الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (107): {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)}{والذين اتخذوا مَسْجِدًا} عطف على ما سبق أي ومنهم الذين، وجوز أن يكون مبتدأ خبره {أَفَمَنْ أَسَّسَ} [التوبة: 109] والعائد محذوف للعلم به أي منهم أو الخبر محذوف أي فيمن وصفنا، وأن يكون منصوبًا قدر كأذم وأعني.وقرأ نافع. وابن عامر بغير واو، وفيه الاحتمالات السابقة إلا العطف، وأن يكون بدلًا من {ءاخَرُونَ} [التوبة: 106] على التفسير المرجوح، وقوله سبحانه: {ضِرَارًا} مفعول له وكذا ما بعده وقيل: مصدر في موضع الحال أو مفعول ثان لا تخذوا على أنه عنى صيروا أو مفعول مطلق لفعل مقدر أي يضارون بذلك المؤمنين ضرارًا، والضرار طلب الضرر ومحاولته، أخرج ابن جرير. وغيره عن ابن عباس أن جماعة من الأنصار قال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدًا واستمدوا ما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم فأخرج محمدًا عليه الصلاة والسلام وأصحابه فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة فنزلت. وأخرج ابن إسحق. وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال أتى أصحاب مسجد الضرار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا، يا رسول الله أنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الساتية وأنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه فقال صلى الله عليه وسلم: إني على جناح سفر وحال شغل أو كما قال عليه الصلاة والسلام ولو قدمنا إن شاء الله تعالى لآتيناكم فصلينا لكم فيه فلما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ونزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار أتاه خبر المسجد فدعا مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف. ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي أحد بلعجان فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك فقال مالك لصاحبه: أنظرني حتى أخرج لك بنار من أهلي فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارًا ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فأحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ونزل فيهم من القرآن ما نزل وكان البانون له اثنى عشر رجلًا: خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف ومن داره أخرج المسجد. وعباد بن حنيف من بني عمرو بن عوف أيضًا. وثعلبة بن حاطب. ووديعة بن ثابت وهما من بني أمية بن زيد رهط أبي لبابة بن عبد المنذر. ومعتب بن قشير. وأبو حبيبة بن الأزعر.وحارثة بن عامر. وابناه مجمع. وزيد. ونبيل بن الحرث. ونجاد بن عثمان، وبجدح من بني ضيعة. وذكر البغوي من حديث ذكره الثعلبي كما قال العراقي بدون سند: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعد حرق المسجد وهدمه أن يتخذ كناسة يلقى فيها الجيف والنتن والقمامة إهانة لأهله لما أنهم اتخذوه ضرارًا {وَكُفْرًا} أي وليكفروا فيه، وقدر بعضهم التقوية أي وتقوية الكفر الذي يضمرونه، وقيل عليه: أن الكفر يصلح علة فما الحاجة إلى التقدير. واعتذر بأنه يحتمل أن يكون ذلك لما أن اتخاذه ليس بكفر بل مقوله لما اشتمل عليه فتأمل {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المؤمنين} وهم كما قال السدى أهل قباء فإنهم كانوا يصلون في مسجدهم جميعًا فأراد هؤلاء حسدًا أن يتفرقوا وتختلف كلمتهم {وَإِرْصَادًا} أي ترقبا وانتظارًا {لّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ} وهو أبو عامر والد حنظلة غسيل الملائكة رضي الله تعالى عنه، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وتنصر فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال له أبو عامر: ما هذا الدين الذي جئت به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الحنيفية البيضاء دين إبراهيم عليه السلام قال: فأنا عليها فقال له عليه الصلاة والسلام: إنك لست عليها فقال: بلى ولكنك أنت أدخلت فيها ما ليس منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية فقال أبو عامر: أمات الله تعالى الكاذب منا طريدًا وحيدًا فأمن النبي صلى الله عليه وسلم فسماه الناس أبا عامر الكذاب وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاسق فلما كان يوم أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أجد قومًا يقاتلونك إلا قاتلتك معهم فلم يزل كذلك إلى يوم حنين فلما انهزمت هوازن يومئذ ولى هاربًا إلى الشام وأرسل إلى المنافقين يحثهم على بناء مسجد كما ذكرنا آنفًا عن الحبر فبنوه وبقوا منتظرين قدومه ليصلي فيه ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهدم كما مر ومات أبو عامر وحيدًا بقنسرين وبقي ما أضمروه حسرة في قلوبهم.{مِن قَبْلُ} متعلق بحارب أي حارب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام قبل هذا الاتخاذ أو متعلق باتخذوا أي اتخذوه من قبل أن ينافقوا بالتخلف حيث كانوا بنوه قبل غزوة تبوك كما سمعت، والمراد المبالغة في الذم {وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا} أي ما أردنا ببناء هذا المسجد {إِلاَّ الحسنى} أي إلا الخصلة الحسنى وهي الصلاة وذكر الله تعالى والتوسعة على المصلين؛ فالحسنى تأنيث الأحسن وهو في الأصل صفة الخصلة وقد وقع مفعولًا به لأردنا، وجوز أن يكون قائمًا مقام مصدر محذوف أي الإرادة الحسنى {والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لكاذبون} فيما حلفوا عليه..تفسير الآية رقم (108): {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)}{لاَ تَقُمْ} أي للصلاة {فِيهِ} أي في ذلك المسجد {أَبَدًا} وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير {لاَ تَقُمْ} بلا تصل على أن القيام مجاز عن الصلاة كما في قولهم: فلان يقوم الليل، وفي الحديث: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له» {لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ} أي بنى أساسه {عَلَى التقوى} أي تقوى الله تعالى وطاعته، و{على} على ما يتبادر منها، ولا يخفى ما في جعل التقوى وهي هي أساسًا من المبالغة، وقيل: إنها عنى مع، وقيل: للتعليل لاعتباره فيما تقدم من الاتخاذ، واللام اما للابتداء أو للقسم أي والله لمسجد. وعلى التقديرين فمسجد مبتدأ والجملة بعده صفته، وقوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} متعلق بأسس و{مِنْ} لابتداء الزمان على ما هو الظاهر، وفي ذلك دليل للكوفيين في أنها تكون للابتداء مطلقًا ولا تتقيد بالمكان، وخالف في ذلك البصريون ومنعوا دخولها على الزمان وخصوه بمذ ومنذ وتأولوا الآية بأنها على حذف مضاف أي من تأسيس أول يوم. وتعقبه الزجاج وتبعه أبو البقاء بأن ذلك ضعيف لأن التأسيس المقدر ليس كان حتى تكون من لابتداء الغاية فيه. وأجيب بأن مرادهم من التأويل الفرار من كونها لابتداء الغاية في الزمان وقد حصل بذلك التقدير، وليس في كلامهم ما يدل على أنها لا تكون لابتداء الغاية إلا في المكان، وقال الرضى: لا أرى في الآية ونظائرها معنى الابتداء إذ المقصود منه أن يكون الفعل شيئًا ممتدًا كالسير والمشي ومجرور من منه الابتداء نحو سرت من البصرة أو يكون أصلًا لشيء ممتد نحو خرجت من الدار إذ الخروج ليس ممتدًا وليس التأسيس ممتدًا ولا أصلا لممتد بل هما حدثان واقعان فيما بعد {مِنْ} وهذا معنى. في، و{من} في الظروف كثيرًا ما تقع عنى في انتهى. وفي كون التأسيس ليس أصلًا لممتد منع ظاهر. نعم ذهب إلى احتمال الظرفية العلامة الثاني وله وجه وحينئذ يبطل الاستدلال ولا يكون في الآية شاهد للكوفيين، والحق أن كثيرًا من الآيات وكلام العرب يشهد لهم والتزام تأويل كل ذلك تكلف لا داعي إليه، وقوله تعالى: {أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} خبر المبتدأ و{أَحَقُّ} افعل تفضيل والمفضل عليه كل مسجد أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير أو هو على زعمهم، وقيل: إنه عنى حقيق أي حقيق ذلك المسجد بأن تصلي فيه، واختلف في المراد منه.فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. والضحاك أنه مسجد قباء. وقد جاءت أخبار في فضل الصلاة فيه. فأخرج ابن أبي شيبة. والترمذي. والحاكم وصححه. وابن ماجه عن أسيد بن ظهير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة في مسجد قباء كعمرة» قال الترمذي. لا نعرف لأسيد هذا شيئًا يصح غير هذا الحديث، وفي معناه ما أخرجه أحمد. والنسائي عن سهل بن حنيف. وأخرج ابن سعد عن ظهير بن رافع الحارثي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى في مسجد قباء يوم الاثنين والخميس انقلب بأجر عمرة» وذهب جماعة إلى أنه مسجد المدينة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدلوا بما أخرجه مسلم. والترمذي. وابن جرير. والنسائي. وغيرهم عن أبي سعيد الخدري قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى. فقال أحدهما: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيا رسول الله عليه الصلاة والسلام فسألاه عن ذلك فقال: هو هذا المسجد لمسجده صلى الله عليه وسلم وقال: في ذلك خير كثير يعني مسجد قباء. وجاء في عدة روايات أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ذلك فقال: هو مسجدي هذا، وأيد القول الأول بأنه الأوفق بالسباق واللحاق وبأنه بني قبل مسجد المدينة، وجمع الشريف السمهودي بين الأخبار وسبقه إلى ذلك السهيلي وقال: كل من المسجدين مراد لأن كلًا منهما أسس على التقوى من أوب يوم تأسيسه، والسر في إجابته صلى الله عليه وسلم السؤال عن ذلك بما في الحديث دفع ما توهمه السائل من اختصاص ذلك سجد قباء والتنويه زية هذا على ذاك، ولا يخفى بعد هذا الجمع فإن ظاهر الحديث الذي أخرجه الجماعة عن أبي سعيد الخدري راحل عنه، ولهذا اختار بعض المحققين القول الثاني وأيده بأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أحق بالوصف بالتأسيس على التقوى من أول يوم وبأن التعبير بالقيام عن الصلاة في قوله سبحانه: {أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} يستدعي المداومة، ويعضده توكيد النهي بقوله تعالى: {أَبَدًا} ومداومة الرسول عليه الصلاة والسلام لم توجد إلا في مسجده الشريف عليه الصلاة والسلام.وأما ما رواه الترمذي. وأبو داود عن أبي هريرة من أن قوله جل وعلا: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} نزلت في أهل قباء وكانوا يستنجون بالماء فهو لا يعارض نص رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما ما رواه ابن ماجه عن أبي أيوب.وجابر. وأنس من أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار إن الله تعالى قد أثني عليكم خيرًا في الطهور فما طهوركم هذا؟ قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة قال: فهل مع ذلك غير؟ قالوا: لا غير إن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي باملاء. قال عليه الصلاة والسلام: هو ذاك فعليكموه» فلا يدل على اختصاص أهل قباء ولا ينافي الحمل على أهل مسجده صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وأنا أقول: قد كثرت الأخبار في نزول هذه الآية في أهل قباء. فقد أخرج أحمد. وابن خزيمة. والطبراني. وابن مردويه. والحاكم عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: «إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ فذكروا أنهم كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط».وأخرج أحمد. وابن أبي شيبة. والبخاري في تاريخه. والبغوي في معجمه. وابن جرير. والطبراني عن محمد بن عبد الله بن سلام عن أبيه نحو ذلك، وأخرج عبد الرزاق. والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: «ما هذا الطهور الذي خصصتم به في هذه الآية {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ}؟» قالوا: يا رسول الله ما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته.وأخرج عبد الرزاق. وابن مردويه عن عبد الله بن الحرث بن نوفل نحوه إلى غير ذلك، وروى القول بنزولها في أهل قباء عن جماعة من الصحابة وغيرهم كابن عمر. وسهل الأنصاري. وعطاء. وغيرهم. وأما الأخبار الدالة على كون المراد بالمسجد المذكور في الآية مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكثيرة أيضًا وكذا الذاهبون إلى ذلك كثيرون أيضًا، والجمع فيما أرى بين الأخبار والأقوال متعذر، وليس عندي أحسن من التنقير عن حال تلك الروايات صحة وضعفًا فمتى ظهر قوة إحداهما على الأخرى عول على الأقوى. وظاهر كلام البعض يشعر بأن الأقوى رواية ما يدل على أن المراد من المسجد مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعنى تأسيسه على التقوى من أول يوم أن تأسيسه على ذلك كان مبتدأ من أول يوم من أيام وجوده لا حادثًا بعده ولا يمكن أن يراد من أول الأيام مطلقًا ضرورة. نعم قال الذاهبون إلى أن المراد بالمسجد مسجد قباء: إن المراد من أول أيام الهجرة ودخول المدينة.قال السهيلي: ويستفاد من الآية صحة ما اتفق عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين مع عمر رضي الله تعالى عنه حين شاورهم في التاريخ فاتفق رأيهم على أن يكون من عام الهجرة لأنه الوقت الذي أعز الله فيه الإسلام والحين الذي أمن فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وبنيت المساجد وعبد الله تعالى كما يجب فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل، وفهمنا الآن بنقلهم أن قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي نؤرخ به الآن، فإن كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم أخذوه من هذه الآية فهو الظن بهم لأنهم أعلم الناس بتأويل كتاب الله تعالى وأفهمهم بما فيه من الإشارات، وإن كان ذلك عن رأي واجتهاد فقد علمه تعالى وأشار إلى صحته قبل أن يفعل إذ لا يعقل قول القائل فعلته أول يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ كذلك وليس هاهنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو حال فتدبره ففيه معتبر لمن أدكر وعلم لمن رأى بعين فؤاده واستبصر انتهى.ولا يخفى على المطلع على التاريخ أن ما وقع كان عن اجتهاد وأن قوله: وليس هاهنا إضافة إلخ محل نظر، ويستفاد من الآية أيضًا على ما قيل النهي عن الصلاة في مساجد بنيت مباهاة أو رياء وسمعت أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله تعالى، وألحق بذلك كل مسجد بني ال غير طيب.وروي عن شقيق ما يؤيد ذلك. وروي عن عطاء لما فتح الله الأمصار على عمر رضي الله تعالى عنه أمر المسلمين أن يبنوا المساجد وأن لا يتخذوا في مدينة مسجدين يضار أحدهما صاحبه، ومن حمل التطهير فيها على ما نطقت به الأخبار السابقة قال: يستفاد منها سنة الاستنجاء بالماء، وجاء من حديث البزار تفسيره بالجمع بين الماء والحجر وهو أفضل من الاقتصار على أحدهما، وفسره بعضهم بالتخلص عن المعاصي والخصال المذمومة وهو معنى مجازي له، وإذا فسر بما يسمل التطهير من الحدث الأكبر والخبث والتنزه من المعاصي ونحوها كان فيه من المدح ما فيه، وجوز في جملة {فِيهِ رِجَالٌ} ثلاثة أوجه أن تكون مستأنفة مبينة لأحقية القيام في ذلك المسجد من جهة الحال بعد بيان الأحقية من جهة المحل، وأن يكون صفة للمبتدأ جاءت بعد خبره، وأن تكون حالًا من الضمير في {فِيهِ} وعلى كل حال ففيها تحقيق وتقرير لاستحقاق القيام فيه، وقرئ {ءانٍ} بالادغام.{يَتَطَهَّرُواْ والله يُحِبُّ المطهرين} أي يرضى عنهم ويكرمهم ويعظم ثوابهم وهو المراد حبة الله تعالى عند الأشاعرة وأشياعهم وذكروا أن المحبة الحقيقية لا يوصف بها سبحانه، وحمل بعضهم التعبير بها هنا على المشاكلة، والمراد من المطهرين إما أولئك الرجال أو الجنس ويدخلون فيه.
|