الدبوسي وما قابلهم بشيء وخرج إلى أصبهان فاتفق بحضرة الوزير نظام الملك فظهر كلام الدبوسي عليه فقال له أين كلابك الضارية توفي السيد أبو القاسم في العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وكان قد انتهت إليه رئاسة الشافعية مع التفنن في أصناف العلوم وحسن المعتقد رضي الله تعالى عنه كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن ابن النجار الحافظ أنبأنا شهاب الحاتمي بهراة أنشدنا عبد الكريم بن محمد بن منصور أنشدنا عبد الرحمن بن الحسن ابن علي الشرابي أنشدنا أبو القاسم الدبوسي لنفسه أقول بنصح يا ابن دنياك لا تنم ** عن الخير ما دامت فإنك عادم وإن الذي لم يصنع العرف في غنى ** إذا ما علاه الفقر لا شك نادم فقدم صنيعا عند يسرك واغتنم ** فأنت عليه عند عسرك قادم رحل في طلب العلم وسمع الكثير وعقد له مجلس إملاء بخراسان قال فيه ابن السمعاني المعروف بشيخ الحجاز صوفي لطيف ظريف فاضل مشتغل بالعلم والحديث صنف كتابا حسنا في علم الصوفية مرتبا مبوبا سماه كتاب السلوة قال وسمع أبا نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرايني وأبا محمد عبد الرحمن ابن عمر بن النحاس وأبا عبد الرحمن السلمي وأبا علي بن شاذان وأبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء وطائفة بنيسابور وبغداد ومكة ومصر روى عنه الإمام محمد بن الفضل الفراوي وزاهر ووجيه ابنا طاهر الشحامي وغيرهم مات في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربعمائة ساق نسبه الخطيب وضبب المزي فوق موسى هو أبو طالب الزهري المعروف بابن حمامة سمع ابن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وأبا القاسم الداركي وأبا بكر ابن شاذان وأبا حفص بن الزيات وغيرهم قال الشيخ درس على الداركي وله مصنفات في المناسك حسنة قال الخطيب كتبنا عنه وكان ثقة قال وقال لنا أهل المعرفة بالنسب يقولون في نسبي نجاد بن موسى بالنون وأصحاب الحديث يقولون بجاد الباء مولده سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ومات في ليلة الاثنين تاسع جمادى الآخرة من سنة أربع وثلاثين وأربعمائة أحد حفاظ خراسان سمعه أبوه من أبي العباس الصبغي وأبي علي الرفاء وطبقتهما فلم يحدث عنهم تورعا وقال لست أذكرهم وسمع هو بنفسه من إسماعيل بن نجيد ومحمد بن عبد الله بن عبده السليطي وأبي عمرو بن مطر وأبي الفضل بن خميرويه الهروي وأبي الحسن السراج وأبي أحمد الغطريفي وأبي بكر الإسماعيلي وبشر بن أحمد الإسفرايني وطبقتهم سمع منه أبو الفتح بن أبي الفوارس وأحمد بن الآبنوسي كلاهما ببغداد سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وأبو القاسم التنوخي والحافظ أبو بكر الخطيب وأبو عبد الله الثقفي وخلائق قال الخطيب كتبت عنه الكثير وكان ثقة عارفا صادقا حافظا يسمع الناس بإفادته ويكتبون بانتخابه وذكر عبد الغافر في السياق أن أبا صالح المؤذن قال سمعت أبا حازم يقول كتبت بخطي عن عشرة من شيوخي عشرة آلاف جزء عن كل شيخ ألف جزء وقال أبو محمد بن السمرقندي سمعت أبا بكر الخطيب يقول لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين أبو نعيم وأبو حازم العبدوي توفي الحافظ أبو حازم يوم عيد الفطر سنة سبع عشرة وأربعمائة ولد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وتفقه ببغداد على الشيخ أبي حامد الإسفرايني وقرأ الكلام على أبي جعفر السمناني صاحب القاضي أبي بكر وسمع بالبصرة سنن أبي داود من القاضي أبي عمر الهاشمي قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا فقيها بارعا متكلما مفلقا وكانت له معرفة بالتواريخ وأيام الناس وغلب غليه علم الأصول والكلام حتى عرف به وحدث عنه الحسين بن مسعود الفراء وغيره توفي بمرو في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وأربعمائة وقبر بقريته فاشان بالفاء والشيه المعجمة وهي من قرى مرو أحد عدول بغداد وفقهائها سمع من أبي الحسن بن رزقويه وأبي علي بن شاذان وعبد الكرم بن بشران وغيرهم روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي وغيره مولد سنة ست وأربعمائة ومات في رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وقرأ الكلام على أبي جعفر أحمد بن محمد السمناني وسمع منهما الحديث وسمع بدمشق أبا نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب وحدث بدمشق وصور وبغداد وغيرهما واستوطن بالآخرة بغداد إلى أن توفي ليلة الثلاثاء ثامن جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وأربعمائة ودفن بجانب ابن سريج وهو المؤيد بن القاضي أبي عمر البسطامي وسبط الإمام الجليل أبي الطيب الصعلوكي سمع أبا الحسين الخفاف وأبا الحسن العلوي وأملى مجالس روى عنه سبطه هبة الله بن سهل السيدي وزاهر ووجيه ابنا طاهر الشحامي وغيرهم مات في سنة خمس وستين وأربعمائة إمام جامع أصبهان أحد العلماء سمع محمد بن إبراهيم الجرجاني روى عنه الرستمي وجماعة توفي في رجب سنة إحدى وثمانين وأربعمائة من أهل طبرستان قال ابن السمعاني غزير الفضل وافر العقل تفقه على الفقيه أبي بكر محمد بن علي بن حامد الشاشي بغزنة وأقام بها مدة وسافر إلى ديار مصر والشام وأقام بمكة وسمع ببغداد من القاضي أبي الطيب وسمع من جماعة غيره روى عنه الإمام أبو المظفر السمعاني وغيره ولد في شوال سنة سبع وتسعين وثلاثمة الفضل بن محمد بن الحسين أبو بشر بن أبي عبد الله الجرجاني ذكره أبو حفص المطوعي في المذهب بعد ذكر أبيه وقال فيه فاضل ملء ثوبه مفضل ملء كفه ضارب في الإسماعيلية بعروقه وذكره أبو عاصم العبادي فقال ومنهم القاضي أبو بشر الإسماعيلي وهو الحاكي في المبيع وفيه خيار الرؤية إذا مات أحد المتعاقدين أو جن قبل الرؤية أنه ينفسخ العقد من أهل طوس وفارمذ إحدى قراها وهي بفتح الفاء والراء بينهما الألف ثم ميم مفتوحة فيما ذكر ابن السمعاني وقد تسكن ثم ذال معجمة سمع من أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن باكويه الشيرازي وأبي منصور التميمي وأبي حامد الغزالي الكبير وأبي عبد الرحمن النيلي وأبي عثمان الصابوني وغيرهم روى عنه عبد الغافر الفارسي وعبد الله بن علي الخركوشي وعبد الله بن محمد الكوفي العلوي وأبو الخير جامع الشفاء وآخرون مولده في سنة سبع وأربعمائة وتفقه على الإمام أبي حامد الغزالي الكبير صاحب التصانيف ذكره عبد الغافر فقال هو شيخ في عصره المنفرد بطريقته في التذكير التي لم يسبق إليها في عبارته وتهذيبه وحسن أدبه ومليح استعارته ودقيق إشارته ورقة ألفاظه ووقع كلامه في القلوب دخل نيسابور وصحب زين الإسلام أبا القاسم القشيري وأخذ في الاجتهاد البالغ وكان ملحوظا من القشيري بعين العناية موقرا عليه من طريق الهداية وقد مارس في المدرسة أنواعا من الخدمة وقعد سنين في التفكر وعبر قناطر المجاهدة حتى فتح عليه لوامع من أنوار المشاهدة ثم عاد إلى طوس واتصل بالشيخ أبي القاسم الكركاني الزاهد مصاهرة وصحبة وجلس للتذكير وعفى على من كان قبله بطريقته بحيث لم يعهد قبله مثله في التذكير وصار من مذكوري الزمان ومشهوري المشايخ ثم قدم نيسابور وعقد المجلس ووقع كلامه في القلوب وحصل له قبول عند نظام الملك خارج عن الحد وكذلك عند الكبار وسمعت ممن أثق به أن الصاحب خدمه بأنواع من الخدمة حتى تعجب الحاضرون منه وكان ينفق على الصوفية أكثر ما يفتح له به وكان مقصدا من الأقطار للصوفية والغرباء والطارئين بالإرادة وكان لسان الوقت وقال ابن السمعاني كان لسان خراسان وشيخها وصاحب الطريقة الحسنة من تربية المريدين والأصحاب وكان مجلسه وعظه على ما ذكرت روضة فيها أنواع من الأزهار توفي بطوس في ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وأربعمائة قلت صحبه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي وجماعة من الأئمة ومنهم من يسميه الفضل وإياه أورد السمعاني في الأنساب وشيخنا الذهبي في التاريخ والذي أوردناه أشبه بالصواب هو الشيخ الإمام الزاهد التقي الولي ذو الكرامات الباهرات والآيات الظاهرات أبو سعيد بن أبي الخير روى عن زاهر بن أحمد السرخسي الفقيه وغيره روى عنه إمام الحرمين أبو المعالي الجويني وأبو القاسم سلمان بن ناصر الأنصاري والحسن بن أبي طاهر الجيلي وعبد الغفار الشيرويي وآخرون وكان صحيح الاعتقاد حسن الطريقة أحواله تبهر العقول اهتهدى به فرق من الناس وجالس أبا عبد الرحمن السلمي ذكره عبد الغافر في السياق فقال شيخ الوقت أبو سعيد بن أبي الخير الميهني مقدم شيوخ الصوفية وأهل المعرفة في وقته سني الحال عجيب الشان أوحد الزمان لم ير في طريقته مثله مجاهدة في الشباب وإقبالا على العمل وتجردا عن الأسباب وإيثارا للخلوة ثم انفرادا عن الأقران في الكهولة والمشيب واشتهارا بالإصابة في الفراسة وظهور الكرامات والعجائب وقال ابن السمعاني كان صاحب كرامات وآيات توفي سنة أربعين وأربعمائة بقريته ميهنه قلت ومع صحة اعتقاده لم يسلم من كلام الشيخ ابن حزم بل تكلم فيه بغر حق وتبعه شيخنا الذهبي تقليدا فقال في اعتقاده شيء تكلم فيه ابن حزم انتهى قلت لم يظهر لنا ولم يثبت عنه إلا صحة الاعتقاد ولكنه أشعري صوفي فمن ثم نال منه الرجلان وباءا بإثمه ومما يؤثر من كراماته ومن فوائده ومن الرواية عنه قال أبو سعيد التصوف طرح النفس في العبودية وتعلق القلب بالربوبية والنظر إلى الله بالكلية راوي المائة وغيرها عن عبد الرحمن بن أبي شريح وأقرانه مولده سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة روى عن أبي علي منصور بن عبد الله الخالدي وأبي الحسين بن بشران وغيرهما روى عنه أبو الوقت وغيره قال ابن السمعاني كان فقيها مزكيا صدوقا ثقة عمر حتى حمل عنه الكثير توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة راوي سنن أبي داود سمع عبد الغافر بن سلامة الحمصي وأبا العباس محمد بن أحمد الأثرم وعلي ابن إسحاق المادرائي ومحمد بن الحسين الزعفراني الواسطي والحسين بن يحيى بن عياش القطان ويزيد بن إسماعيل الخلال صاحب الرمادي وأبا علي اللؤلؤي والحسن بن محمد بن عثمان الفسوي وجماعة روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو علي الوخشي وهناد بن إبراهيم النسفي وسليم ابن أيوب الرازي والمسيب بن محمد الأرغياني وأبو القاسم عبد الملك بن شغبة وجعفر بن محمد العبادي وآخرون وعنه أحضرني والدي سماع سنن أبي داود وأنا ابن ثماني سنين فأثبت حضوري ولم يثبت السماع ثم أحضرني وأنا ابن تسع فأثبت حضوري ولم يثبت السماع ثم سمعت وأنا ابن عشر سنين فأثبت حينئذ سماعي وقال الخطيب كان أبو عمر ثقة أمينا ولي القضاء بالبصرة وسمعت منه بها سنن أبي داود وغيرها مات في تاسع عشرى ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة نزل نيسابور قال ابن السمعاني من أركان الفقهاء المكثرين الحافظين للمذهب والخلاف تفقه بواسط وببغداد على القاضي أبي الطيب ثم خرج إلى نيسابور ودرس بالمدرسة المشطبية قال وكانت له يد قوية في النظر ويحضر المحالس ويناطح الخصوم وكان يحفظ طريقة العراقيين سمع الحديث بواسط والبصرة وبغداد ومصر فمن شيوخه أبو علي بن شاذان وأبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء وغيرهما روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ وغيره وأضر في آخر عمره توفي فجأة في ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وله سبع وثمانون سنة حدث عن المعافى بن زكريا الجريري وأبي طاهر المخلص توفي في شهر رمضان سنة ست وخمسين وأربعمائة من مدينة آمل طبرستان تفقه ببغداد على الشيخ أبي حامد الإسفرايني وقرأ الفرائض على ابن اللبان والأصول على القاضي أبي بكر بن الباقلاني وله المصنفات الكثيرة والوجوه المسطورة ومن مصنفاته تجريد التجريد الذي ألفه رفيقه المحاملي وقرأ عليه الشيخ أبو إسحاق وقال لم أنتفع بأحد في الرحلة كما انتفعت به وبالقاضي أبي الطيب قال وكان حافظا للمذهب والخلاف صنف كتبا كثيرة في الخلاف والمذاهب والاصول والجدل ودرس ببغداد وآمل وتوفي بآمل
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الحافظ وأبو بكر محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة المحدث بقراءتي عليهما قالا قرأنا على علىبن أحمد العراقي أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي ببغداد قال أخبرنا أبو الحسن محمد بن المبارك بن الخل أخبرنا الشيخ الامام أبو الفرج محمد ابن محمودبن الحسن بن محمدبن يوسف بن الحسنبن محمد بن عكرمة بن أنس ابن مالك الأنصاري قدم علينا بغداد قال أخبرنا والدي أبو حاتم محمود بن الحسن القزويني الشافعي أخبرنا ابو عبد الله الحسين بن أحمد الصلت حدثنا أبو اسحق ابراهيم بن عبد الصمد الهاشمي لسبع بقين من جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة املاء حدثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن انس بن مالك أن رسول الله قال ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال )
قال في تجريد التجريد في فصل السجود في الصلاة ويخفف في الدعاء إن كان إماما انتهى وهو صريح في أن الإمام يدعو في السجود وهو الصواب لما في الصحيحين من أنه يقول في ركوعه وسجوده ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ) والحديث صريح في أنه يدعو في الركوع أيضا وربما أفهمت عبارة الرافعي والنووي أن لا دعاء في الركوع وأنه لا يدعو في السجود إلا المنفرد وليس كذلك والمراد أن لا يتأكد إلا في السجود ولا ينبغي تطويله فيه إلا للمنفرد وأما إخلاء السجود عن الدعاء مطلقا وهو أقرب ما يكون العبد من ربه فلا يكاد يقول به قائل والله تعالى أعلم
حكى أبو حاتم وجهين في كتاب تجريد التجريد في أنه هل يتعين الصلاة على رسول الله التشهد وذكر إبراهيم عليه السلام بأن يقول كما صليت على إبراهيم إلى آخره أو يكفي قوله اللهم صل على محمد قلت ولعل التعيين أرجح وإن كان غريبا في النقل لأنهم قالوا كيف نصلي عليك قال قولوا كذلك أبو القاسم سيف الدولة بن الأمير ناصر الدولة أبي منصور أحد أئمة العدل ومن دانت له البلاد والعباد وظهرت محاسن آثاره وكان يلقب قبل السلطنة سيف الدولة وأما بعدها فلقب بيمين الدولة وبهذا اللقب سمي الكتاب اليميني الذي صنفه أبو النصر أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي في سيرة هذا السلطان وأهل خوارزم وما والاها يعتنون بهذا الكتاب ويضبطون ألفاظه أشد من اعتناء أهل بلادنا بمقامات الحريري كان هذا السلطان إماما عادلا شجاعا مفرطا فقيها فقهما سمحا جوادا سعيدا مؤيدا وقد اعتبرت فوجدت أربعة لا خامس لهم في العدل بعد عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه إلا أن يكون بعض أناس لم تطل لهم مدة ولا ظهرت عنهم آثار ممتدة وهم سلطانان وملك ووزيره في العجم وهما هذا السلطان والوزير نظام الملك وبينهما في الزمان مدة وسلطان وملك في بلادنا وهما السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فاتح بيت المقدس وقبله الملك نور الدين محمود بن زنكي الشهيد ولا أستطيع أن أسميه سلطانا لأنه لم يسم بذلك وسبب هذا أن مصطلح الدول أن السلطان من ملك إقليمين فصاعدا فإن كان لا يملك إلا إقليما واحدا سمي بالملك وإن اقتصر على مدينة واحدة لا يسمى لا بالملك ولا بالسلطان بل بأمير البلد وصاحبها ومن ثم يعرف خطأ كتاب زماننا حيث يسمون صاحب حماة سلطانا ولا ينبغي أن يسمى لا سلطانا ولا ملكا لأن حكمه لا يعدوها فكأنهم خرجوا عن المصطلح ومن شرط السلطان ألا يكون فوق يده يد وكذلك الملك ولا كذلك صاحب البلدة الواحدة فإن السلطن يحكم عليه وأما حكم السلطان على الملك وعدم حكمه فيختلف باختلاف القوة والضعف ثم نور الدين خطب له على منابر ديار مصر لما افتتحها صلاح الدين وبهذا سمي بالسلطان ولذلك قال بعض من امتدحه إذ ذاك وملكت إقليمين ثمت ثالثا فدعيت بعد الملك بالسلطان عدنا إلى ذكر يمين الدولة فنقول كان أولا حنفي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الشافعي لما صلى القفال بين يديه صلاة لا يجوز الشافعي دونها وصلاة لا يجوز أبو حنيفة دونها وقد ساق القفال الحكاية في فتاويه ثم حكاها من بعده إمام الحرمين وغيره
كان والده سبكتكين قد ورد بخارى في أيام الأمير نوح بن نصر الساماني فعرفه كبراء تلك الدولة بالشجاعة والشهامة وتوسموا فيه الرفعة وكان قدومه صحبة ابن ألبتكين فخرج ابن ألبتكين إلى غزنة أميرا عليها وخرج سبكتكين في خدمته فلم يلبث ابن ألبتكين أن توفي واحتاج الناس إلى من يتولى أمرهم فاتفقوا على سبكتكين وأمروه عليهم فتمكن وأخذ في الإغارات على أطرف الهند وجرت بينه وبين الهنود حروب وعظمت سطوته وافتتح قلاعا منيعة وفتح ناحية بست واتصل به أبو الفتح البستي الكاتب فاعتمد عليه وأسر إليه أموره ثم مرض سبكتكين ببلخ فاشتاق إلى غزنة فسافر إليها فمات في الطريق سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وحعل ولي عهده ولده إسماعيل وكان محمود غائبا ببلخ فلما بلغه نعي أبيه كتب إلى أخيه ولاطفه على أن يكون بغزنة وأن يكون محمود بخراسان فلم يوافق إسماعيل قال النقلة وكان إسماعيل جبانا فطمع فيه الجند وشغبوا عليه وطالبوه بالعطاء فأنفق فيهم الخزائن فدعا محمود عمه إلى موافقته فأجابه وكان الأخ الثالث نصر بن سبكتكين أميرا على بست فكاتبه محمود فأجابه فقوي بعمه وأخيه وقصد عزنه في جيش عظيم وحاصرها إلى أن افتتحها وأنزل أخاه من قلعتها بالأمان ثم رجع إلى بلخ وحبس أخاه ببعض الحصون حبسا خفيفا ووسع عليه في النفقه والخدم وكان في خراسان نواب لصاحب ما وراء النهر من الملوك السامانية فحاربهم محمود وانتصر عليهم واستولى على ممالك خراسان وانقطعت الدولة السامانية في سنة تسع وثمانين فسير إليه القادر بالله خلعة السلطنة وعظم ملكه وفرض على نفسه كل سنة غزو الهند فافتتح منها بلادا واسعة وكسر الصنم المعروف بسومنات وكانوا يعتقدون أنه يحيي ويميت ويقصدونه من البلاد وافتتن به أمم لا يحصون ولم يبق ملك ولا ذو ثروة إلا وقد قرب له قربانا من نفيس ماله حتى بلغت أوقاته عشرة آلاف قرية وامتلأت خزائنه من أصناف الأموال والجواهر وكان في خدمة الصنم ألف رجل من البراهمة يخدمونه وثلاثمائة رجل يحلقون رؤوس الحجاج إليه ولحاهم عند القدوم وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون عند بابه وكان بين بلاد الإسلام والقلعة التي فيها هذا الوثن مسيرة شهر في مفازة صعبة في نهاية المشقة فسار إليها السلطان محمود في ثلاثين ألف فارس جريدة وأنفق فيهم الأموال الجزيلة فأتوا القلعة فوجدوها منيعة فسهل الله عليه وافتتحها في ثلاثة أيام ودخلوا هيكل الصنم فإذا حوله من أصناف الأصنام الذهب والفضة المرصعة بالحواهر شيء كثير محيط بعرشه يزعمون أنها الملائكة فأحرقوا الصنم الأعظم ووجدوا في أذنيه نيفا وثلاثين حلقة فسألهم محمود عن معنى ذلك فقالوا له كل حلقة عبادة ألف سنة وعاد محمود مظفرا منصورا وكتب إلى أمير المؤمنين القادر بالله كتابا يشرح فيه الحال ويقول فيه لقد كان العبد يتمنى قلع هذا الصنم ويتعرف الأحوال فتوصف له المفاوز إليه وقلة الماء وكثرة الرمال فاستخار العبد الله في الانتدار لهذا الواجب طلب للأجر ونهض في شعبان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس سوى المطوعة وفرق في المطوعة خمسين ألف دينار معونة وقضى الله بالوصول إلى بلد الصنم وأعان حتى ملك البلد وقلع الوثن وأوقدت عليه النار حتى تقطع وقتل خمسون ألفا من أهل البلد وقد كان محمود افتتح قبل ذلك من الهند أماكن منيعة وغنم أموالا كثيرة وكتب إلى أمير المؤمنين إن كتاب العبد صدر في غزنة لنصف المحرم سنة عشر والدين مخصوص بمزيد الإظهار والشرك مقهور بجميع الأقطار وانتدب العبد لتنفيذ الأوامر وتابع الوقائع على كفار السند والهند فرتب بنواحي غزنة العبد محمدا مع خمسة غشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل وشحن بلخ وطخارستان بأرسلان الحاجب مع اثنى عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل وانضم إليه جماهير المطوعة وخرج العبد من عزنة في جمادى الأولى سنة تسع بقلب منشرح لطلب السعادة ونفس مشتاقة إلى درك الشهادة ففتح قلاعا وحصونا وأسلم زهاء عشرين ألفا من عباد الوثن وسلموا قدر ألف ألف من الورق ووقع الاحتواء على ثلاثين فيلا وبلغ عدد الهالكين منهم خمسين ألفا ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها زهاء ألف قصر مشيد وألف بيت للأصنام ومبلغ ما في الصنم ثمانية وتسعون ألف مثقال وقلع من الأصنام الفضة زيادة على ألف صنم ولهم صنم معظم يؤرخون مدته بجهالتهم العظيمة بثلاثمائة ألف عام وقد بنوا حول تلك الأصنام المنصوبة زهاء عشرة آلاف بيت فعني العبد بتخريب تلك المدينة اعتناء تاما وعمها المجاهدون بالإحراق فلم يبق منها إلا الرسوم وحين وجد الفراغ لاستيفاء الغنائم حصل منها عشرين ألف ألف درهم وأفرد خمس الرقيق فبلغ ثلاثا وخمسين ألفا واستعرض ثلاثمائة وستة وخمسين فيلا
أن العراقيين لم يخرج ركبهم إلى الحج في سنة عشر وأربعمائة وسنة إحدى عشرة فلما كانت سنة اثنتى عشرة قصد طائفة يمين الدولة محمودا وقالوا أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك الأرض وفي كل سنة تفتح من بلاد الكفر ناحية والثواب في فتح طريق الحج عظيم فاهتم بهذا الأمر وتقدم إلى قاضيه بالتأهب للحج ونادى في أعمال خراسان بذلك وأطلق للعرب في البادية من خاص ماله ثلاثين ألف دينار وذكر أبو النصر الفامي في تاريخ هراة وليس هو أبا النصر العتبي ذاك أديب متقدم صنف الكتاب اليميني الذي ذكرناه أول الترجمة وهذا محدث متأخر من أقران ابن السمعاني له تاريخ هراة وسنذكره في الطبقة الخامسة أنه لما قدم التاهرتي الداعي من مصر على السلطان محمود ليدعوه سرا إلى مذهب الباطنية وكان يركب البغل الذي أتى به معه وكان البغل يتلون كل ساعة من كل لون ووقف السلطان محمود على سر ما دعا إليه وعلم بطلان ما ندب إليه أمر بقتله وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي شيخ هراة وقال كان يركبه رأس الملحدين فليركبه رأس الموحدين وحكى غير واحد أن رجلا اشتكى إلى السلطان محمود أن ابن أخت السلطان يهجم على أهلي في كل وقت ويخرجني من داري ويختلي بامرأتي وقد حرت في أمري وشكوت إلى أولياء الأمور من دولتك فلم يتجاسر أحد منهم على إقامة الحد عليه يهابون السلطان فقال له السلطان ويحك متى جاء بادر بإعلامي ولا تسمعن من أحد يمنعك الوصول إلي ولو كان في الليل وتقدم إلى الحجبة بأن أحدا لا يمنعه فذهب الرجل فما كان غير ليلتين أو ثلاث حتى هجم عليه ذلك الشاب فأخرجه واختلى بأهله فذهب باكيا إلى دار الملك فقيل له إن الملك نائم فقال قد تقدم إليكم بما علمتم فأنبهوه فاستيقظ وخرج معه بنفسه وحده وجاء إلى منزله فنظر إلى الغلام وهونائم مع المرأة في فراش الرجل وعندهما شمعة تقد فتقدم السلطان فأطفأ النور ثم جاء فاحتز رأس الغلام ثم قال للرجل ويحك أدركني بشربة ماء فسقاه ثم انطلق ليذهب فقال له الرجل سألتك بالله لم أطفأت الشمعة فقال ويحك إنه ابن أختي كرهت أن أشاهده حالة الذبح فقال ولم طلبت الماء سريعا فقال إني آليت منذ أخبرتني ألا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أقوم بحقك وكنت عطشان هذه الأيام حتى كان ما رأيت قلت وفي هذه الواقعة من هذا السلطان ما يدل على حسن نيته وتحريه العدل غير أنها ممزوج عدلها بالجهل بالشريعة فلم يكن له لو ثبت عنده أنه زنى بعد الإحصان أن يتعدى الرجم إلى حز الرقبة ثم ليس في الحكاية ما يقتضي ثبوت الزنا عنده فإنه لم يشاهده يزني ولو فرضت مشاهدته إياه زانيا وأنه علم زناه وتحققه بالقرائن فهي مسألة القضاء في الحدود بالعلم ومن هذا وأشباهه يعرف سر الشريعة في اشتراط كون السلطان مجتهدا لأن غير العالم إذا تحرى العدل لا يتأتى له إلا بصعوبة شديدة بخلاف العالم فإنه يعرف ما يأتي وما يذر
كان مبدأ ملكه سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وكان محببا إلى الناس لعدله ودينه وشجاعته ومعرفته فلما مات أبوه وكان من أمر إخوته ما حكيناه ملكها في صدر الترجمة قصد محمود في سنة سبع وثمانين بلاد خراسان فاستلب ملكها من أيدي السامانية وواقعهم مرات متعددة حتى أزال اسمهم ورسمهم وانقرضت دولتهم بالكلية على يديه ثم انتهض لقتال الكفار فنهض ليملك ملك الترك بما وراء النهر وذلك بعد موت القان الكبير الذي يقال له فائق فجرت له معهم حروب وخطوب يطول شرحها وفي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة غزا بلاد الهند وقصد ملكها جيبال في جيش عظيم فاقتتلوا قتالا شديدا وفتح الله على يديه وكسر الهنود وأسر ملكهم وأخذ من عنقه قلادة قيمتها ثمانون ألف دينار وغنم المسملون منهم أموالا عظيمة وفتحوا بلادا كثيرة ثم أطلق محمود ملك الهند احتقارا له واستهانة بأمره مع شدة بأسه وعظم اسمه فوصل ذليلا مكسورا إلى بلاده وقيل إنه لما وصل ألقى نفسه في النار التي يعبدونها من دون الله فهلك ثم غزا الهند أيضا في سنة ست وتسعين وثلاثمائة فافتتح مدنا كثيرة كبارا وغنم ما لا يحصى من الأموال وأسر بعض ملوكهم وهو ملك كراسي حين هرب منه لما افتتحها وكسر أصنامها فألبسه منطقة شدها على وسطه بعد تمنع شديد وقطع خنصره ثم أطلقه إهانة له وإظهارا لعظمة الإسلام وأهله ثم غزا عبدة الأصنام ثالثا في سنة ثمان وتسعين وفتح حصونا كثيرة وأخذ أموالا جمة وجواهر نفيسة وكان في جملة ما وجد بيت طوله ثلاثون ذراعا وعرضه خمسة عشر ذراعا مملوءة فضة ولما رجع إلى غزنة بسط الحواصل في صحن داره وأذن لرسل الملوك فدخلوا عليه قرأوا ما هالهم وفي سنة اثنتين وأربعمائة أو سنة إحدى غزا الكفار أيضا وقطع مفازة عظيمة أصابه فيها عطش مفرط كاد يهلك عسكره ثم من الله بمطر عظيم رواهم ووصلوا إلى الكفار وهم خلائق لا يحصون ومعهم ستمائة فيل فنصر عليهم وغنم شيئا عظيما وعاد ثم غزا في سنة ست وأربعمائة فغره أدلته وأضلوه عن الطريق فحصل في مائية فاضت من البحر وغرق كثير ممن كان معه وخاض الماء بنفسه أياما ثم تخلص وعاد إلى خراسان ثم غزا في سنة ثمان وأربعمائة وافتتح بلادا كثيرة ثم أعاد الغزو في سنة تسع وأربعمائة وجال في بلاد الكفار مسيرة ثلاثة أشهر عن غزنة وفي هذه السنة افتتح المدينتين العظيمتين مهرة وقنوج وكان فتحا عظيما عزيزا قال أبو النصر الفامي وقنوج هي التي أعيت الملوك غير كشتاسب على ما زعمته المجوس وهو ملك الملوك في زمانه فزحف السلطان محمود بعساكره وعبر مياه سيحون وتلك الأودية التي تجل أعماقها عن الوصف ولم يطأ مملكة من تلك الممالك إلا أتاه الرسول واضعا خد الطاعة عارضا في الخدمة كنه الاستطاعة إلى أن جاءه جنكي بن سمهي صاحب درب قشمير عالما بأنه بعث الله الذي لا يرضيه إلا الإسلام أو الحسام فضمن إرشاد الطريق وسار أمامه هاديا فما زال يفتتح الصياصي والقلاع حتى مر بقلعة هردب فلما رأى ملكها الأرض تموج بأنصار الله ومن حولها الملائكة زلزلت قدمه وأشفق أن يراق دمه ونزل في عشرة آلاف منادين بدعوة الإسلام ثم سار بجنوده إلى قلعة كلجند وهو من رءوس الشياطين فكانت له معه ملحمة عظيمة هلك فيها من الكفار خمسون ألفا من بين قتيل وغريق فعمد كلجند إلى زوجته فقتلها ثم ألحق بها نفسه وغنم السلطان مائة وخمسة وثلاثين فيلا ثم عطف إلى البلد الذي يسمى المتعبد وهو مهرة الهند يطالع أبنيتها التي ذكر أهلها أنها من بناء الجان فرأى ما يخالف العادات وهي مشتملة على بيوت أصنام بنقوش مبدعة وتزاويق تخطف البصر وكان فيما كتب به السلطان أنه لو أراد مريد أن يبني ما يعادل تلك الأبنية لعجز عنها بإنفاق مائة ألف ألف درهم في مائتي سنة على أيدي عملة كملة ومهرة سحرة وفي جملة الأصنام خمسة من الذهب معمولة طول خمسة أذرع عينا واحد منها ياقوتتان قيمتها أزيد من خمسين ألف دينار وعلى آخر ياقوتة زرقاء وزنها أربعمائة وخمسون مثقالا وكان جملة الذهبيات الموجودة على الأصنام ثمانية وسبعين ألف مثقال قال ثم أمر السلطان بسائر الأصنام فضربت بالنفط وحاز من السبايا والنهاب ما يعجز عنه أنامل الحساب ثم سار إلى قنوج وخلف معظم العسكر فوصل إليه في شعبان سنة تسع وقد فارقها الملك راجيبال منهزما فتتبع السلطان قلاعها وكانت على سيف البحر وفيها قريب من عشرة آلاف بيت للأصنام يزعم المشركون أنها متوارثة منذ مائتي ألف سنة إلى ثلاثمائة ألف سنة كذبا وزورا ففتحها كلها في يوم واحد ثم أباحها لجيشه فانتهبوها ثم ركض منها إلى قلعة البراهمة فافتتحها وقتل بها خلقا كثيرا ثم افتتح قلعة جندراي وهي التي تضرب الأمثال بحصانتها وهذا هو الفتح العزيز من فتوحاته ساقه صاحب اليميني بأفصح عبارة وأحلاها فلينظره فيه من أراده وهو الذي عاد منه في سنة عشر وأرسل كتابه إلى القادر أمير المؤمنين وقد ذكرنا بعضه ثم كان له في سنة أربع عشرة فتح أعظم من هذا أوغل فيه في بلاد الهند حتى جاء إلى قلعة فيها ستمائة صنم وقال أتيت قلعة ليس لها في الدنيا نظير وما الظن بقلعة تسع خمسمائة فيل وعشرين ألف دابة ومن يقوم بعلف هؤلاء ومن يحملونه وأعان الله حتى طلبوا الأمان فأمنت ملكهم وأقررته على ولايته بخراج ضرب عليه أحد الأئمة كان إماما زاهدا ورعا ولد سنة أربعمائة وحدث بجامع الترمذي عن عبد الجبار الجراحي وسمع أيضا جده القاضي أبا منصور القاضي أبا عمر البسطامي وبكر بن محمد المروروذي وجماعة روى عنه المؤتمن الساجي ومحمد بن طاهر وأبو نصر اليونارتي وأبو العلاء صاعد بن سيار وزاهر الشحامي وأبو عبد الله الفراوي وخلق آخرهم موتا أبو الفتح نصر بن سيار قال ابن السمعاني هو جليل القدر كبير المحل عالم فاضل وقال أبو النصر الفامي عديم النظر زهدا وصلاحا وعفة ولم يزل على ذلك من ابتداء عمره إلى انتهائه وكانت الرحلة إليه من الأقطار والقصد لأسانيده وقال أبو جعفر بن أبي علي الهمذاني وهو من الرواة عنه كان شيخنا أبو عامر من أركان مذهب الشافعي بهراة قال وكان نظام الملك يقول لولا هذا الإمام في هذه البلدة لكان لي ولهم شأن يهددهم به وكان يعتقده لزهده وورعه وحسن عقيدته وكانت هراة بأبي إسماعيل الأنصاري قد غلب عليها التجسيم فنقم عليهم نظام الملك وكان أبو إسماعيل يزور أبا عامر ويتبرك به إما اعتقادا فيه وإما إظهارا لمحبة ما الناس عليه من تعظيم هذا الرجل فإنه كان معظما عند الموافق والمخالف مفتي جرجان وعالمها وابن عالمها ورئيسها وابن رئيسها ومسندها روى الكثير عن جده ورحل به والده فأكثر عن الدارقطني وأبي حفص ابن شاهين ببغداد وعن يوسف بن الدخيل وأبي زرعة محمد بن يوسف بمكة وحدث بالكثير وأملى بعد موت عمه أبي نصر وكان أحد من يوصف بالذكاء حفظ القرآن وقطعة من الفقه وهو ابن سبع سنين في حياة جده وبيته بيت العلم والدين والسؤدد توفي في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة من أهل بيت المقدس قال ابن السمعاني هو أحد الجوالين في الآفاق وكان كثير النصب والسهر والتعب طلب وتغرب وجمع وكان ثقة متحريا ورعا ضابطا شرع في تاريخ بيت المقدس وفضائله وجمع فيه شيئا وحدث باليسير لأنه قتل قبل الشيخوخة سمع بالمقدس محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني وأبا عثمان بن ورقاء وعبد العزيز بن أحمد النصيبيني وبمصر عبد الباقي بن فارس المقرى وعبد العزيز بن الحسن الضراب وبدمشق أبا القاسم إبراهيم بن محمد الحنائي وعلي بن الخضر وبعسقلان أحمد بن الحسين الشماع وبصور أبا بكر الخطيب وعبد الرحمن بن علي الكاملي وبأطرابلس الحسين بن أحمد وببغداد أبا جعفر بن المسلمة وعبد الصمد بن المأمون وطبقتهما وسمع بالبصرة والكوفة وواسط وتكريت والموصل وآمد وميافارقين سمع منه هبة الله الشيرازي وعمر الرواسي وحدث عنه محمد بن علي المهرجاني بمرو وأبو سعيد عمار بن طاهر التاجر بهمذان وإسماعيل بن السمرقندي بمدينة السلام وحمزة بن كروس وغالب بن أحمد وغيرهما بدمشق ولد يوم عاشوراء سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة قال المؤتمن الساجي كانت الفتاوي تجيئه من مصر والساحل ودمشق قتلته الفرنج لعنهم الله ببيت المقدس وذلك أنهم قبضوا عليه أسيرا فلما علموا أنه من علماء المسلمين نودي عليه ليفتدى بألف مثقال فلم يفتده أحد فقتل في اليوم الثاني عشر من شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وفيه استولى الفرنج على بيت المقدس وقتلوا منه عالما لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى أحد الأئمة من أهل كرخ جدان تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني وله عنه تعليقة وروى عن أبي طاهر المخلص وأبي القاسم الصيدلاني روى عنه الخطيب وممن أخذ عنه الفقه الشيخ أبو إسحاق وذكره في طبقاته وقال له في المذهب كتباب الغنية وغيره ودرس ببغداد وبها مات في جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وأربعمائة الإمام الجليل العلم الزاهد الورع أحد أئمة الدنيا أبو المظفر بن الإمام أبي منصور ابن السمعاني الرفيع القدر العظيم المحل المشهور الذكر أحد من طبق الأرض ذكره وعبق الكون نشره ولد في ذي الحجة سنة ست وعشرين وأربعمائة وسمع الحديث في صغره وكبره سمع أباه وأبا غانم أحمد بن علي بن الحسين الكراعي وأبا بكر محمد بن عبد الصمد الترابي المعروف بأبي الهيثم وأبا صالح المؤذن وأبا حاجب محمد بن إسماعيل الإستراباذي وأبا الحسين ابن المهتدي وأبا الغنائم بن المأمون وأبا جعفر بن المسلمة وابن هزارمرد الصريفيني وسعدا الزنجاني وهياجا الحطيني وخلقا بخراسان والعراقين والحجاز روى عنه أولاده وأبو طاهر السنجي وإبراهيم المروروذي وعمر بن محمد السرخسي ومحمد بن أبي بكر السنجي وإسماعيل بن محمد التميمي الحافظ وخلق
كان الإمام أبو منصور والده من أئمة الحنفية فولد له ولدان أحدهما أبو المظفر هذا والثاني أبو القاسم علي وتفقها عليه وبرعا في مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ورأس أبو القاسم وحصل على جاه عظيم ونعمة زائدة وولد له أبو العلاء عالي بن علي بن الإمام أبي منصور محمد وتفقه وبرع أيضا في مذهب أبي حنيفة ودخل أبو المظفر بغداد في سنة إحدى وستين وأربعمائة وناظر بها الفقهاء وجرت بينه وبين أبي نصر بن الصباغ مناظرة أجاد فيها الكلام واجتمع بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي وهو إذا ذاك حنفي ثم خرج إلى الحجاز على غير الطريق المعتاد فإن الطريق كان قد انقطع بسبب استيلاء العرب فقطع عليه وعلى رفقته الطريق وأسروا واستمر أبو المظفر مأسورا في أيدي عرب البادية صابرا إلى أن خلصه الله تعالى فحكي أنه لما دخل البادية وأخذته العرب كان يخرج مع جمالها إلى الرعي قال ولم أقل لهم إني أعرف شيئا من العلم فاتفق أن مقدم العرب أراد أن يتزوج فقالوا نخرج إلى بعض البلاد ليعقد هذا العقد بعض الفقهاء فقال أحد الأسراء هذا الرجل الذي يخرج مع جمالكم إلى الصحراء فقيه خراسان فاستدعوني وسألوني عن أشياء فأجبتهم وكلمتهم بالعربية فخجلوا واعتذروا وعقدت لهم العقد ففرحوا وسألوني أن أقبل منهم شيئا فامتنعت وسألتهم فحملوني إلى مكة في وسط السنة وبقيت بها مجاورا وصحبت في تلك المدة سعدا الزنجاني وقال الحسين بن الحسن الصوفي رفيق أبي المظفر إلى الحج اكترينا حمارا ركبه الإمام أبو المظفر من مرو إلى خرق وهي على ثلاثة فراسخ من مرو فنزلنا بها وقلت ما معنا إلا إبريق خزف فلو اشترينا آخر فأخرج من جيبه خمسة دراهم وقال يا حسين ليس معي إلا هذه خذ واشتر ما شئت ولا تطلب مني بعد هذا شيئا قال فخرجنا على التجريد وفته الله لنا ثم لما قضى أبو المظفر حجه وأتم نسكه عاد إلى خراسان ودخل مرو في سنة ثمان وستين وأربعمائة فلما ألقى عصا السفر بها واستقر قلد الشافعي ورجع عن مذهب أبي حنيفة رحمهما الله وترك طريقته التي ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة
قال أبو المظفر فيما يحكيه عن نفسه لما اختلج في ذهني تقليد الشافعي وزاد التردد عندي رأيت رب العزة جل جلاله في المنام فقال عد إلينا يا أبا المظفر فانتبهت وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي فرجعت إليه وعن أبي المظفر كنت في الطواف بمكة فوصلت إلى الحجر والملتزم والمقام وزمزم وإذا أنا برجل قد أخذ بطرف ردائي من ورائي فالتفت فإذا أنا بالشيخ الإمام سعد الزنجاني فتبسمت إليه فقال أما ترى أين أنت قلت لا قال أعز مكان وأشرفه هذا المقام مقام الأنبياء والأولياء ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم كما وصلته إلى أعز مكان فأعطه أشرف عز في كل مكان وحين وزمان ثم ضحك إلي وقال لا تخالفني في سرك وارفع معي يديك إلى ربك ولا تقولن ألبتة شيئا واجمع لي همتك حتى أدعو لك وأمن أنت فبكيت ورفعت معه يدي وحرك شفتيه وأمنت معه ثم أرسل يدي وقال لي سر في حفظ الله فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة فمضيت من عنده وما شيء أبغض إلي من مذهب المخالفين وعن الحسن بن أحمد المروزي قال خرجت مع الشيخ أبي المظفر إلى الحج فكلما دخلنا بلدة نزل على الصوفية وطلب الحديث من المشيخة ولم يزل يقول في دعائه اللهم بين لي الحق من الباطل فلما دخلنا مكة نزل على أحمد ابن علي بن أسد الكوجي ودخل في صحبة سعد الزنجاني ولم يزل معه حتى صار ببركته من أصحاب الحديث وعن أبي نصر الأبيوردي كنت قد قمت ليلة على وردي فركعت ما كتب الله لي فغلبني النوم فرأيت فيما يرى النائم كأني على سطح عال بمدينة مرو وإذا أبواب السماء قد فتحت ورأيت الملائكة قد جاءوا بزينة عظيمة ورأيت نورا قد سطع من ذلك الباب وخرج حتى صار كأنه طريق مستقيم فوصل إلى السطح ورأيت الخلائق متمسكين به يصعدون إليه إلى السماء والنور يسطع فوقهم فقلت لرجل كان معي ما هذه العلامات فقال أما ترى ما نحن فيه منذ الليلة هذا سطح دار ابن السمعاني الذي أنت عليه وهذا الطريق الذي أخذ به إلى الحق وهذا الخلق تبعوه بطلبون معه الحق فقلت هل وصلوا أو هم بعد في السير فقال بل وصلوا وأعطاه الله عز وجل السبيل المستقيم فانتبهت فزعا فأصبحت واكتريت دابة وجئت إلى مرو فوجدته قد انتقل إلى مذهب أصحاب الحديث وعن سعد بن أبي الخير الميهني كنت بميهنة بين النائم واليقظان فرأيت نورا ساطعا من السماء إلى الأرض فقلت ما هذا فقال لي قائل من المشهد هذا نور بينه الله لعباده من بين المراوزة فرأيت خراسان بأسرها قد أصابها ذلك النور فلما أصبحنا حكيت للصوفية وإذا بابن السمعاني قد انتقل من مذهبه وعن أبي بكر محمد بن أحمد بن سعيد الإمام النسوي رأيت ليلة في المنام كأني أمشي في الصحراء فانتبهت إلى موضع يتشعب منه طرق مختلفة فإذا أنا بالإمام أبي المظفر بن السمعاني وهو واقف على رأس الطرق كالمتحير يلتفت يمنة ويسرة فسمعت صائحا يصيح يا أبا المظفر أقبل إلي فإن الجادة هذه فمضى الإمام أبو المظفر على يمينه نحو الصوت وتبعته وهو يترنم ببيت من الشعر الطرق شتى طريق الحق منفرد ** والسالكون سبيل الحق أفراد فانتهيت إلى موضع نزه فإذا نحن بشاب حسن الوجه طيب الرائحة واقف على بستان فيه أشجار وأنهار ما رأيت أحسن منه وإذا حوالي البستان قصور في نهاية الحسن فدخل الإمام أبو المظفر البستان واستقبله جوار وغلمان وأظهروا السرور بقدومه فسألت بعض من يليني من هذا الواقف على الباب فقال رضوان خازن الجنة وهذه القصور والبساتين لأبي المظفر بن السمعاني فانتبهت فبعد ذلك بأيام بلغنا انتقاله إلى مذهب الشافعي ولما استقر انتقاله إلى مذهب الشافعي وانفصاله عن الرأي النعماني قامت الحرب على ساق واضطربت بين الفريقين نيران فتنة كادت تملأ ما بين خراسان والعراق واضطرب أهل مرو لذلك اضطرابا وفتح المخالفون للمشاقة أبوابا وتعلق أهل الرأي بأهل الحديث وساروا إلى باب السلطان السير الحثيث ولم يرجعوا إلى ذوي الرأي والنهي ولا وقفوا عند مقالة من أمر ونهى وعدلوا وما عدلوا وحملوا حملة رجل واحد وعن الصواب عدلوا وراموا إخفاء ضوء البدر وقد برزت ضمائره وقصدوا كتم الصباح وكركيه مجاب على مدة محلق يملأ الدنيا بشائره والشيخ أبو المظفر ثابت على رجوعه غير ملتفت إلى محمول الكلم وموضوعه مستقر على الانتقال مستمر على الارتحال هجره لذلك أخوه أبو القاسم فزجره ولم يلو على لوم اللائم وكتب إليه كيف خالفت مذهب الوالد في كلمات كان غير ناظر إناها ولا قائل في جوابها إلا وكنت امرأ لا أسمع الدهر سبة ** أمس بها وإلا كشفت غطاها وتعاتبا ولم يزد أحدهما أخاه إلا امتناعا وكانا كما قال الشاعر بليت بصاحب إن أدن شبرا ** يزدني في مباعدة ذراعا كلانا جاهد أدنو وينأى ** فذلك ما استطعت وما استطاعا ثم قبل أبو القاسم عذر أبي المظفر ووجه إليه ابنه أبا العلاء عالي بن علي بن محمد للتفقه عليه وصارت السمعانية شافعية بعد أن كانوا حنفيه فالحنفيه من السمعانية الإمام أبو منصور وولده أبو القاسم علي وولده أبو العلاء عالي والشافعية الإمام أبو المظفر وأولاده وأولاد أولاده وكل سمعاني جاء بعده
قال إمام الحرمين لو كان الفقه ثوبا طاويا لكان أبو المظفر بن السمعاني طرازه وقال أبو القاسم بن إمام الحرمين أبو المظفر بن السمعاني شافعي وقته وقال علي بن أبي القاسم الصفار إذا ناظرت أبا المظفر فكأني أناظر رجلا من التابعين وقال عبد الغافر الفارسي أبو المظفر وحيد عصره في وقته فضلا وطريقة وزهدا وورعا وقال ابن ابنه الحافظ أبو سعد ابن الإمام أبي بكر بن أبي المظفر السمعاني هو إمام عصره بلا مدافعة وعديم النظر في وقته ولا أقدر على أن أصف بعض مناقبه ومن طالع تصانيفه وأنصف عرف محله من العلم صنف التفسير الحسن المليح الذي استحسنه كل من طالعه وأملى المجالس في الحديث وتكلم على كل حديث بكلام مفيد وصنف التصانيف في الحديث مثل منهاج أهل السنة والانتصار والرد على القدرية وغيرها وصنف في أصول الفقه القواطع وهو يغني عن كل ما صنف في ذلك الفن وفي الخلاف البرهان وهو مشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية والأوساط والمختصر الذي سار في الأقطار المسمى بالاصطلام رد فيه على أبي يد الدبوسي وأجاب عن الأسرار التي جمعها انتهى ذكره في الأنساب قلت ولا أعرف في أصول الفقه أحسن من كتاب القواطع ولا اجمع كما لا أعرف فيه أجل ولا أفحل من برهان إمام الحرمين فبينهما في الحسن عموم وخصوص وكان رجوع أبي المظفر عن مذهب أبي حنيفة في دار ولي البلد ملكانك بحضور أئمة الفريقين في شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين وأربعمائة واضطرب أهل مرو وأدى الأمر إلى تشويش العوام والخصومة بين أهل المذهبين وأغلق باب الجامع الأقدم وترك الشافعية الجمعة إلى أن وردت الكتب من جهة ليلة من شهر رمضان سنة ثمان وستين وأربعمائة وصحبة الشيخ الأجل ذو المجدين أبو القاسم الموسوي وطائفة من الأصحاب وسار إلى طوس ثم قصد نيسابور واستقبلوه استقبالا عظيما حسنا وكان في نوبة نظام الملك وعميد الحضرة أبي سعيد محمد بن منصور فأكرموا مورده وأنزلوه في عز وحشمة وعقد له مجلس التذكير وكان بحرا فيه حافظا لكثير من الحكايات والنكت والأشعار فظهر له القبول عند الخاص والعام واستحكم أمره في مذهب الشافعي ثم عاد إلى مرو وعقد له مجلس التدريس في مدرسة أصحاب الشافعي والتذكير وعلا شأنه وقدمه نظام الملك على أقرانه وكان خليقا بذلك من أئمة المسلمين وأعلام الدين يقول ما حفظت شيئا فنسيته وجميع تصانيفه على مذهب الشافعي رضي الله عنه ولم يوجد له شيء على مذهب أبي حنيفة توفي يوم الجمعة ثالث عشرى ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة بمرو
ونفتتح بدعائه في خطبة كتابه الاصطلام قال اللهم اجعل صدري خزانة توحيدك ولساني مفتاح تمجيدك وجوارحي خدم طاعتك فإنه لا عز إلا في الذل لك ولا غنى إلا في الفقر إليك ولا أمن إلا في الخوف منك ولا قرار إلا في القلق نحوك ولا روح إلا في النظر إلى وجهك ولا راحة إلا في الرضا بقسمك ولا عيش إلا في جوار المقربين عندك وقال في باب الربا في مسألة أن العلة الطعم الفقه صعب مرامه شديد مراسه لا يعطى مقاده لكل أحد ولا ينساق لكل طالب ولا يلين في كل حديد بل لا يلين إلا لمن أيد بنور الله في بصره وبصيرته ولطف منه في عقيدته وسريرته وعندي أن الفقه أولى بهذا النظر من النحو حيث قال قائلهم النحو صعب وطويل سلمه ** إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زل إلى الحضيض منه قدمه ** يريد أن يعربه فيعجمه ورجح القول بأن الصفقة متحدة وإن تعدد المشتري ثم أبعد فقال بالاتحاد وإن جوزنا إفراد أحدهما حصته بالرد والمعروف أن هذا القول مأخوذ من القول بمنع الإفراد قال ابن السمعاني في الرسالة القوامية وكان صنفها لنظام الملك في تقديم أدلة الإمامة قال أهل السنة أبو بكر رضي الله عنه أفضل الصحابة في جميع الأشياء قال وجملة من وسم بالنفاق على عهد رسول الله وثمانون رجلا قاضي هراة كان فقيها شاعرا مجيدا لا يعتري شعره عجمة مع كونه من أهلها تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني ببغداد وامتدح أمير المؤمنين القادر بالله وكان يختم القرآن في كل يوم وليلة وسمع العباس بن الفضل النضروي وأبا الفضل بن خميرويه توفي سنة أربعين وأربعمائة ومن شعره خشف من الترك مثل البدر طلعته ** يجوز ضدين من ليل وإصباح كأن عينيه والتفتير غنجهما ** آثار ظفر بدا في صحن تفاح ومنه أيضا طلع البنفسج زائرا أهلا به ** من وافد سر القلوب وزائر فكأنما النقاش قطع لي به ** من أزرق الديباج صورة طائر وله أيضا شمائل مشرقة عذبة ** تعادل رقتها والصفا ومنه فهن العتاب وهن الدموع ** وهن المدام وهن الهوى ومنه أدر المدامة يا غلام فإننا ** في مجلس بيد الربيع منجد والورد أصفره يلوح كأنه ** أقداح تبر كفتت بزبرجد ومما وقع لنا إسناده منه أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا عبد الواسع بن عبد الكافي الأبهري رأيت له مختصرا لطيفا في الفقه سماه الاستغناء ذكر فيه واضحات المسائل وحدث في أوله عن أبي القاسم عبد الملك بن بشران بحديث إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ذكر أنه سمعه منه ببغداد سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وحدث فيه أيضا عن الماوردي والخطيب البغدادي بشعر ذكره في خطبة كتابه فذكر أن الماوردي أنشده لبعض أهل البصرة وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ** فأجسادهم قبل القبور قبور وإن امرأ لم يحي بالعلم ميت ** فليس له حتى النشور نشور 9. وأن أبا بكر الخطيب أنشده لبعضهم بفقه تستطيل على الرجال ** وتزهو في المحافل بالكمال إذا وقع القياس بكل علم ** فحال الفقه يعلو كل حال ومن طلب التفقه وانتحاه ** أناف برأسه تاج الجمال فخذ بالشافعي وقل بقول ** سديد عنه مختلف المقال ففضل الشافعي على سواه ** كفضل الشمس قيست بالهلال من تلامذة أبي القاسم الداركي كذا قال العبادي في الطبقات قال ابن الصلاح له ذكر في غير موضع من يتيمة الدهر وفي مشيخة ابن بشرى قلت روى عن أبي بكر محمد بن أحمد المفيد وأبي القاسم بكر بن أحمد روى عنه ابنه نجيب وأبو علي جهابدار مات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة كذا ساق نسبه عبد الغافر هو الشريف العمري أبو الفتح القرشي المروزي أحد أئمة الدين تفقه على القفال وأبي الطيب الصعلوكي وأبي طاهر الزيادي وروى عن أبي العباس السرخسي وأبي محمد المخلدي وأبي محمد عبد الرحمن ابن أبي شريح الأنصاري وغيرهم روى عنه مسعود بن ناصر السجزي وأبو صالح المؤذن وعبد الغافر الفارسي وطائفة وكان إماما ورعا زاهدا فقيرا قانعا باليسير مشارا إليه في العلم عليه مدار الفتوى والمناظرة محدثا جلس للتحديث والإملاء فأملى الكثير معظما درس في حياة أشياخه أبي طاهر بن محمش وأبي الطيب الصعلوكي وغيرهما وتفقه به خلق منهم البيهقي وصنف مصنفات كثيرة وكتب بخطه الكثير عندي بخطه النصف الأول من جمع الجوامع لابن العفريس توفي بنيسابور في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وأربعمائة الزاهد الجامع بين العلم والدين مصنف كتاب الانتخاب الدمشقي وهو فيما بلغني كبير في بضعة عشر مجلدا وكتاب الحجة على تارك المحجة وكتاب التهذيب وكتاب المقصود وكتاب الكافي وكتاب شرح الإشارة التي صنفها سليم الرازي وغير ذلك تفقه على الفقيه سليم بصور ثم دخل إلى ديار بكر وتفقه على محمد بن بيان الكازروني ودرس العلم ببيت المقدس مدة ثم انتقل إلى صور وأقام بها عشر سنين ينشر العم مع كثرة المخالفين له من الرافضة ثم انتقل منها إلى دمشق فأقام بها تسع سنين يحدث ويفتي ويدرس وهو على طريقة واحدة من الزهد والتقشف وسلوك منهاج السلف متقشفا متجنبا ولاة الأمور وما يأتي من الرزق على أيديهم قانعا باليسير من غلة أرض كانت له بنابلس يأتيه منها ما يقتاته ولا يقبل من أحد شيئا وسمع الحديث من جماعة وحدث كثيرا سمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطبيز وعلي بن السمسار ومحمد بن عوف المزي وابن سلوان وأبي علي الأهوازي وبغزة من محمد بن جعفر الميماسي وبآمد من هبة الله بن سلمان وبصور من الفقيه سليم وسمع أيضا من خلق كثيرين وأملى مجالس ووقع لنا بعضها روى عنه أبو بكر الخطيب وهو من شيوخه وأبو القاسم النسيب وأبو الفضل يحيى بن علي وجمال الإسلام أبو الحسن السلمي وأبو الفتح نصر الله المصيصي وهما من أخص تلامذته وأخصها به نصر الله وأبو يعلى حمزة بن الحبوبي وخلق قال الحافظ ابن عساكر سمعت من يحكي أن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان زاره يوما فلم يقم له وسأله عن أحل الأموال التي يتصرف فيها السلطان فقال الفقيه نصر أحلها أموال الجزية فخرج من عنده وأرسل إليه بمبلغ من المال وقال هذا من مال الجزية ففرقه على الأصحاب فلم يقبله وقال لا حاجة بنا إليه فلما ذهب الرسول لأمه الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد وقال له قد علمت حاجتنا إليه فلو كنت قبلته وفرقته فينا فقال لا تجزع من فوته فسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد فكان كما تفرس فيه قال وسمعت بعض من صحبه يقول لو كان الفقيه أبو الفتح في السلف لم تقصر درجته عن واحد منهم لكنهم فاتوه بالسبق وكانت أوقاته كلها مستغرقة في عمل الخير من علم وعمل وحكي عن بعض أهل العلم أنه قال صحبت إمام الحرمين أبا المعالي الجويني بخراسان ثم قدمت العراق فصحبت أبا إسحاق الشيرازي فكانت طريقته أفضل من طريقة أبي المعالي ثم قدمت الشام فرأيت الفقيه أبا الفتح فكانت طريقته أحسن من طريقتهما جميعا توفي الشيخ أبو الفتح نصر يوم الثلاثاء تاسع المحرم سنة تسعين وأربعمائة بدمشق وخرجوا بجنازته وقت الظهر فلم يمكنهم دفنه إلا قريب الغروب لكثرة الناس وقبره معروف في باب الصغير تحت قبر معاوية رضي الله تعالى عنه قال النووي سمعنا الشيوخ يقولون الدعاء عند قبره يوم السبت مستجاب أبو القاسم نزيل البصرة ولي القضاء بعض نواحيها سمع أبا القاسم بن بشران وأبا علي بن شاذان وجماعة روى عنه هبة الله بن السقطي والحميدي وشجاع الذهلي وآخرون تفقه على القاضي أبي الطيب قال أبو الفضل بن ناصر مات بالبصرة في ذي الحجة سنة سبع وسبعين وأربعمائة أبو المظفر بن الإمام الشريف المتقدم ذكره تفقه على أبيه قال عبد الغافر مولده سنة سبع عشرة قال وتوفي يوم الجمعة بعد الصلاة سنة سبع وسبعين وأربعمائة أبو طالب الدسكري الصوفي المقيم بحلوان شيخ البلد وخادم الفقراء بها خازن كتب المدرسة النظامية ببغداد القاضي الإمام أحد أركان المذهب أبو القاسم الدينوري صاحب أبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب وارتحل الناس إليه من الآفاق وأطنبوا في وصفه بحيث يفضله بعضهم على الشيخ أبي حامد وقال له فقيه يا أستاذ الاسم لأبي حامد والعلم لك قال ذاك رفعته بغداد وحطتني الدينور وذكره العبادي قبل الشيخ أبي حامد وجعلهم ثلاثة أقران ابن كج والشيخ أبو حامد والكشفلي
ذكر الرافعي في الفصل الثاني في التسامح من كتاب الشهادات أن ابن كج ذكر أنه تجوز الشهادة بالاستفاضة قال الرافعي وقد ينازع لإمكان مشاهدة اليد قلت بل جزم قبل ذلك بنحو أربع ورقات بمنازعته فقال في أوائل الباب الثالث في مستند علم الشاهد والثاني ما يكفي فيه الإبصار وهو الأفعال كالزنا والشرب والإتلاف والولادة والرضاع والاصطياد والإحياء وكون المال في يد شخص فيشترط فيها الرؤية المتعلقه بها وبفاعلها ولا يجوز منا الشهادة فيها على السماع من الغير انتهى وهو صريح فيما قاله ابن كج لكن الذي قاله ابن كج هو الذي نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه نقله أبو الحسن الجوري في كتاب المرشد وذكر أنه متفق عليه وإن اختلف في ثبوت الملك بالاستفاضة وتلك فائدة جليلة وهذه صورة النص قال الشافعي قال الله عز وجل والثاني السمع المجرد والثبوت في القلب وهو تظاهر الأخبار أن زيد بن عبد الله وسائر الأنساب وأن هذه الدار في يده فيجوز له الشهادة بذلك وإن لم يحضر الولادة ولا اليد والثالث ما يحتاج فيه إلى السمع والبصر جميعا وساق النص بطوله ثم قال الجوري أما الشهادة على النسب والدين بظاهر الأخبار فمتفق عليه وإذا تظاهرت الأخبار باليد فلا تسمع الشهادة بالملك من أصل اليد فإن اليد قد تكون عن يد وديعة ويد عارية ويد غصب فلا تسمع الشهادة إلا على اليد كما سمعوا فإن تظاهرت الأخبار عنده على الملك وسعه الشهادة عنده على الملك أيضا انتهى يوسف بن علي بن محمد بن الحسين الزنجاني الشيخ أبو القاسم أحد الأئمة من تلامذة الشيخ أبي طاهر الزيادي ومن أقران القفال فكثيرا ما وقع ذكره في فتاوي القفال ومن مشايخ الشيخ أبي محمد الجويني ومن صدور أهل خراسان علما وتوقد ذكاء قال أبو المظفر الأبيوردي في كتابه على أبيورد كان من مشاهير العلماء لحق بالأئمة الأعلام وجاذب الفحول أهداب الكلام ودرس وأفتى وصنف وله كتاب المسائل في الفقه تفزع إليه الفقهاء وتتنافس فيه العلماء وقال المطوعي ما زالت به حرارة ذهنه وسلاطة وهمه وذكاء قلبه حتى احترق جسمه واهتصر غصنه قلت أحسه توفي في حدود الأربعمائة إن لم يكن بعدها فقبلها بقليل
قال الرافعي في الخلع إذا اقل الزوج خالعتك بألف درهم فقالت قبلت الألف ففي فتاوي القفال أنه يصح ويلزم المال وإن لم تقل اختلعت وكذا لو قال لأجنبي خالعت زوجتي على كذا فقبل منه وإن أبا يعقوب غلط فقال في حق المرأة لا بد أن تقول اختلعت والأجنبي لا يحتاج إليه انتهى وأبو يعقوب هو الأبيوردي وقول الرافعي في الحكاية عنه لابد أن تقول اختلعت يفهم أنه يوجب ذكر هذه اللفظة ولا يكتفي بقبلت بل لابد من توافق اللفظين غير أن قوله في صدر المسألة قبلت الألف مع تفرقة أبي يعقوب بين المرأة والأجنبي مما يفهم أن مراده ليس توافق اللفظين فإنه لو أراد توافق اللفظين لم يحتج إلى إعادة ذكر الألف في قولها قبلت الألف ولا كان يفرق بين الأمرين أبو بكر الصيدلاني إمام جليل القدر عظيم الشأن من أئمة أصحاب الوجوه الخراسانيين ومن عظماء تلامذة القفال المروزي واسمه محمد بن داود لأن أبا سعد بن السمعاني ذكر في كتاب الأنساب في باب الدال في ترجمة الداودي ما نصه وأبو المظفر سليمان بن داود بن محمد ابن داود الصيدلاني المعروف بالداودي نسبة إل جده الأعلى وهو نافلة الإمام أبي بكر الصيدلاني صاحب أبي بكر القفال انتهى وهذا صريح في أنه يتأخر عن القفال وكذلك قال الغزالي في البسط في تصرف الحاكم في مال الأجنة إن الصيدلاني حكى عن القفال أنه كان يقف جميع التركة إلى انفصال الجنين ووقع في كلام ابن الرفعة أن ابن داود متقدم على القفال صاحب الرقم تلميذ القاضي أبي عاصم العبادي وقاضي همذان وله شرح أدب القضاء للعبادي وهو المسمى بالإشراف على غوامض الحكومات كان أحد الأئمة وهو في حدود الخمسمائة إما قبلها بيسير وهو الأقرب ولذلك ذكرناه في الطبقة الرابعة وإما بعدها بيسير وهو الذي تحمل مع أبي سعد المتولي صاحب التتمة شهادة على كتاب حكمي من قاضي هراة إلى مجلس القاضي الحسين وكانت الشهادة على الختم والعنوان إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين فرد القاضي الكتاب وقال الشهادة على الختم دون مضمون الكتاب غير مقبولة عند الشافعي والعنوان دون تعيين المكتوب إليه غير جائز عند أبي حنيفة فلا أقبل كتاب اجتمع الإمامان على رده كما أن من احتجم ومس ذكره وصلى لا تصح صلاته على المذهبين وبين القاضي أبي سعد وأبي الحسن بن أبي عاصم العبادي صاحب الرقم مناظرات
ذكر أن القاضي إذا رأى الحبس تعزيرا لم يبلغ بالمحبوس سنة ورأيته منصوصا للشافعي في الأم
دعواه أن القياس الذي لا يجوز غيره أن الإقرار المطلق للبالغ لا يحكم به للمقر ولا بد من بيان السبب قال غير أن الناس ألفوا تصحيحه مطلقا من غير بيان السبب وهو خلاف قياس المذهب نقله عنه الوالد في شرح المنهاج ورده عليه وقال بل قياس المذهب خلافه ولا شاهد لما ادعاه لا من دليل ولا مذهب وذكر في كتاب الإشراف نقلا عن تعليق البندنيجي أن الشافعي نص في اختلاف العراقيين تفريعا على القول بأن الشفعة على الفور وأن فيها خيار المجلس وأنه لو عفي عنها كان له الخيار ما دام في المجلس قال أبو سعد وهذه غريبة وذكر أبو العباس أن العفو لا خيار فيه لأنه كالإبراء قال أبو سعد ويبعد في القياس إثبات الخيار في العفو ثم أخذ يوجهه بأن العفو سبب لتقرير ملك المشتري فيعقب بخيار المجلس كالشراء الذي كان سببا لإيجاب الملك فيه وعكسه الإبراء فإنه إسقاط محض لم يتضمن تقرير ملك في عين فلم يعقب بخيار المجلس ثم قال أبو سعد أشبعت هذا الفصل بيانا لذهول حذاق الإصحاب عنه قلت ولا بيان بما ذكره فإن العفو وإن قرر الملك فليس هو التملك ولعل الإبراء أولى بخيار المجلس منه أما إن قلنا تمليك فواضح وأما إن قلنا إنه إسقاط فلكونه أثر في السقوط والعفو لم يؤثر في الملك شيئا قال أبو سعد وقد حكى أن أبا عاصم حكى القول القديم أن الاستثناء لا يصح في الظهار لم أسمع هذا القول من أحد ولعل سببه أن المعاصي عند أهل السنة وإن وقعت بمشيئة الله فليس من الأدب إضافتها إلى مشيئته كما أن خلق القردة والخنازير من الله ولا يحسن في أدب العبودية إضافتها إلى الله ثم قال ولا يتحقق هذا الوجه إلا على قول المعتزلة حيث قالوا وقوع المعاصي بمشيئة العبد قال أبو سعد فالأصح أن يقال وقع تصحيف في الكتب وإنما هو لا يصح الاستثناء في الطهارة بيانه إذا تطهر ليصلي صلاة الظهر ولم يتعرض لغيرها بنفي ولا إثبات فالطهارة صحيحة في حق جميع الصلوات وإن نفي غيرها فأوجه البطلان والصحة بالنسبة إلى جميع الصلوات ولعل هذا هو القديم أنه لا يصح الاستثناء في الطهارة والثالث الاستثناء صحيح فتصح تلك الصلاة دون غيرها قلت هذا الذي قاله أبو سعد غريب والمعروف في توجيه هذا القول أن الظهار إخبار لا إنشاء وهو أيضا توجيه ضعيف وقد أطال أبو العباس القرافي المالكي في كتابه الفروق الكلام على قول من قال الظهار خبر لا إنشاء لقوله تعالى وسألت أنا الوالد رحمه الله عن ذلك وبحثت فيه فكتبت ما لخصته أنا في كتاب ترشيح التوشيح فلينظر فيه والرافعي ذكر في الفصل الثاني في المشيئة من كتاب الطلاق في أوائله عن بعضهم هذا التوجيه وسكت عليه لكنه لما تكلم في كتاب الظهار على قول الغزالي في الوجيز إنه إخبار قال إنه ممنوع والظهار تصرف منشأ كالطلاق كذا في نسخة وفي بعض النسخ والظاهر أنه تصرف مبتدأ كالطلاق على أن الغزالي غير جازم بكونه خبرا بل عنده فيه توقف ألا تراه قال في الوسيط موضع قوله في الوجيز إخبار إن فيه مشابهة الإخبار وبالجملة القول بأنه إخبار لا ينبو عنه الذهن في بادي الرأي عند سماعه ولولا ذاك التقرير النفيس الذي تلقيناه من الشيخ الإمام رحمه الله لكنا مصممين على إنكار هذا القول كيف وقد قال به فحل هذا المذهب وأسنده إلى أبو المعالي الجويني عند حكايته إياه في كتاب الطلاق ولست أرى لذكر ما لا أفهمه وجها قال أبو سعد لا تصح دعوى الشفعة إلا بأربع شرائط دعوى البيع وذكر الشركة بالملك الذي به يأخذه وذكر الثمن بقدره وصفته والدعاء إلى تسليم الشفعة قال وأما دعوى الاستحقاق فغير مسموعة قلت أما قوله في دعوى الاستحقاق فقد خالفه الإمام الوالد رحمه الله وأشار في باب الشفعة إلى أنها تسمع وإن كان مقتضى كلام الرافعي والنووي الجزم بأنها لا تسمع وأما قوله لا تصح دعوى الشفعة إلا بذكر الثمن إذا أوصى لعمرو بمائة ولزيد بمائة وقال لخالد أشركتك معهما فله نصف ما لكل واحد منهما في قول وثلثه في قول حكى القولين القاضي أبو سعد في الإشراف والقاضي شريح في أدب القضاء إذا قال أوصيت بثلث مالي لرجل وقد سميته لوصيين بكر وخالد هما يسميانه فاختلفا وهما عدلان فعين كل منهما غير الذي عينه صاحبه وشهد له وهما عدلان ففيه قولان أحدهما تبطل الوصية لأنه لم يوص لواحد والثاني يحلف كل منهما مع شاهده وهو بينهما وتبعه على حكاية القولين في المسألة القاضي شريح أيضا وقد حكاهما الرافعي في أواخر باب الوصية عن شرح أدب القضاء لأبي عاصم والشرح هو كتاب الإشراف إذا قال ضع ثلثي حيث شئت قال الشافعي لا يضعه في زوجته ولا فيما لا مصلحة للميت في وضعه فيه ولا في ورثة الموصي فإن وضعه في ورثة الموصي لم يصح الاختيار ولا يختار ثانيا لأنه انعزال ويحتمل أنه كوكيل باع بغبن فإنه لا يصح ثم إذا باع بثمن المثل صح في أحد الوجهين هذا كلام أبي سعد والقائل ويحتمل هو أبو عاصم كذا بينه القاضي شريح قال الرافعي في باب الدعوى والبينات فسر أبو عاصم كلمة التنصر بما إذا شهدت البينة بأن آخر ما تكلم به لا إله إلا الله عيسى رسول الله قال القاضي أبو سعد وفيه إشكال ظاهر لأن المسلمين يثبتون نبوة عيسى عليه السلام وإثبات نبوته ليس نفيا لنبوة سيدنا محمد سيما عند منكري المفهوم فيجب أن يفسر بما يختص به النصارى قال ابن الرفعة الذي حكاه في الإشراف عن أبي عاصم ولو شهدت أن آخر ما نطق به لا إله الله عيسى رسول الله وأنه بريء من كل دين سواه كان في معنى ذلك فإن كانت الصيغة كما ذكرنا فلا إشكال لأن من تبرأ من كل دين سواه نصراني وإن كانت كما هي موجودة في الرافعي فلا إشكال في وجود الإشكال قلت قد يقال ولو كانت الصيغة كما ذكر ابن الرفعة فالإشكال باق لأن التبري من كل دين سوى الاعتراف بنبوة عيسى عليه السلام لم يبرأ من الإسلام فإشكال أبي سعد باق فإن قلت ذكر التبري هنا قرينة إرادة النصرانية ظاهرا قلت وكذا ذكر عيسى بمفرده خاليا عن ذكر محمد الظاهر أن من يجعل آخر كلامه عيسى غير معترف ولا مهتم بشأن نبينا محمد ثم قضى بنصرانيته لأن هذا دليل عليها قاطع بل أمارة ظاهرة وإن لم يكن في هذه الصيغة خصوص التنصر بل قد يقال إنها منافية لخصوص التنصر فإن خصوص التنصر دعوى ألوهية عيسى لا رسالته ففي الحقيقة هو في قوله إن عيسى رسول الله آت بخلاف معتقد النصارى وإنما القاضي أبو عاصم لعله لاحظ ما أشرنا إليه من أن ذكر عيسى في آخر كلمة نطق بها دليل على اهتمامه به فإن الإنسان لا يهتم في ذلك الوقت إلا بما هو مطمح معتقده ومنتهى نظره ولو أن عند هذا من نبينا عند المسلمين لما عدل عن ذكره وذكر ما ذكره فإن قلت غايته السكوت عن ذكر نبينا قلت بل هو بذكر ما يشبه المنافاة غير ساكت فليتأمل ما أبديته فلعله مراد أبي عاصم وإلا فلا وجه لكلامه بالكلية والرجل أجل قدرا من أن يخفى عليه هذا القدر ورجح القاضي أبو سعد القول بأن الإقرار للوارث غير صحيح وقال أنا أفتي به والله سبحانه وتعالى أعلم بحمد الله
|