الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وفي يوم الاثنين ثامن عشر شوال خرج ركب المحمل إلى البركة صحبة أمير الحج الأمير شيخ المحمودي الظاهري - أعني الملك المؤيد - وأمير الركب الأول الأمير الطواشي بهادر مقدم المماليك السلطانية. وفي اليوم المذكور اجتمع الأمراء بالقلعة في الخدمة السلطانية على عادتهم وطلبوا الأمير سودون أمير آخور فامتنع عن الحضور فبعث الأمراء إليه ثانيًا فامتنع فكرروا الإرسال إليه ثلاث مرات إلى أن حضر فكلموه في النزول من الإسطبل فلم يجبهم إلى ذلك. فتخيلوا منه واتهموه بأنه يريد إثارة فتنة فقبضوا عليه وعلى الأمير علي بن إينال اليوسفي وأخرجوا ما كان له بالإسطبل من خيول وقماش ونحو ذلك وسكن الأتابك أيتمش مكانه بالإسطبل من باب السلسلة وأنزل سودون وعلي بن إينال في الحديد إلى الحراقة وجهزا إلى حبس الإسكندرية. ثم نودي بالقاهرة ومصر بخروج طائفة العجم من الديار المصرية وهدد من تأخر بعد ثلاثة أيام بالقتل. ثم خلع على الأمير يشبك الشعباني الخازندار باستقراره " لا لا " السلطان الملك الناصر فرج ومعه الأمير قطلوبغا الكركي " لا لا " أيضًا. ولما كان يوم حادي عشرين شوال جلس السلطان الملك الناصر فرج بدار العدل - أعني بالإيوان من قلعة الجبل - على عادة الملوك وخلع على الأمير الكبير أيتمش وعلى الوالد الأمير تغري بردي وهو أمير سلاح وعلى أرغون شاه البيدمري أمير مجلس وعلى بيبرس الدوادار وأرسطاي رأس نوبة النوب وفارس حاجب الحجاب وتمربغا المنجكي الحاجب الثاني وأحد مقدمي الألوف وعلى يلبغا المجنون الأستادار وعلى جميع أرباب الدولة. ثم قام السلطان من دار العدل ودخل إلى القصر وجلس القضاة بجامع القلعة حتى يخلع عليهم فعندما تكامل الأمراء وأرباب الدولة بالقصر أغلق الأمراء الخاصكية باب القصر - وكان رأسهم يوم ذاك سودون طاز وسودون من زادة وآقبغا رأس نوبة وجركس القاسمي المصارع - ثم سلوا سيوفهم بمن معهم وهجموا على الأمراء وقبضوا على أرسطاي رأس نوبة النوب وتمراز وتمربغا المنجكي وطغنجي وبلاط السعدي وطولو رأس نوبة وفارس الحاجب. وفر مبارك شاه وطبج فأدركا وقبض عليهما أيضًا. وبلغ ذلك يلبغا المجنون الأستادار وكان خارج القصر فخلع خلعته وسل سيفه ونزل من القلعة إلى داره. ثم أحضر الخاصكية الأمراء المقبوض عليهم إلى عند الأمير الكبير أيتمش وقد بهت وأسكت وقيدوا أرسطاي رأس نوبة النوب وتمراز وتمربغا المنجكي وطغنجي أحد أمراء الطبلخانات وبلاط السعدي وطولو وهما أيضًا من أمراء الطبلخانات وأطلقوا من عداهم. واستدعوا يلبغا المجنون الأستادار فلما حضر قبض عليه أيضًا وقيد وأضيف إلى الأمراء المقبوض عليهم. وأنزل الجميع من يومهم إلى الحراقة وتوجهوا إلى سجن الإسكندرية ما خلا يلبغا المجنون فإنه في يوم السبت ثالث عشرينه عصر يلبغا المجنون ليحضر بالمال ثم أسلموه لسعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الجيش والخاص ليحاسبه فنزل به إلى داره. وسألوا يلبغا السالمي بوظيفة الأستادارية فامتنع فعرضوها على ناصر الدين محمد بن سنقر وابن قطينة فلم يوافقا فخلع على الأمير مبارك شاه باستقراره أستادارًا عوضًا عن يلبغا المجنون. وفيه أنفق على المماليك السلطانية نفقة سلطنة الملك الناصر فرج وتولى الإنفاق عليهم يلبغا السالمي وفرقت بحضرة السلطان والأمراء فأعطي كل مملوك من أرباب الخدم الجوانية والمشتروات ستين دينارًا صرف كل دينار ثلاثون درهمًا. وفي يوم الاثنين خامس عشرينه تأخر سائر أمراء الألوف عن طلوع الخدمة السلطانية خوفًا من الخاصكية فإن الأمور صارت معذوقة بهم. فبعث الخاصكية إلى الأمراء بالحضور فأبوا ذلك فنزل الخاصكية إلى الإسطبل في خدمة الأمير الكبير أيتمش واستدعوا الأمراء من منازلهم فحضروا. وكثر الكلام بينهم حتى آتفقوا جميعًا وتحالفوا على طاعة الأمير الكبير أيتمش والملك الناصر وحلف لهم أيضًا أيتمش ثم حلف سائر المماليك والخاصكية وتولى تحليفهم يلبغا السالمي. وخلع على سودون المارداني باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن أرسطاي المقبوض عليه قبل تاريخه وعلى قطلوبغا الحسني الكركي باستقراره شاد الشراب خاناه عوضًا عن سودون المارداني وأنعم على الأمير قراكسك بإمرة مائة وتقدمة ألف كانت مؤخرة. ثم في يوم الثلاثاء سادس عشرين شوال خلع على الوزير تاج الدين عبد الرزاق ابن أبي الفرج باستقراره في وظيفة الأستادارية مضافًا للوزر عوضًا عن مبارك شاه بحكم أن آستعفى مبارك شاه. وفيه كتب مرسوم سلطانى باستقرار قرا يوسف بن قرا محمد صاحب تبريز في نيابة الرهاء على عادته وباستقرار دمشق خجا في نيابة جعبر. وفيه ورد الخبر بأن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم تحرك للمشي على البلاد الشامية. وفي ثامن عشرين شوال ورد الخبر بأن الأمير تنم الحسني نائب الشام أخذ قلعة دمشق. وكان خبر أخذه لقلعة دمشق أن تنم كان بالمرج من غوطة دمشق فقدم عليه الخبر بموت الملك الظاهر برقوق فركب وقصد دمشق ولم يشعر به الناس في ليلة الأربعاء العشرين من شوال حتى حضر إلى دار السعادة ثلث الليل فلما أصبح استدعى الأمير جمال الدين يوسف الهيدباني نائب قلعة دمشق بحجة أن الملك الظاهر برقوقًا طلبه إلى الديار المصرية فعندما نزل إليه أمسكه وبعث من تسلم قلعة دمشق. فلم يعلم أحد ما قصده تنم المذكور إلى أذان الظهر فوصل فارس دوادار تنم من مصر وأخبر بموت الملك الظاهر وسلطنة ولده الملك الناصر فرج وأخبر أيضًا بأن سودون الطيار قدم بالخلعة إلى الأمير تنم. فخرج الأمير تنم إلى لقائه ولبس الخلعة وباس الأرض خارج مدينة دمشق. ثم عاد إلى دار السعادة وقد اجتمع بها القضاة والأعيان وقرىء عليهم كتاب السلطان الملك الناصر فرج فأجابوا بالسمع والطاعة ونودي بدمشق بالأمان والزينة فزينت البلد ودقت البشائر وسر الناس بذلك. وأخذ الأمير تنم يقول بأن السلطان صغير وكل ما يصدر ليس هو عنه وإنما هو عن الأمراء وأنا وصي السلطان لا يعمل أحد شيئًا إلا بمراجعتي ونحو هذا فاضطرب الناس بدمشق وبلغ ذلك نائب حمص فأخذ قلعتها وأخذ أيضًا نائب حماة قلعة حماة كل ذلك قبل تكملة خمسة عشر يومًا من سلطنة الملك الناصر فرج. ثم في أول ذي القعدة ركب الأمير طغاي تمر مقدم البريدية من مصر على البريد إلى البلاد الشامية ومعه ملطفات لأمراء الورسق والأمراء الأوجقية ومطلق لنواب الممالك والقلاع ومثال لأحمد بن رمضان نائب أذنة ولأمراء التركمان ولنائب حلب ولنائب سيس وصحبته أقبية مطرزة بفرو خمس عشرة قطعة وفوقانيات حرير بطرز زركش أربع وعشرون قطعة وتشاريف عدة كبيرة. وفي
فرجم. وفيه أنعم على الأمير إينال باي بن قجماس بإمرة مائة وتقدمة ألف وهو خبز أرسطاي رأس نوبة النوب وعلى سودون من علي بك المعروف بطاز بتقدمة الأمير سودون أمير آخور المقبوض عليه وعلى آقباي من حسين شاه بتقدمة ألف أيضًا عوضًا عن تمربغا المنجكي وأنعم على الأمير يعقوب شاه الخازندار بإمرة طبلخاناه زيادة على طبلخاناته فصارتتقدمته بثمانين فارسًا - أعني إمرة ثمانين - وأنعم على كل من قرابغا الأسنبغاوي وينتمر المحمدي وآقباي الإينالي بإمرة طبلخاناه وعلى جرباش الشيخي بإقطاع يلبغا المجنون إمرة خمسين فارسًا وعلى آقبغا المحمودي بإمرة طبلخاناه أيضًا وعلى كل من تمر الساقي وجركس القاسمي المصارع وإينال حطب وكمشبغا الجمالي وألطنبغا الخليلي وكزل العجمي البجمقدار وقاني باي العلائي وجكم من عوض وصوماي الحسني بإمرة عشرة. وفي سابعه خلع على سودون المارداني باستقراره رأس نوبة النوب - وكانت عينت له قبل ذلك غير أنه كان متوعكًا - وعلى يعقوب شاه الظاهري باستقراره حاجبًا ثانيًا عوضًا عن تمربغا المنجكي بإمرة ثمانين وعل كل من سودون من زاده وتنكزبغا الحططي وبشباي وجكم من عوض وآقبغا المحمودي الأشقر واستقروا رؤوس نوب صغارًا. وفي تاسعه خلع على قرابغا الأسنبغاوي ومقبل الظاهري واستقروا حجابًا فصارت الحجاب ستة بالديار المصرية ورؤوس نوب نحو العشرة وهذا شيء لم يكن قبل ذلك. ثم حضر الأمير دقماق المحمدي معزولًا عن نيابة ملطية بتقادم كثيرة. وفي ثاني عشرة خلع على الأمير جرباش الشيخي وتمان تمر باستقرارهما رؤوس نوب أيضًا فزادت عدة رؤوس النوب على العشرة. وخلع على كزل المحمدي العجمي البجمقدار باستقراره أستادار الصحبة عوضًا عن قرابغا الأسنبغاوي المنتقل إلى الحجوبية. وخلع على كل من الطواشيين: شاهين الحسني الأشرفي وعبد اللطيف الأشرفي باستقرارهما " لا لا " السلطان. وفي سابع عشرة استدعي الأمير الكبير الشيخ سراج الدين عمر البلقيني والقضاة وأعيان الفقهاء من كل مذهب فحضر الجميع عند الأمير الكبير بالإسطبل وقد حضر الأمراء والخاصكية بسبب الأموال التي خلفها السلطان الملك الظاهر برقوق هل تقسم في ورثته. أو يكون ذلك في بيت مال المسلمين فوقع كلام كثير آخره أن تفرق في ورثته من السدس وما بقي فلبيت المال. وفيه استقر الأمير أرغون شاه البيدمري أمير مجلس في نظر خانقاه شيخون عوضًا عن يلبغا السالمي. وفي حادي عشرين ذي القعدة استقر الأمير سودون الطيار أمير آخورًا كبيرًا عوضًا عن سودون قريب السلطان بعد أن شغرت عدة أيام. وفي ثالث عشرينه خلع على أستادار الوالد شهاب الدين أحمد بن عمر المعروف بابن قطينة باستقراره وزيرًا عوضًا عن تاج الدين بن أبي الفرج. أو خلع أيضًا على يلبغا السالمي الظاهري باستقراره أستادارًا عوضًا عن ابن أبي الفرج المذكور وقبض على تاج الدين بن أبي الفرج وصودر فلم تطل مدة ابن قطينة في الوزر وعزل بفخر الدين ماجد بن غراب في رابع ذي الحجة وعاد إلى أستادارية الوالد على عادته. ثم قدم الخبر في ثامن عشر ذي الحجة بأن ابن عثمان أخذ الأبلستين وملطية وعزم على المسير إلى البلاد الشامية. فعمل الأمراء مشورة في أمره واتفق الحال على المسير إلى قتاله وتفرقوا. فأنكر المماليك السلطانية ذلك وقالوا: هذه حيلة علينا حتى نخرج من القاهرة وعينوا سودون الطيار الأمير آخور لكشف هذا الخبر. وحضر البريد من دمشق بأن علاء الدين بن الطبلاوي ترك لبس الأمراء وتزيا بزي الفقراء وامتنع من الحضور إلى مصر وكان طلب إليها وأن تنم نائب الشام قال: هذا رجل فقير قد قنع بالفقر اتركوه. وفي يوم ثامن عشر المذكور خرج سودون الطيار لكشف الأخبار فدخل دمشق في العشرين منه وهذا شيء من وراء العقل كونه يصل من مصر إلى الشام في يومين. وفي أواخر ذي الحجة قدم الخبر بأن تنم نائب الشام خرج عن الطاعة وقبض على جانبك اليحياوي الظاهري الذي كان ولي نيابة قلعة دمشق ولم تسلم له قلعة دمشق وأنه أرسل إلى نائب الصبيبة فأفرج عن اقبغا اللكاش وألجيبغا الحاجب وخضر الكريمي واستدعاهم إلى ثم في يوم الثلاثاء حادي عشرين المحرم سنة اثنتين وثمانمائة ركب السلطان الملك الناصر من قلعة الجبل ومعه الأمير أيتمش البجاسي والوالد أمير سلاح وسائر الأمراء ونزل إلى تربة أبيه بالصحراء وزاره ثم عاد بعد أن شق القاهرة وطلع إلى القلعة وهذا أول ركوب الملك الناصر. ثم في هذه الأيام تزايد الاختلاف بين أكابر الأمراء وبين الأمراء الخاصكية واشتدت الوحشة بين الطائفتين. واتفق سودون طاز وسودون من زاده وجركس القاسمي المصارع وآقباي من حسين شاه وبشباي وغيرهم وانضموا على الأمير يشبك الشعباني الخازندار وصاروا في عصبة قوية وشوكة شديدة وآستمالوا جماعة كبيرة من خجداشيتهم الظاهرية الذين بالأطباق من القلعة. وتأكدت الفتنة وشرعت كل من الطائفتين تدبر على الأخرى. فأخذ الأمراء - الخاصكية يتخوفون من تنم نائب الشام فأرسلوا بتفويض أمور البلاد الشامية إليه. فلما وصل ذلك إلى تنم على يد مملوكه سونجبغا في ثالث عشر المحرم وقرىء المرسوم الشريف الذي على يده بدار السعادة وفيه أنه يعزل من شاء ويولي من شاء ويطلق من شاء من المسجونين فأرسل أطلق الأمير جلبان الكمشبغاوى الظاهري المعروف بقراسقل المعزول عن نيابة حلب ثم عن أتابكية دمشق من سجن قلعة دمشق في ليلة الجمعة رابع عشرين المحرم. وأطلق أيضًا الأمير أزدمر أخا إينال اليوسفي ومحمد بن إينال اليوسفي من سجن طرابلس وأحضرهما إلى دمشق. ثم بعث إلى نواب البلاد الشامية يدعوهم إلى طاعته وإلى القيام معه فأجابه الأمير آقبغا الجمالي الأطروش نائب حلب والأمير يونس بلطا نائب طرابلس والأمير ألطنبغا العثماني الظاهري نائب صفد وآمتنع من إجابته الأمير دمرداش المحمدي الظاهري نائب حماة. ثم بعث تنم إلى طرابلس بتجهيز شيني في البحر إلى ثغر دمياط ليحمل فيه الأمير نوروز الحافظي وغيره من الأمراء الذين بثغر دمياط. فبادر ناصر الدين محمد بن بهادر المؤمني فتسلم برج الأمير أيتمش بطرابلس وركب البحر إلى دمياط وقدم إلى القاهرة وأعلم القوم بما قصده تنم فكتب على يده عدة ملطفات إلى الأمير قرمش حاجب حجاب طرابلس وإلي عدة من أمراء طرابلس وإلى القضاة والأعيان بأن قرمش يركب على يونس بلطا نائب طرابلس ويقتله ويلي نيابة طرابلس عوضه فاتفق أن يونس المذكور قبض على قرمش الحاجب وقتله قبل وصول ابن بهادر إلى طرابلس. ثم إن تنم استدعى الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي المقدم ذكره في ترجمة الملك الظاهر برقوق لما صودر وحبس بخزانة شمائل ثم نفي وخلع عليه وأقامه متحدثًا في أمور الدولة كما كان في ديار مصر. فأخذ ابن الطبلاوي هذا في الإفحاش في أمر الشاميين وطرح عليهم السكر الواصل من الغور بحيث إنه طرح ذلك على الناس وحتى على الفقهاء ونقباء القضاة فتنكرت القلوب عليه. وقدم الخبر بهذا كله إلى الديار المصرية فتحقق عند ذلك أعيان الدولة عصيان تنم وصرح الأمراء الخاصكية بأن الأمير الكبير أيتمش والوالد وجماعة من أكابر الأمراء بالديار المصرية قد وافقوا تنم على ذلك وكاتبوه بالخروج ولم يكن لذلك صحة. فأخذ الأمراء الخاصكية وكبيرهم يشبك الشعباني الخازندار في التدبير على أيتمش ورفقته وآتفقوا على أمر يكون فيه زوال أيتمش وأصحابه وعلموا السلطان الملك الناصر فرجًا بقول يقوله إلى أيتمش. فلما كان يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثمانمائة وجميع الأمراء بالخدمة السلطانية ابتدأ السلطان الملك الناصر بالكلام مع الأمير الكبير أيتمش وقال له: " يا عم أنا قد أدركت وبلغت الحلم وأريد أن أترشد " فقال له أيتمش: " السمع والطاعة " واتفق مع الأمراء الخاصكية على ترشيد السلطان وصوب ذلك جميع الأمراء إلا الوالد وفارس الحاجب وخالفا الجميع. فأخذ الأتابك أيتمش يحسن ذلك للوالد ولفارس حتى أذعنا على رغمها لترشيد السلطان وأنهم يمتثلون بعد ترشيده سائر ما يرسم به. وطلب في الحال الخليفة والقضاة والسراج البلقيني ومفتي دار العدل فحضروا. وقام سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الجيش والخاص وادعى على الأمير الكبير أيتمش بأن السلطان قد بلغ رشده. وشهد عدة من الأمراء الخاصكية بذلك ولم يكن لذلك صحة فحكم القضاة بعد إقامة البينة برشد السلطان وخلع السلطان على الخليفة وقضاة القضاة وعلى الأمير الكبير أيتمش وانفض الموكب. ونزل الأمير الكبير إلى داره التي كان يسكن بها بالقرب من باب الوزير ومعه جميع الأمراء. فلما سار أيتمش حتى صار تحت الطبلخاناه السلطانية وطلب أن يسلم على الأمراء والتفت برأس فرسه وقد وقف له جميع الأمراء لرد سلامه وقبل أن يسلم عليهم قال له الوالد: " إلى أين يتوجه الأمير الكبير من هنا " قال الأمير أيتمش: " إلى بيتي! أو ما علمت بما وقع عليه الاتفاق من ترشيد السلطان وأنه يستبد بالأمور وأنزل أنا من باب السلسلة إلى داري " فقال الوالد: " نعم وقع ذلك غير أنه بنزولك لا تسكن الفتنة! إطلع إلى باب السلسلة وامكث به اليوم وخذ في نقل قماشك شيئًا بعد شيء إلى آخر الليل حتى نبرم أمرًا نفعله في هذه الليلة فإذا أصبحت فانزل إلى دارك ". فقال أيتمش: " يا والدي! ليس ذلك مصلحة ويقيم من له غرض في إثارة الفتنة الحجة علينا ". فألح عليه الوالد حتى سمع كلامه كل أحد وأيتمش لا يذعن إليه وأبى إلا النزول إلى داره ثم سلم عليهم والتفت برأس فرسه فقال الوالد: " أخربت بيتك وبيوتنا بسوء تدبيرك " وعاد الوالد إلى جهة داره بخط الصليبة عند حمام الفارقاني ومعه سائر الأمراء فكلمهم في الطريق وقال: " هؤلاء الأجلاب لا بد لهم معنا من رأس فإن كان ولابد يكون ذلك في الإسطبل السلطاني معنا " وندب الأمراء إلى أن يتوجهوا إلى أيتمش في ذلك فقالوا: " قد فات الأمر ونزل إلى داره " ثم توجه كل واحد إلى منزله. وفي الحال دقت البشائر لترشيد السلطان وزينت القاهرة وافترق العسكر فرقتين: فرقة مع الأمير الكبير أيتمش البجاسي وهم جميع أكابر الأمراء والمماليك القرانيص وفرقة مع الأمير يشبك الشعباني الخازندار وهم الأمراء الخاصكية ومماليك الأطباق. وقويت شوكة الأمير يشبك بعجز أيتمش وعدم أهليته في القيام بتدبير الأمور من يوم مات الملك الظاهر برقوق. وآستمر ذلك إلى ليلة عاشر شهر ربيع الأولالمذكور وقد ندم الأمير الكبير أيتمش على نزوله من باب السلسلة حيث لا ينفعه الندم ولم يجد بدًا من الركوب واتفق مع الأمراء على الركوب. الواقعة بين الأتابك أيتمش وبين يشبك وغيره ولما كان ليلة الاثنين عاشر شهر ربيع الأول اتفق الأمراء الأكابر مع الأمير الكبير أيتمش ولبسوا الجميع آلة الحرب واجتمعوا على الأتابك أيتمش بداره بخط باب الوزير بعد نزول أيتمش من باب السلسلة بثلاثة أيام. وأخذ بعض رفقته من أكابر الأمراء يلومه على نزوله من الإسطبل السلطاني وعلى عدم ميله لكلام الأمير تغري بردي أعني الوالد في النزول فقال: " هكذا قدر ". وكان سبب ركوب أيتمش بعد نزوله من الإسطبل أنه لما وقع ترشيد السلطان واتفقوا معه على أن ينزل إلى داره ظن أيتمش أن بنزوله تسكن الفتنة وتطمئن الخواطر ويصير هو على عادته رأس مشورة ولا يعمل شىء إلا بعد مشاورته فتمشي الأحوال بذلك على أحسن وجه. ولم يدر أن القصد كان بنزوله من باب السلسلة حتى يضعف أمره وتصير القلعة بأسرها في أيدي الجماعة ويستبدوا بالأمر من غير مشارك ثم يقبضوا على واحد بعد واحد حتى يصفو لهم الوقت. وفطن الوالد لذلك فعرف أيتمش بالمقصود وقال له: " إنه لا بد لهؤلاء الجماعة من إثارة فتنة. فإن كان ولابد فيكون ذلك ونحن ملاك باب السلسلة " وهي شطر القلعة فأبى إلا ما أراد الله تعالى ونزل إلى داره وأقام يومه ثم أصبح وقد تحقق ما قاله الوالد وغيره وعلم أنه متى ظفروا به والأمراء رفقته قبضوا عليهم فلم يجد بدًا من الركوب وركب إلى الوالد في ظهر نهاره وترضاه حتى وافقه. فعند ذلك وافقه الجميع واتفق رأيهم على الركوب في ليلة الاثنين المذكورة فركبوا بعد صلاة العشاء الأخيرة وهم جماعة كثيرة من أمراء الألوف والطبلخانات والعشرات والمماليك السلطانية القرانيص. فالذي كان معه من مقدمي الألوف: بيدمري أمير مجلس وفارس حاجب الحجاب ويعقوب شاه الحاجب الثاني من أمراء الطبلخانات: ألطنبغا شادي وشادي خجا العثماني وتغري بردي الجلباني وبكتمر الناصري المعروف بجلق وتنكزبغا الحططي وآقبا محمودي الأشقر وعيسى فلان والي القاهرة ومن العشرينات: أسندمر الإسعردي ومنكلي العثماني ويلبغا من خجا الظريف ومن العشرات: خضر بن عمر بن بكتمر الساقي وخليل بن قرطاي شاد العمائر وعلي بن بلاط الفخري بيرم العلائي وأسنبغا المحمودي ومحمد بن يونس النوروزي وألجيبغا سلطاني وتمان تمر الإشقتمري وتغري بردي البيدمري وأرغون السيفي يلبغا المحمودي وباي خجا الحسني وأحمد بن أرغون شاه الأشرفي ومقبل حاجب ومحمد بن علي بن كلبك نقيب الجيش وخير بك من حسن شاه جلبان العثماني وكزل العلائي ويدي شاه العثماني وكمشبغا الجمالي وألطنبغا الخليلي وألطنبغا الحسني ونحو الألف مملوك من أعيان المماليك سلطانية. وخرج أيتمش إلى داره ملبسًا هو ومماليكه وكانوا نحو الألف مملوك وصحبته الأمراء المذكورون وعبأ عساكره وأوقف طلبه ومماليكه بمن انضاف يهم من أمراء الطبلخانات والعشرات والمماليك السلطانية بالصوة تجاه باب المدرج أحد أبواب قلعة الجبل وأصعد جماعة أخر من حواشيه إلى سطح مدرسة الأشرفية التي مكانها الآن بيمارستان الملك المؤيد شيخ ليرموا على من بالطبلخاناة السلطانية ويحموا ظهور مماليكه ولم يخرج هو من بيته. وكان هو الذي رتب العساكر ووقف الأمير فارس حاجب الحجاب ومعه جماعة كثيرة أمراء الطبلخانات والعشرات في رأس الشارع الملاصق لمدرسة السلطان حسن المتوصل منه إلى سوق القبو ليقاتل من يخرج من باب السلسلة من سلطانية. ووقف الوالد ومعه الأمير أرغون شاه أمير مجلس برأس سويقة منعم من خط الصليبة تجاه القصر السلطاني. وتفرقت الأمراء والمماليك ثلاث فرق فرقة إلى جهة من الأمراء المذكورين مع من انضاف إليهم من المماليك البطالة والزعر وغيرهم. وأخذ كل واحد من هؤلاء الأمراء يعبىء طلبه وعساكره على حسب ما اختار كل ذلك في الليل. وأما أهل القلعة فإن الأمير يشبك الشعباني الخازندار لما سمع بذلك ركب إلى القلعة هو وبيبرس الدوادر وطلعا إلى السلطان وقد اجتمع غالب الأمراء والخاصكية من الظاهرية عند السلطان. وطلب يشبك في الحال مماليك الأطباق وأمرهم بلبس السلاح ولبس هو وجميع الأمراء وحرضهم على قتال أيتمش ورفقته وخوفهم عاقبة الأمر وقال لهم: " هؤلاء وإن كانوا خشداشيتنا فقد صاروا الآن أجانب وتركوا خبز الملك الظاهر برقوق وخرجوا على ولده وأرادوا يسلطنون أيتمش ونحن نقاتل مع ابن أستاذنا حتى نموت " فأجابه جميع المماليك الجلبان وظنوا أن مقالته حقيقية. وفي الحال دقت الكوسات الحربية بالقلعة ولبس سائر الأمراء الذين بالقلعة وهم: بيبرس الدوادار ابن أخت الملك الظاهر برقوق ويشبك الشعباني الخازندار المقدم ذكره وسودون الماردانى رأس نوبة النوب وسودون من علي بك طاز وإينال باي بن قجماس ويلبغا الناصري وبكتمر الركني ودقماق المحمدي المعزول عن نيابة ملطية وشيخ المحمودي أعني المؤيد وآقبغا الطرنطائي والجميع مقدمو ألوف وجماعة أخر من الطبلخانات والعشرات. وأما المماليك السلطانية فمعظمهم. ونزل السلطان الملك الناصر فرج من القصر إلى الإسطبل السلطاني ووقع القتال بين الطائفتين من وقت عشاء الآخرة إلى باكر النهار ومعظم قتال أهل القلعة مع الذين كانوا برأس سويقة منعم وتصالحوا غير مرة. وبينما القتال يشتد أمر الأتابك أيتمش البجاسي فنودي: " من قبض مملوكًا جركسيًا وأحضره إلى الأمير الكبير أيتمش فله كيت وكيت ". فلما سمعت الجراكسة الذين كانوا من حزب أيتمش ذلك حنقوا منه وتوجه أكثرهم إلى السلطان. على أن أيتمش كان من أعظم الجراكسة غير أن زوال النعم شيء آخر فعند ذلك كثر جمع السلطانية وقوي أمرهم وحملوا على الوالد ومن معه وهو برأس سويقة منعم فكسروه فمر بمن معه من الأمراء ومماليكه حتى اجتاز بداره وهي دار طاز بالشارع الأعظم تجاه حمام الفارقاني والقوم في أثره فحمى ظهره مماليكه الجلبان الذين بالأطباق بالرمي على السلطانية حتى تركوه وعادوا ومر الوالد حتى لحق بالأمير أيتمش بالصوة. وأما السلطانية فإنهم لما كسروا الوالد وكان الأهم عادوا لقتال فارس الحاجب وكان فارس من الفرسان المعدودة الأقشية فثبت لهم فارس المذكور ثباتًا عظيمًا لولا ما كادوه من أخذ مدرسة السلطان حسن والرمي عليه من أعلاها إلى أن هزموه أيضًا وانحاز بطائفته إلى أيتمش بالصوة فكرر أيتمش المناداة على المماليك الجراكسة - خذلان من الله - فذهب من كان بقي عنده منهم وعند ذلك صدمته السلطانية صدمة هائلة كسروه فيها وانهزم من بقي معه من الأمراء المذكورين والمماليك وقت الظهر من يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثمانمائة ومروا قاصدين إلى جهة الشام حتى نزلوا بسرياقوس فأخذوا من الخيول السلطانية التي كانت بها من جيادها نحو المائة فرس ثم ساروا إلى نحو البلاد الشامية. وندب السلطان خلف أيتمش ورفقته من المنهزمين جماعة من أمراء الألوف وغيرهم فالذي كان منهم من أمراء الألوف: بكتمر الركني المعروف ببكتمر باطيا ويلبغا الناصري وآقبغا الطرنطائي ومن أمراء الطبلخانات: أسنبغا الدوادار وبشباي من باكي وصوماي الحسني في جماعة كثيرة من أمراء العشرات والمماليك السلطانية وهم نحو خمسمائة مملوك فلم يقفوا لهم على خبر وعادوا من قريب. وامتدت الأيدي إلى بيوت الأمراء المنهزمين بالنهب فنهبوا جميع ما كان فيها حتى نهبت الزعر مدرسة أيتمش وأخفوا جميع ما كان فيها حتى حفروا قبر ولده الذي كان بها وأحرقوا الربع المجاور لها من خارج باب الوزير ونهبوا جامع آق سنقر المجاور لدار أيتمش واستهانوا حرمة المصاحف بها ثم نهبوا مدرسة السلطان حسن وانتهبوا بيوتًا كثيرة من بيوت المنهزمين فكان الذي أخذ من بيت الوالد فقط من الخيل والقماش والسلاح وغير ذلك ما تزيد قيمته على عشرين ألف دينار. ثم كسرت الزعر حبس الديلم وحبس الرحبة وأخرجوا من كان بهما من أرباب الجرائم وصارت القاهرة في ذلك اليوم غوغاء من غلب على شيء صار له وقتل في هذه الواقعة من الطائفتين جماعة كبيرة من المماليك وغيرهم فكان الذي قتل من الأمراء: قجماس المحمدي شاد السلاح خاناه وقرابغا الأسنبغاوي وينتمر المحمدي واختفى بالقاهرة ممن كان مع الأتابك أيتمش: مقبل الرومي الطويل أمير جاندار وكمشبغا الخضري وجماعة أخر يأتي ذكرهم وتوجه بقية أصحابه الجميع صحبته إلى دمشق وقصد أيتمش الأمير تنم الحسني نائب الشام. وأما تنم نائب الشام فإنه لما عظم أمره بدمشق وتم له ما قصده وجه الأمير آقبغا الطولوتمري اللكاش في عدة من الأمراء والعساكر إلى غزة فساروا من دمشق في أول شهر ربيع الأول المذكور. ثم ندب جماعة أخر من كبار الأمراء إلى البلاد الحلبية وخرجوا من دمشق في ثالث شهر ربيع الأول وعليهم الأمير جلبان الكمشبغاوي الظاهري المعروف بقراسقل المعزول عن نيابة حلب قديمًا ومعه الأمير أحمد بن الشيخ على نائب صفد كان والأمير بي خجاه المعروف بطيفور نائب غزة كان وهو يومئذ حاجب دمشق والأمير يلبغا الإشقتمري والأمير صرق الظاهرى وساروا إلى حلب لتمهيد أمورها. ثم قبض الأمير تنم على الأمير بتخاص وعيسى التركماني وحبسهما بالبرج من قلعة دمشق ثم خرج تنم فيمن بقي معه من عساكره في سادسه يريد حلب وجعل الأمير أزدمر أخا إينال اليوسفي نائب الغيبة بدمشق وسار حتى قدم حمص وآستولى عليها وولى عليها من يثق به من أصحابه ثم توجه إلى حماة فوافاه الأمير يونس بلطا نائب طرابلس ومعه عساكر طرابلس ونزلوا على مدينة حماة فامتنع نائبها الأمير دمرداش المحمدي بها وقاتل تنم قتالًا شديدًا وقتل من أصحاب تنم نحو الأربعة أنفس ولم يقدر عليه تنم. وبينما تنم في ذلك ورد عليه الخبر بقيام أهل طرابلس على من بها من أصحابه. وخبر ذلك أنه لما قرب محمد بن بهادر المؤمني من طرابلس بعث ما كان معه من الملطفات من الديار المصرية لأهل طرابلس فوصلت إليهم قبل قدومه ثم وصل هو بمن معهفي البحر فظنه نائب غيبة يونس بلطا من الفرنج فخرج إليه في نحو ثلاثمائة فارس من أجناد طرابلس فتبين له أنه من المسلمين فطلبه نائب الغيبة بمن معه فلم يأته وقاتلهم على ساحل البحر فانهزم إلى برج أيتمش وكان تحت حكم ابن المؤمني المذكور. وأصبح الذين أتتهم الملطفات من مصر ونادوا في العامة بجهاد نائب الغيبة وخطب خطيب البلد بذلك فشرعت العامة في قتال نائب الغيبة حتى هزموه ونهبوا ما كان معه. وتوجه إلى حماة فأرسل تنم الأمير الأمير صرق على عسسكر كبير لقتال أهل طرابلس فتوجه صرق إليهم وقاتلهم قتالًا شديدًا مدة تسعة أيام. وبينما تنم في ذلك ورد عليه الخبر بواقعة الأمير أيتمش مع المصريين وأنه نزل بمن معه في دار النيابة بغزة وأنه سار بمن معه يريد دمشق فسر تنم بذلك وأذن لنائب غيبته بدمشق وهو الأمير أزدمر بدخول أيتمش ومن معه إلى دمشق وبالقيام في خدمتهم حتى يحضر إليهم. ثم لما بلغه عجز صرق عن أهل طرابلس جهز إليها نائبها الأمير يونس بلطا في طائفة كبيرة من العساكر فسار إليها يونس ودخلها بعد أن هزم ابن المؤمني وركب البحر ومعه القاضي شرف الدين مسعود قاضي القضاة الشافعية بطرابلس يريدان القاهرة بمن معهما ونهب يونس أموال الناس كافة بطرابلس وفعل في طرابلس وأهلها ما لا تفعله الكفرة وقتل نحو العشرين رجلًا من أعيان طرابلس وقضاتها وعلمائها منهم: الشيخ العالم المفتي جمال الدين بن النابلسي الشافعي والخطيب شرف الدين محمود والقاضي المحدث شهاب الدين أحمد الأذرعي المالكي وقاضي القضاة شهاب الدين الحنفي والقاضي موفق الدين الحنبلي وقتل من عامة طرابلس ما يقارب الألف وصادر الناس مصادرات كثيرة وأخذ أموالهم وسبى حريمهم فكانت هذه الكائنة من أقبح الحوادث وكالت في الخامس عشر من شهر ربيع الأول المذكور. وأما أمر الديار المصرية فإنه لما كان بعد الواقعة من الغد خلع السلطان علي الأمير قرابغا مغرق الظاهري باستقراره في ولاية القاهرة عوضًا عن عيسى فلان بحكم عصيانه مع أيتمش فمات من الغد من جرح كان أصابه في الواقعة واستقر في ولاية القاهرة عوضه بلبان أحد المماليك الظاهرية فنزل بلبان المذكور بالخلعة إلى القاهرة فمر من باب زويلة يريد باب الفتوح وعبر راكبًا من باب الجامع الحاكمي وهو ينادي بالأمان وإذا بالأمير شهاب الدين أحمد بن عمر بن الزين قد جاء من جهة باب النصر وهو أيضًا ينادي بين يديه بآستقراره في ولاية القاهرة فتحيرت المقدمون والجبلية بينهما وبينما هم في ذلك وقد التقى بمبان مع ابن الزين فقال بلبان: أنا ولاني فلان وقال ابن الزين: أنا ولاني فلان وإذا بالطواشي شاهين الحسني قدم ومعه خلعة ابن الزين بولايته القاهرة فبطل أمر بلبان. وتصرف ابن الزين في أمور الولاية ونادى بالكف عن النهب وهمد من ظفر به من النهابة. ثم في سادس عشره عرض السلطان المماليك السلطانية ففقد منهم مائة وثلاثون نفرًا قد انهزموا مع الأتابك أيتمش.
|