الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **
وفي هذه السنة اجتمعت الفرنج في جمع عظيم واجتمعت فيه عدة من ملوكهم وكان أكبرهم ملك قشتيلية واسمه جوان وقصد ابن الأحمر ملك غرناطة فبذل له قطيعة في كل يوم مائة دينـار وفـي كـل أسبـوع ألـف دينار فأبى الفرنج أن يقبلوا ذلك فخرج المسلمون من غرناطة بعد أن تعاهدوا على الموت واقتتلوا معهم فأعطاهم الله النصر وركبوا قفاء الفرنج يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا وقتل جوان المذكور وأسرت امرأته وحصل للمسلمين من الغنائم ما يفوق الحصر ذكر مسيري إلى مصر ثم الحجاز الشريف وفي هذه السنة حج السلطان من الديار المصرية ولما قرب أوان الحج أرسل جمال الدين عبد اللـه البريـدي ورسـم إلـى أن أحضـر إلـى الأبواب الشريفة فركبت خيل البريد وأخذت في صحبتي أربعة من مماليكي وخرجت من حماة يوم الجمعة سـادس عشـر شـوال الموافـق لسلـخ تشريـن الثاني وسرت حتى وصلت إلى مصر من شوال الموافق الثامـن كانـون الـأول ونزلـت بالقاهـرة بدار القاضي كريم الدين وأقمت حتى خرجت صحبة الركاب السلطاني. ذكر خروج السلطان وتوجهه إلى الحجاز وفـي هـذه السنـة في يوم السبت ثاني ذي القعدة خرج السلطان إلى الدهليز المنصوب وكان قد نصب له لرب العش وخرج من قلعة الجبل بكرة السبت المذكور وتصيد في طريقه الكراكي وكنت بين يديه فتفرج على الصيد وصاد عدة من الكراكي من السقاقر وغيرها ونزل بالدهليز المنصوب وأقام به يتصيد في كل نهار ببلاد الحوف ورحل من المنزلة المذكورة بكرة الخميس سابع ذي القعدة الموافق لعشرين من كانون الأول وسار على درب الحاج المصري على السويس وأبلـة وسـرت في صدقاته حتى وصلنا رابغ في يوم الاثنين ثاني ذي الحجة الموافق لرابع عشر كانون الثاني وأحرم من رابغ وسار منها في يوم الثلاثاء غد النهار المذكور. واتفق من جملة سعادته وتأييده طيب الوقت فإنه كان في وسط الأربعينيات ولم نجد برداً نشكو منه مدة الإحـرام وسـار حتـى دخـل مكـة بكـرة السبـت سابـع ذي الحجة ثم سار إلى منى ثم إلى مسجد إبراهيـم وأقـام هنـاك حتـى صلـى بـه الظهـر وجمـع إليهـا العصـر ووقـف بعرفـات راكبـاً تجاه الصخرات فـي يـوم الاثنيـن ثـم أفـاض وقـدم إلـى منـى وأكمـل مناسـك حجـه وكـان فـي خدمتـه القاضـي بدر الدين جماعـة قاضـي قضـاة ديـار مصـر الشافعـي وواظـب المسلطـان فـي جميـع أوقـات المناسك بحيث إن السلطان حافظ على الأركان والواجبات والسنن محافظة لم أرها من أحد ولما كمل مناسك حجه سار عائداً إلى مقر ملكه بالديار المصريـة. وخرجـت هـذه السنـة أعني سنة تسع عشرة وهو بين ينبع وإيلة بمنزلة يقال لها القصب وهي إلى إيلة أقرب. ولقد شاهـدت مـن جزيـل صدقاتـه فـي هـذه الحجـة ما لم أقدر أن أحصره وإنما أذكر نبذة منه وهو أنه سـار فـي خدمتـه مـا يزيـد على ستين أمير أصحاب طبلخانات وكان لكل منهم في كل يوم في الذهاب والإياب ما يكفيه من عليف الخيل والماء والحلوى والسكر والبقسماط وكذلك لجميع العسكـر الذيـن سـاروا فـي خدمتـه وكـان يفـرق فيهـم فـي كـل يـوم في تلك المفاوز وغيرها ما يقارب أربعـة آلـاف عليفـة شعيـر ومـن البقسمـاط الحلوى والسكر ما يناسب ذلك وكان في جملة ما كان فـي الصحبـة الشريفـة أربعـون جمـلاً تحمـل محايـر الخضـراوات مزروعة وكان في كل منزلة يحصد من تلـك الخضـراوات مـا يقـدم صحبـة الطعـام بيـن يديـه وفـرق فـي منزلـة رابـغ علـى جميـع مـن في الصحبة مـن الأمـراء والأجنـاد وغيرهـم جمـلاً عظيمـة من الدراهم بحيث كان أقل نصيب فرق في الأجناد ثلاثمائة درهم وما فوق ذلك إلى خمسمائة درهم ونصيب أمراء العشرات ثلاثة آلاف درهم وأما الأمراء أصحاب الطبلخانات فوصل بعضهم بعشرين ألف درهم وبعضهم بأقل من ذلك فكان شيئاً كثيراً وأما التشاريف فأكثر من أن تحصر ثم كان ما سنذكره في سنة عشرين وسبعمائة إن شاء الله تعالى. ذكر قدوم السلطان إلى مقر ملكه استهل السلطان غرة المحرم من هذه السنة في القصب وهي منزلة عن إيلة على تقدير أربعة مراحل وسار السلطان منها ونزل بإيلة وأقام بها ثلاثة أيام ينتظر وصول خيل وخزانة كانت له بالكرك وبعد وصول ذلك رحل السلطان وسار حتى دخل قلعة الجبل بكـرة نهـار السبـت ثاني عشر المحرم من هذه السنة الموافق للثالث والعشرين من شبـاط وكـان يـوم دخولـه يومـاً مشهوداً ركب جميع الجيش وقبلوا الأرض بين يديه ولما صار على تقدير أربعة آلاف ذراع من القلعة أخذت الأمراء في بسط الشقق الفاخرة بين يدي فرسه فبسطوا واستمر البسط إلى أن دخل القلعة المنصورة في أسعد وقت من ضحى يوم السبت المذكور. ذكر ما أولاني من عميم الصدقات وجزيل التطولات سـرت مـن حمـاة علـى البريد ولم يصحبني مركوب لي ولا شيء من أدوات المسافر فتصدق علي وأنزلنـي عنـد القاضـي كريـم الديـن فكـان يبالـغ فـي الإحسـان إلـي بأنـواع الأمور من الملابس والمراكيب والأكل وكان ينصب لي خادماً مختصاً بي يكفي بجميع ما احتاجه من الفرش للنـوم والمأكـل والغلمان المختصة بي وكان مع ذلك لم تنقطع التشاريف على اختلاف أنواعها لأخلعها على من أختار وكان السلطان في طول الطريق في الرواح والعود يتصيد الغزلان بالصقور وأنا في صدقاته أتفرج ويرسل إلي من الغزلان التي يصيدها وتقدم مرسومه إلي ونحن نسير أنني إذا وصلـت إلـى ديـار مصـر أسلطنـك وتتوجـه إلـى بلـدك وأنـت سلطـان واستعفيـت عـن ذلك واستقللته وتألمت منه استصغاراً لنفسي وتعظيماً لاسمه الشريف أن يشارك فيه وبقي الأمر فـي ذلـك كالمتـردد إلـى أن وصل إلى مقر ملكه حسبما ذكرناه ونزلت أنا عند القاضي كريم الدين بـداره داخـل بـاب زريلـة بالقـرب إلـى بيـن القصريـن وأقمـت هنـاك وتقدم مرسوم السلطان بإرسال شعار السلطنة إلي فحضرت الموالي والأمراء وهم سيف الدين الماس أمير حاجب وسيف الدين قجليس والأمير علاء الدين أيدغمش أمير أخور. والأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي والأمير سيف الدين طيبال أمير حاجب أيضاً وحضر من الأمراء الخاصكية تقدير عشرين أميراً وحضر صحبتهم التشريف الأطلس الكامل المزركش والنمجا الشريفة السلطانية والغاشية المنسوجة بالذهب المصري وعليهـا القبـة والطيـر وثلاثـة سناجـق وعصائـب وتقليـد يتضمـن السلطنـة والجمدارية السلطانية وسلحدار بسيفين معلقين على كتفه والشاويشية وحضر جميع ذلك إلى المدرسة المنصورية بين القصرين وقدم لي حصان كامل العدة فركبته بكرة الخميس سابع عشر المحرم الموافق للثامن والعشرين من شباط بالشعار المذكور ومشت الأمراء إلى أثناء الطريق وركبوا ولما قاربت قلعة الجبل نزلوا جميعهم واستمريت حتى وصلت إلـى قـرب باب القلعة ونزلت وقبلت الأرض للسلطان إلى جهة القلعة وقبلت التقليد الشريف ثم أعدت قبيل الأرض مراراً ثم طلعت صحبة النائب وهو المقر السيفي أرغون الدوادار إلى قلعـة وحضـرت بين يدي السلطان في ضحوة النهار المذكور فقبلت الأرض فأولاني من الصدقة ما لا يفعله الوالد مع ولده وعند ذلك أمرني بالمسير إلى حماة وقال أيا فلان لك مدة غائب فتوجه إلى بلدك. فقبلت الأرض وودعته وركبت خيل البريد عند العصر من نهار الخميس المذكور وشعار السلطنة صحبتي على فرس يد وسرت حتى قاربت حماة وخرج من بها من الأمراء والقضاة وتلقوني وركبت بالشعار المذكور ودخلت حماة ضحوة نهار السبت السـادس والعشريـن المحـرم مـن هـذه السنـة الموافـق لثامن آذار بعد أن قرئ تقليد السلطنة بنقيرين في خام كان قد نصب هناك ولولا مخافة التطويل كنا ذكرنا نسخته. ذكر الإغارة على سيسر وبلادها فـي هـذه السنـة تقدمت مراسيم السلطان بإغارة العساكر على بلاد سيس ورسم لمن عينه من العساكر الإسلامية الشامية فسار من دمشق تقدير ألفي فارس وسـار الأميـر شهـاب الديـن قرطـاي بعساكـر الساحـل وجـردت مـن حمـاة أمـراء الطبلخانـات الذين بها وسارت العساكر المذكـورة مـن حمـاة فـي العشر الأول من ربيع الأول من هذه السنة ووصلوا إلى حلب ثم خرجت عساكر حلب صحبة المقر العلاى الطنبغا نائب السلطنة بحلب وسارت العساكر المذكورة عن آخرهـم ونزلـوا بعمـق حارم وأقاموا به مدة ثم رحلوا ودخلوا إلى بلاد سيس في منتصف ربيع الآخر من هذه السنة الموافق للرابع والعشرين من أيار وساروا حتى وصلوا إلى نهر جيحان وكان زائداً فاقتحموه ودخلوا فيه فغرق من العساكر جماعة كثيرة وكان غالب من غرق من التراكميـن الذيـن مـن عسكـر الساحـل وبعـد أن قطعـوا جيحـان المذكـور سـاروا ونازلـوا قلعة سيـس وزحفـت العساكـر عليهـا حتـى بلغـوا السـور وغنموا منها وأتلفوا البلاد والزراعات وساقوا المواشي وكانت شيئاً كثيراً وأقاموا ينهبون ويخربون ثم عادوا وقطعوا جيحان وكان قـد انحـط فلـم ينضـر أحـد بـه ووصلـوا إلـى بغـراس فـي نهـار السبـت التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر المذكور ثم ساروا إلى حلب وأقاموا بها مدة يسيرة حتى وصل إليهم الدستور فسار كل عسكر إلى بلده. وفي هـذه السنـة فـي أثنـاء ربيـع الـأول وصلـت الجهـة فـي البحـر إلـى الديـار المصريـة وكـان فـي خدمتهـا ما يقارب ثلاثة آلاف نفر من رجال ونساء واحتفل بهـم إلـى غايـة مـا يكـون وأدرت عليهـم الإنعامات والصلات. فـي هـذه السنـة تقدمـت مراسـم السلطـان بقطـع أخبار المذكورين وطردهم بسبب سوء صنيعهـم فقطعـت أخبارهـم ورحلـوا عـن بلاد سلمية في يوم الاثنين ثاني جمادى الأولى من هذه السنة الموافق لعاشر حزيران وساروا إلى جهات عانة والحديثة على شاطئ الفرات. وفيهـا عنـد رحيـل المذكوريـن وصـل الأميـر سيـف الديـن قجليـس وسـار بجمع عظيم من العساكـر الشاميـة والعـرب فـي إثـر المذكوريـن حتـى وصـل إلـى الرحبـة ثـم سار منها حتى وصل إلى عانة ولما وصل المذكـور هنـاك هـرب آل عيسـى إلـى وراء الكبيسـات وعيسـى المذكـور هـو أعيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصبة بن فضل بن ربيعة وأقام السلطان موضع مهنا محمد بن أبي بكر بن علي بن حديثة بن عصبة المذكور ولما جرى ذلك عاد الأمير سيف الدين المذكور وأقام بالرحبة حتى نجزت مغلاتها وحملت إلى القلعة ثم سار منها ونزل على سلمية في يوم الخميس منتصف رجب من السنة المذكورة الموافق للحادي والعشرين من آب واستمر مقيماً على سلمية حتى وصل إليه الدستور فسمار منها إلى الديار المصرية في يوم الاثنيـن تاسـع شهـر رمضـان من السنة المذكورة الموافق لثالث عشر تشرين الأول وأتم سيره حتى وصل إلى مصر. ذكر هلاك صاحب سيس في هذه السنة مات صاحب سيس أرشين بن ليفون عقيب الإغارة على بلده وكان المذكور مريضاً لما دخلت العساكر إلى بلاده وشاهد حريق بلاده وخراب أماكنه وقتل رعيته وسوق دوابهم فتضاعفت أحلامه وهلك في جمادى الأولى من هذه السنة وخلف ولداً صغيراً دون البلوغ فأقيم مكانه وتولى تدبير أمره جماعة من كبار الأرمن. ذكر مقتل حميضة ولما جرى من حميضة ما تقدم ذكره واستمر وصـول العساكـر مـن الديـار المصريـة إلـى مكـة لحفظها من المذكور رأى المذكور عجزه وضاقت عليه الأرض بما رحبت فعزم على الحضور إلى مقدم العسكر المقيم بمكة وهو الأمير ركن الدين بيبرس أمير أخور ودخوله في الطاعة وكان قد هرب من بعض المماليك السلطانيـة مـن منـى لمـا حـج السلطـان ثلاثـة مماليـك يقـال لأحدهـم أيدغـدي والتجـأوا إلـى حميضـة فـي بريـة الحجاز فآواهم وأكرم مثواهم فلما عزم حميضة علـى الحضور إلى الطاعة اتفقوا على قتله واغتياله وكان حميضة قد نزل على القرب من وادي نخلة فلما كان وقت القيلولة ذهب إلى تحـت شجـرة ونـام فقتلـه أيدغـدي المذكـور بالسيـف وقطع رأس حميضة وأحضره إلى مقدم العسكر بمكة فحمل إلى جن يدي السلطان بالديـار وكان حميضة المذكور قد ذبح أخاه أبا الغيث فاقتص الله منه وكان مقتله في يوم الخميس سابع عشر جمادى الأولى من هذه السنة الموافق للرابع والعشرين من تموز بالقرب من وادي نخلة. وفيهـا تصـدق السلطـان علـى ولـدي محمـد وأرسـل لـه تشريفـاً أطلـس أحمـر بطرز زركش وقندس وتحتاني أطلس أصفر وشربوش مزركش ومكلل باللؤلؤ وأمر له بأمرية وستين فارساً لخدمته طبلخاناه فركب محمد بالتشريف المذكور بحماة يوم الاثنين الخامس من رجب الموافق لحادي عشر آب وكان عمره حينئذ نحو تسع سنين. وفيها حج المقر السيفي أرغون الـدوادار وكـان السلطـان قـد عفـى عـن رميثـة وأفـرج عنـه وأرسله صحبة المقر السيفي إلى مكة ورسم لرميثة المذكور بنصف متحصل مكة ويكون النصف الآخر لعطيفة أخيه فسافر المقر السيفي وقرر رميثة بمكة حسبما رسم به السلطان. وفيها في يوم الاثنين تاسع ذي الحجة وصل المجد إسماعيل السلامي رسولاً من جهـة أبـي سعيد ملك التتـر ومـن جهـة جوبـان وعلـى شـاه بهدايـا جليلـة وتحـف ومماليـك وجـواري ممـا يقارب قيمته خمسين تماناً والتمان هو البدرة وهـي عشـرة آلـاف درهـم وسـار بذلـك إلـى السلطان. وفيها في شوال الموافق لتشرين الثاني شرعت في عمارة القبـة وعمـل المربـع والحمـام علـى ساقية نخيلة بظاهر حماة وفرغت العمارة في المحرم من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وجاء ذلك من أنزه الأماكن. وفيهـا أو فـي أواخـر سنـة تسع عشرة وسبعمائة جرى بين الفرنج الجنويين قتال شديد وذلك بين قبيلتين منهم يقال لإحدى القبيلتين إسبينيا وللأخرى دوريا حتى قتل منهـم مـا ينيـف عـن خمسين ألف نفر وكان إحدى القبيلتين أصحاب داخل جنوة والأخرى أصحاب خارج البلد إسبينيـا - بكسـر الهمـزة وسكـون السيـن المهملـة وكسـر الباء الموحدة من تحتها وسكون الياء المثناة من تحتها وكسر النون وفتح ياء مثناة من تحتها. وفي آخرها ألف مقصورة - ودويار - بضم الـدال المهملـة وسكـون الواو وكسر الراء المهملة وفتح الياء المثناة من تحتها وفي آخرها ألف والله أعلم. فيها في مستهل جمادى الأولى توفيت بحماة فاطمة خاتون بنت الملك المنصور صاحب حماة وكانت كثيرة الإحسان. وفيها عدى مهنا بن عيسى الفرات وتوجه إلى أبي سعيـد ملـك التتـر مستنصـراً بـه علـى وفيها حضر رسول تمرتاش بن جوبان المستولي على بلاد الروم بتقدمة إلى الأبواب الشريفة بديار مصر. وفيها ورد مرسوم السلطان على مؤلـف الأصـل يأمـره الحضـور ليسيـر معـه فـي صيـوده قـال أفسرت من حماة علـى البريـد وسبقـت تقدمتـي وحضـرت لـدى المواقـف الشريفـة وهـو نـازل بالقرب من قليوب فبالغ في إدرار الصدقات علي. وفيها رحل السلطان من الأهرام وسار في البرية متصيداً حتى وصل إلى الحمامات وهي غربي الإسكندرية على مقدار يومين ثم عاد إلى القاهرة. وفيها دخل تمرتاش المذكور بعسكره إلى بلاد سيس وأغار وقتل فهرب صاحب سيس إلى قلعة إياس التي في البحر وأقام تمرتاش ينهب ويخرب نحو شهر ثم عاد إلى بلاد الروم. وفيها عاد مؤلف الأصل من الخدمة الشريفة إلى حماة. وفيها توجه نائب الشـام تنكـز إلـى الحجـاز الشريـف وكـان قد توجه من الديار المصرية الأدر السلطانية إلى الحج بتجمل وعظمة لم يعهد مثلها. ذكر وفاة صاحب اليمن وفيها ليلة الثلاثاء في ذي الحجة توفي بمرض ذات الجنب بتعز الملك لمؤيد هزبر الدين داود بن المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول فاتفق أرباب الدولة وأقاموا ولده علي ولقب الملك المجاهد بسيف الإسلام بن داود المذكور وهو إذ ذاك أول ما قد بلغ ثم خرج عليه عمه الملك المنصور أيوب ولقبه زين الدين أخو عاود في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائـة فملـك اليمـن واعتقل ابن أخيه سيف الإسلام وقعد المنصور في مملكة اليمن دون ثلاثة أشهر ثم هجـم جماعة من العسكر وأخرجوا سيف الإسلام وأعادوه إلى ملك اليمن واعتقلوا عمه المنصـور أيوب وبقي أمر مملكة اليمن مضطرباً غير منتظم الأحوال. فيها وصل الأمير فضل بن عيسى صحبة الأدر السلطانية من الحجاز داخلاً عليهم مستشفعاً بهم فرضي عنه السلطان وأقره على إمرة العرب موضع محمد بن أبي بكر أمير آل عيسى. ذكر فتوح إياس فبها وصل بعض العساكر المصرية والشامية والساحلية وسار صحبتهم غالب عسكر حماة إلى حلب المحروسة وانضم إليهم عسكرها وتقدم عليهم نائب حلب الطنبغا. وأتموا السير حتى نازلوا إياس من بلاد سيس وحاصروها وملكوها بالسيـف وعصـت عليهـم القلعـة التـي فـي البحر فأقاموا عليها منجنيقاً عظيماً وركب المسلمون إليها طريقين في البحر إلى أن قاربوا القلعة فهربت الأرمن منها وأخلوها ولاقوا في القلعة ناراً وملك المسلمون القلعة نهار الأحد الحادي والعشريـن مـن ربيـع الآخـر وهدمـوا مـا قدروا على هدمه وعاد كل عسكر إلى بلده. وفيها توجه أتامش الناصري رسولاً إلى أبي سعيد ملك التتر وعاد إلى القاهرة بانتظام الأمر واتفاق الكلمة. وفيها وصل مؤلف الأصل تغمده الله برحمته إلى خدمة السلطـان قـال أوسـرت فـي خدمـة السلطان إلى الأهرام وحضر هناك رسول صاحب برشلونـة وهـو أحـد ملـوك الفرنـج بجهـات الأندلس فقبل السلطان هديتهم وأنعم عليه أضعاف ذلك ثم رحل من الأهـرام وتوجـه إلـى الصعيد الأعلى وأنا معه إلى أن وصلنا دندرة وهي عن قوص مسيرة يوم وعدنا إلى القاهرة. فيها عاد الملك المؤيد إلى حماة من خدمة السلطان بعد أن غمره بالأنعام والعطايا. فيهـا جدبـت الـأرض بالشـام مـن دمشـق إلـى حلـب وانحبـس القطر ولم ينبت شيء من الزراعات إلا القليل النادر واستسقى الناس في هذه البلاد فلم يسقوا وأما السواحل التي من طرابلس إلى اللاذقيـة وجبـل اللكـام فـإن الأمطـار مازالـت تقـع فـي هـذه النواحـي فاستـوت زراعاتهم. وفيها مات قاضي القضاة الشافعي بدمشق المعروف بابن صقر وهو نجم الدين أحمد وولى مكانه جمال الدين المعروف بالزرعي. وفيها عزل السلطان كريم الدين بن عبـد الكريـم عـن منصبه واستعاد منه ما كان عنده من الأموال وأرسله إلى الشوبك فأقام بها وولى مكانه أمين الملك عبد الله. وفيها رسم السلطان لمؤلف الأصل أن لا يرسل قوده نظراً في حاله بسبب محل البلاد فأرسلت عدة يسيرة من الخيل التي كنت حصلتها فتصدق علي بتشريف كامل على عادتي وستين قطعة إسكندري وخمسين ألـف درهـم وألـف مكـوك حنطـة. وفيهمـا حضرت رسل أبي سعيد ملك التتر ورسل نائبه جوبان وتوجهوا إلى الأبواب الشريفة بالقاهرة ثم عادوا إلى بلادهم. وفيها وصلت الملكة بنت أبغا واسمها قطلو وفي خدمتها عدة كثيرة من التتر وتوجهت إلى الحج ورسم السلطان ورتب لها في الطرقات الإقامات الوافرة. فيها تقدم السلطان بإبطال المكوس والضرائب عـن سائر أصناف الغلة بجميع الشام فأبطل وكان ذلك جملة تخرج عن الإحصاء. ذكر المتجددات في بلاد الروم كان ببلاد الروم تمرتاش بن جوبان فاستولى عليها واستكثر من المماليك قطع ما كان يحمل منهـا إلـى الـأردو والخواتيـن وصـار كلمـا جـاءه رسـول لطلـب المـال يهينـه ويعيده بغير زبدة فلما كثر ذلك منه سار إليه أبوه جوبان فعزم تمرتاش على شال أبيه واتفق في عسكره ومماليكه فلمـا قـرب جوبـان منـه فارقـه عسكـره وصـاروا مـع جوبـان فلمـا رأى تمرتاش ذلك حضر مستسلماً إلى أبيه جوبان فتقدم جوبان بإمساكه وأخذه معه معتقلاً إلى الأردو وذلك بعد أن أقام ببلاد الروم شخصاً من التتر موضع تمرتاش. ذكر المتجددات باليمن فـي هـذه السنـة لـم يبـق فـي يـد الملـك المجاهـد علـي بـن داود غير حصن تعز خرج باقي ملك اليمن عنه وصار بيد ابن عمه صاحب الدملوة وتلقب بالملك الظاهر. وفيها نزل الأمير مهنا ابن عيسى بظاهر سلمية من بلاد حمص عند تل أعدا وكان له ما يزيد عن عشر سنين لم ينزل وفيها ورد مرسوم السلطان إلى صاحب حماة بالمسير إلـى خدمتـه فسـار وأخـذ معـه ولـده محمداً وأهله قال أوحضرت بين يـدي السلطـان بقلعـة الجبـل مستهـل الحجـة فبالـغ فـي أنـواع الصدقات علي وعلى من كان معي وعلى ولدي ووصل وأنا هناك رسل أبي سعيد ملك التتر ويقال لكبيرهم طوغان وهو من جهة أبي سعبد والذي من بعده حمزة وهو من جهة جوبان وصحبتهما الطواشي ريحان خزندار أبي سعيد وكان مسلماً ما كان صحبتهـم مـن الهدايا وحضر المذكورون بين. يدي السلطان بقلعة الجبل وكان يوماً مشهوراً لبس فيه جميع الأمراء والمقدمون لمماليك السلطانيـة وغيرهـم الكلوتـات المزركشـات والطـرز الذهـب ولـم يبـق من لم يلبس ذلك غير الملك الناصر وأحضر المذكورون التقدمة وأنا حاضر وهي ثلاثة أكاديش بثلاثة سروج ذهب مصري مرصعة بأنواع الجواهر وثلاث حوائص ذهب مجوهرة وسيف وجميعهـا بطـرز زركـش ذهـب وشاشـاً فيـه قبضـات عـدة زركـش ذهـب وإحـدى عشر بختياً مزينة أحمالها صناديق ملؤها قماش من معمول تلك البلاد وعدتها سبعمائة شقة قد نقش عليها ألقاب السلطان فقبل ذلك منهم وغمر الرسل بأنواع التشاريف والأنعام. وكان عيد الأضحى بعد ذلك بيومين واحتفل السلطان للعيد احتفالاً عظيماً يطول شرحـه وأقـام رسـل التتر ينظرون إلى ذلك ثم أحضرهم وخلع عليهم نائباً وأوصلهم مناطق من الذهب ومبالغـاً تزيـد علـى مائة ألف درهم وأمرهم بالعود إلى بلادهم ثم بعد ذلك عبر السلطان النيل ونزل بالجيزة ثالث عشر الحجة وكان قد طلع النيل وزاد على ثمانية عشر ذراعاً ووصل إلى قريب الذراع التاسع عشر وطال مكثه على البلـاد فأقـام بالجيـزة حتـى جفـت البلـاد لأجـل الصيد ثم رحل وسار إلى الصيد وأنا بين يديه الشريفتين. وفيهـا مـات علي شاه وزير ملك التتر وكان المذكور قد بلغ منزلاً عظيماً من أبي سعيد وغيره وأنشـأ بتبريـز الجامـع الـذي لـم يعهـد مثلـه ومات قبل إتمامه وهو الذي نسج المودة بين الإسلام والتتر رحمه الله تعالى. فيها عاد الملك الناصر إلى القاهرة وأعطى لصاحب حماه الدستور بعد ما غمره بالصدقات ورسم له بألفي مثقال ذهـب وثلاثيـن ألـف درهـم ومائة شقة من أفخر القماش الإسكندري ووصل إلى حماة شاكراً ناشراً. ذكر عمارة القصور بقرية سرياقوس والخانقاه في هذه السنة تكملت القصور والبساتين بسرياقوس وهي قرية في جهة الشمال. عن القاهرة على مرحلة خفيفة وعمر السلطان على طريق الجادة الآخـذة إلـى الشـام بالقـرب مـن العـش خانقاه وأنزل جماعة من الصوفية بها ورتب لهم الرواتب الجليلة وأرسل صاحب حماة هدية تليق الخانقاه المذكورة مثل كتب وبسط وغير ذلك. ذكر إرسال السلطان العسكر إلى اليمن وفيها بلغ السلطان اضطراب حال اليمن وفساد أحوال الرعية فأرسل إليهما جيشاً وقدم على الجيش الأمير ركن الدين بيبرس الذي كان أمير أخور ثم أمير حاجب والأمير سيف الدين طينـال الجاجب حينئذ وكان توجه العسكر المذكور من الديار المصرية في شهر ربيع الأول من هـذه السنة ووصلوا إلى اليمن وخرج إليهم الملك المجاهد ابن الملك المؤيد صاحب اليمن وهو إذ ذاك شاب جاهل ليس له معرفة بما يجب عليه فقصر في حق العسكر ثم إنه لتقصيره في حقهم استوحش منهم ودخل قلعة تعز وعصى بها ولم يكن مع العسكر مرسوم بملك اليمن بل بمساعدة المذكور وتقرير أمر ولايته ووجدوا في طريقهم مشقة عظيمة من العطش والجوع ووصلوا إلى مصر في شوال من هذه السنة فلم يعجب السلطان ما صدر منهم وأنكر عليهم واعتقل المقدم بيبرس المذكور. وفـي هـذه السنـة أحضر علاء الدين الطبنغا بحلب إلى حماة متوجهاً إلى خدمة السلطان وتوجه من حماة ثالث في القعدة من هذه السنة الموافق لثاني عشر تشرين الأول ثم عاد وعبر على حماة وتوجه إلى حلب تاسع وعشرين ذي القعدة المذكورة.
|