الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وهي سنة إحدى وثلاثين من الهجرة: فيها توفي أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي أسلم أبو سفيان يوم الفتح وشهد حنينًا وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل وأربعين أوقية وقد فقئت عينه يوم الطائف ثم شهد غزوة اليرموك. وفيها توفي أبو الدرداء واسمه عويمر بن يزيد وقيل ابن عبد الله بن قيس بن ثعلبة بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج الأنصاري الصحابي المشهور - رضي الله عنه. وفيها توفي نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي. كنيته أبو سلمة. له صحبة ورواية - رضي الله عنه. وفيها توفي كسرى ملك فارس وهو يزدجرد بن شهريار وسبب هلاكه أنه هرب من كرمان إلى مرو فلم يتم له ذلك فخرج أيضًا هاربًا إلى أن نزل برجل ينقر الأرحاء فأوى إليه فقتله الرجل وأخذ ما عليه من الجواهر. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا. السنة الثامنة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة اثنتين وثلاثين: فيها سار عبد الله بن عامر من البصرة إلى المشرق فافتتح بها بلادًا كثيرة: الطالقان وجرجان وبلخ وطخارستان وكان على مقدمته الأحنف بن قيس وقيل بل جهز عبد الله بن عامر الأحنف وأقام هو بالبصرة يمده بالمال والرجال. وفيها غزا عبد الرحمن بن ربيعة بلنجر. وكان صاحبها نازلًا قريبًا من باب الأبواب وبعث يطلب من سعيد بن العاص المدد فأمده بحبيب بن مسلمة الفهري فأبطأ حبيب على عبد الرحمن فسار عبد الرحمن نحو بلنجر المذكورة وحصرها. وفيها توفي أبو ذر الغفاري واسمه جندب بن جنادة بن كعيب بن صعير بن الوقعة بن حرام بن سفيان بن عبيد بن حرام وكان من أحد السابقين الأولين وكان خامسًا في الإسلام - رضي الله عنه. وفيها توفي العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل عم النبي صلى الله عليه وسلم وولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو بثلاث. أسلم بعد وقعة بدر - رضي الله عنه. وقد استسقى به عمر بن الخطاب في أيام خلافته في بعض السنين. وفيها توفي عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فأربن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر أبو عبد الرحمن الهذلي حليف بني زهرة أسلم قبل عمر وكان سبب إسلامه مرور النبي صلى الله عليه وسلم به وقصته مشهورة وهو أحد كبار الصحابة - رضي الله عنه وهو من السابقين الأولين وشهد بدرًا والمشاهد كلها. وفيها توفي عبد الرحمن بن عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة أبو محمد القرشي الزهري أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الثمانية الذين سبقوا للإسلام وأحد الستة أصحاب الشورى بعد موت عمر لأجل الخلافة. وفيها توفي أبو الدرداء عويمر وقد تقدم ذكره والصحيح أنه توفي في هذه السنة. وفيها توفي الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس عم عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأبو مروان بن الحكم نفاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدام به إلى أن أستقدمه عثمان في خلافته وسمي الحكم هذا طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه. وفيها توفي سلمان الفارسي وكنيته أبو عبد الله ويقال له سلمان الخير أصله من اصطخر وقيل من أهل أصبهان من قرية يقال لها جوي وهو من الطبقة الثانية من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين كان من المهاجرين شهد بدرًا وأحد ًا. وفيها توفي سنان بن أبي سنان بن محصن الأسدي: من الطبقة الأولى من الصحابة كان من المهاجرين شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم كنيته أبو حذافة كان ممن هاجر الهجرتين وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها. وهو رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى. وفيها توفي كعب الأحبار بن ماتع الحميري من مسلمي أهل الكتاب كنيته أبو إسحاق. أسلم على يد أبي بكر الصديق وقيل على يد عمر - رضي الله عنهما وهو من الطبقة الأولى من التابعين. وفيها توفي أبو مسلم الجبلي بالجيم وهو من جبل صيدا بساحل دمشق أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم على يد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه وقيل بعد ذلك وهو من الطبقة الأولى من التابعين. وفيها توفي معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي الأزدي حليف بني عبد شمس بن عبد مناف أسلم بمكة قديمًا وهاجر إلى الحبشة وشهد خيبر - رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وتسعة أصابع. السنة التاسعة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة ثلاث وثلاثين: فيها نفى عثمان - رضي الله عنه - جماعة من أهل الكوفة إلى الشام كانوا يعيبون عليه ويطعنون فيه ويسبون سعيد بن العاص والي الكوفة فكتب سعيد إلى عثمان بذلك فكتب إليه عثمان يسيرهم إلى الشام فسيرهم وفيهم عروة بن الجعد البارقي ومالك بن الحارث الأشتر النخعي وجندب بن زهير وعمرو بن الحمق وابن أبي زياد وغيرهم. وفيها غزا معاوية بن أبي سفيان بلاد الروم ووصل إلى حصن المرأة من أعمال ملطية وافتتحه. وفيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح إفريقية وكانوا نقضوا كما تقدم في ترجمته. وفيها بعث عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس إلى خراسان وكانوا أيضًا قد نقضوا العهد فقاتلهم وظفر بهم ولحقه عبد الله بن عامر فهدم مدينتها. وفيها توفي المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة الكندي وكنيته أبو معبد ويقال له ابن الأسود لأنه كان حالف الأسود بن عبد يغوث في الجاهلية فتبناه وإنما قيل له الكندي لأن أباه كان حالف كندة وهو في الصحابة من الطبقة الأولى كان من المهاجرين الأولين شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها وكان يقال له فارس الإسلام - رضي الله عنه. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا. السنة العاشرة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة أربع وثلاثين: فيها غزا أمير مصر صاحب الترجمة غزوة ذات الصواري وانتصر على الروم حسبما تقدم ذكره وفيها سارت ركائب المنحرفين عن عثمان وكان جمهورهم من أهل الكوفة. وفيها توفي إياس بن أبي البكير الكناني حليف بني عدي كان من المهاجرين شهد بدرًا هو وإخوته: خالد وعاقل وعامر ولم يشهد بدرًا إخوة أربعة سواهم وقد شهد إياس هذا فتح وفيها توفي عبادة بن الصامت في قول. وقد تقدم ذكره وهو أحد النقباء ليلة العقبة ومن كبار الصحابة. وفيها توفي مسطح بن أثاثة بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي المذكور في حديث الإفك. شهد بدرًا والمشاهد بعدها وكان فقيرًا ينفق عليه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه. وفيها توفي أبو عبس بن جبر بن عمرو الأنصاري الأوسي واسمه على الأصح عبد الرحمن وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من الذين قتلوا كعب بن الأشرف اليهودي وشهد بدرًا وغيرها. وفيها توفي أبو طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل بن الأسود أحد بني مالك بن النجار كان من النقباء ليلة العقبة. شهد بدرًا والمشاهد بعدها. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وتسعة أصابع مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وستة أصابع. السنة الحادية عشرة من ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر فيها عزل عبد الله بن أبي سرح عن مصر في قول. وفيها كانت غزوة ذي خشب وأمير المسلمين فيها معاوية بن أبي سفيان. وفيها كان خروج أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر متوجهًا إلى عثمان واستخلف على مصر عقبة بن عامر الجهني وقيل السائب بن هشام العامري وجعل على خراجها سليم بن عتر التجيبي وكان ذلك في رجب من سنة خمس وثلاثين وسار إلى عثمان فاستمر أمر مصر مستقيمًا إلى شوال من السنة. وفيها خرج محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة على عقبة بن عامر خليفة عبد الله بن أبي سرح على مصر وملك مصر على ما سيأتي ذكره. وفيها كانت مقتلة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في ذي الحجة منها وقصته مشهورة وقد استوعب ذلك جماعة من المؤرخين في عدة كراريس لا سبيل إلى تلخيصها في هذا المحل غير أننا نذكر نسبته ومدة خلافته لا غير فنقول: هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أمير المؤمنين أبو عمرو وقيل أبو عبد الله القرشي الأموي وأمه أروى. هو أحد السابقين الأولين وذو النورين وصاحب الهجرتين وزوج الابنتين مولده قبل عام الفيل بستة أعوام وقيل بعده بستة أعوام. وخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر لمرض زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم فتوفيت بعد بدر بليال. وضرب له قال الذهبي: روى عطية عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه يدعو لعثمان وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز جيش العسرة فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها بيده ويقول: " ما ضر عثمان بعد اليوم ما عمل " رواه أحمد في مسنده. وفضائله كثيرة يضيق هذا المحل عن ذكر شيء منها. قلت: بويع عثمان بالخلافة لما مات عمر في ذي الحجة سنة أربع وعشرين من الهجرة فدام في الخلافة حتى قتل في هذه السنة - رضي الله عنه. وتولى الخلافة من بعده علي بن أبي طالب - رضي الله عنه. وفيها توفى كعب الأحبار وكان أسلم في خلافة أبي بكر الصديق وكان من أوعية العلم. وفيها توفي عبادة بن الصامت الأنصاري الصحابي المشهور أحد النقباء مات بالرملة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا واصبعان. استيلاء محمد بن أبي حذيفة هو محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وثب على مصر وملكها من غير ولاية من خليفة فلذلك لم يعده المؤرخون من أمراء مصر وكان من خبره أنه جمع جمعًا وركب بهم على عقبة بن عامر الجهني خليفة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقاتله وهزمه وأخرجه من الفسطاط ثم دعا الناس لخلع عثمان من الخلافة وصار يعدد أفعاله بكل شيء يقدر عليه فاعتزله شيعة عثمان وقاتلوه وهم: معاوية بن حديج وخارجة بن حذافة السهمي وبسر بن أبي أرطاة ومسلمة بن مخلد الأنصاري وعمرو بن قحزم الخولاني ومقسم بن بجرة وحمزة بن سرح بن كلال وأبو الكنود سعد بن مالك الأزدي وخالد بن ثابت الفهمي في جمع كثير من الناس وبعثوا إلى عثمان بذلك وبينا أن يأتي الخبر من عثمان قويت شوكة محمد هذا ثم حضر من عند عثمان سعد بن أبي وقاص ليصلح أمرهم ويتألف الناس فخرج إليه جماعة من أعوان محمد بن أبي حذيفة المذكور وكلموه وخاشنوه ثم قلبوا عليه فسطاطه وشجوه ونهبوه فركب من وقته وعاد راجعًا ودعا عليهم لما فعلوه به ثم عاد إلى مصر عبد الله بن أبي سرح راجعًا فمنعه أن يدخل إلى مصر وقاتلوه فكر راجعًا إلى عسقلان ثم قتل في هذه الأيام بفلسطين وقيل بالرملة حسبما ذكرناه في آخر ترجمته في هذا الكتاب. ثم أراد محمد بن أبي حذيفة أن يبعث جيشا إلى عثمان فجهز إليه ستمائة رجل عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوي. وبينما هم في ذلك إذ قدم عليهم الخبر بقتل عثمان - رضي الله عنه - في ذي الحجة من السنة. فلما وصل الخبر بذلك ثار شيعة عثمان بمصر وعقدوا لمعاوية بن حديج وبايعوه على الطلب بدم عثمان وساروا إلى الصعيد. فبعث إليهم محمد بن أبي حذيفة جماعة كثيرة فتقاتلا فهزمت جيش محمد وافترقا. وتوجه معاوية بأصحابه إلى جهة برقة فأقام بها مدة ثم عاد إلى الإسكندرية فبعث إليه محمد بن أبي حذيفة بجيش آخر فاقتتلوا بخربتا أول شهر رمضان من سنة ست وثلاثين فانهزم جيش محمد أيضًا. وأقامت شيعة عثمان بخربتا إلى أن قدم معاوية بن أبي سفيان من الشأم إلى مصر. فخرج إليه محمد بن أبي حذيفة بأصحابه ومنعوه من الدخول إلى الفسطاط ثم اتفقا على أن يجعلا رهنًا ويتركا الحرب. فاستخلف محمد ابن أبي حذيفة على مصر الحكم بن الصلت وخرج في الرهن هو وابن عديس وكنانة بن بشر وأبو شمر بن أبرهة الصباح وعدة من قتلة عثمان. فلما وصلوا إلى معاوية قبض عليهم وحبسهم وسار إلى دمشق فهربوا من السجن إلا أبا شمر بن أبرهة فقال: لا أدخله أسيرًا وأخرج منه آبقًا فتتبعهم أمير فلسطين حتى ظفر بهم وقتلهم في في ذي الحجة سنة ست وثلاثين فلما بلغ الخبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بمصاب محمد بن حذيفة ولى على مصر قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري - رضي الله عنه. ولاية قيس بن سعد بن عبادة على مصر هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني. قال الذهبي: كان من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة وله عدة أحاديث روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وعروة بن الزبير والشعبي وميمون ابن أبي شبيب وغريب بن حميد الهمداني وجماعة وكان ضخمًا جسيمًا طويلًا جدًا سيدًا مطاعًا كثير المال جوادًا كريمًا يعد من دهاة العرب. قال عمرو بن دينار: كان ضخمًا جسيمًا صغير الرأس ليست له لحية وإذا ركب الحمار خطت رجلاه الأرض روى عنه أنه قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المكر والخديعة في النار " لكنت من أمكر هذه الأمة. وقال الزهري: أخبرنا ثعلبة بن أبي مالك أن قيس بن سعد كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال جويرية بن أسماء: كان قيس يستدين ويطعمهم فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه فمشيا في الناس فصلى النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقام سعد بن عبادة خلفه فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب يبخلان علي ابني. وقال موسى بن عقبة: وقفت على قيس عجوز فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان فقال: ما أحسن هذه الكناية! املؤوا بيتها خبزًا ولحمًا وسمنًا وتمرًا. وقال أبو تميلة يحيى بن واضح: أخبرنا أبو عثمان من ولد الحارث بن الصمة قال: بعث قيصر إلى معاوية: ابعث إلي سراويل أطول رجل من العرب فقال لقيس بن سعد: ما أظن إلا قد احتجنا إلى سراويلك. فقام وتنحى وجاء بها فألقاها فقال: ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها! فقال: الطويل أردت بها أن يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود وألا يقولوا غاب قيس وهذه سراويل عادي نمته ثمود وإني من الحي اليماني لسيد وما الناس إلا سيد ومسود فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم شديد وخلقي في الرجال مديد فأمر معاوية أطول رجل في الجيش فوضعها على أنفه قال: فوقفت بالأرض. ولما ولاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على مصر لما ولي الخلافة بعد قتل عثمان وبعثه إلى مصر فوصل إليها في مستهل شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين فدخلها قيس ومهد أمورها واستمال الخارجية بخربتا من شيعة عثمان ورد عليهم أرزاقهم وقدموا عليه بمصر فأكرمهم وأنعم عليهم وكان عنده رأي ومعرفة ودهاء فعظم على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ولايته لمصر فإنه كان من حزب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه واجتهدا كثيرًا ليخرجاه منها فلم يقدرا على ذلك حتى عمل معاوية على قيس من قبل علي بن أبي طالب وأشاع أن قيسًا من شيعته ومن حزبه وأنه يبعث إليه بالكتب والنصيحة سرًا ولا زال يظهر ذلك حتى بلغ عليًا وساعده في ذلك محمد بن أبي بكر الصديق لحبه مصر أو لإمرتها وعبد الله بن جعفر فما زالا بعلي حتى كتب لقيس بن سعد يأمره بالقدوم عليه وعزله عن مصر فكانت ولايته على مصر من يوم دخلها إلى أن صرف عنها أربعة أشهر وخمسة أيام وكان عزله في خامس رجب من سنة سبع وثلاثين وولي عليها الأشتر النخعي. وروينا عن أبي المظفر شمس الدين يوسف بن قز أوغلي كما أخبرنا أبو الحسن علي بن صدقة الشافعي أخبرنا القاضي الإمام تاج الدين أحمد الفرغاني الحنفي أخبرنا حيدرة بن المحيا العباسي حدثنا صالح بن الصباغ أخبرنا أبو المؤيد محمود قال: حدثنا الحافظ شمس الدين يوسف بن قز أوغلي إجازة بكتابه مرآة الزمان قال: خرج قيس بن سعد بن عبادة من عند علي حتى دخل مصر في سبعة نفر وصعد المنبر وقعد عليه وقرأ كتاب علي على الناس وفيه: من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين والمؤمنين. سلام عليكم أما بعد فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم وذكر الأنبياء وأن الله توفى رسوله وأستخلف بعده خليفتين صالحين عملا بالكتاب والسنة وأحسنا السيرة ثم توفوهما الله تعالى على ما كانا عليه ثم ولي بعدهما والٍ أحدث أحداثًا فوجدت عليه الأمة مقالًا فقالوا ثم نقموا عليه وغيروه ة ثم جاوني وبايعوني ولله علي العمل بكتابه وسنة رسوله والنصح للرعية ما بقيت والله المستعان وبعثت إليكم بقيس بن سعد بن عبادة أميرًا فوازرون وعاشروه وأعينوه على الحق وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم وهو ممن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصيحته وأسأل الله لنا ولكم عملًا صالحًا وثوابًا جزيلًا ورحمةً واسعة والسلام عليكم. وكتبه عبد الله بن أبي طالب في رابع صفر سنة ست وثلاثين. ثم قال قيس: " أيها الناس قد جاء الحق وزهق الباطل " أيها الناس إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبينا صلى الله عليه وسلم فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن نحن لم نعمل بذلك فلا بيعة لنا عليكم. فقام الناس وبايعوا واستقامت له مصر وبعث عليها عماله إلا قرية من قرى مصر يقال لها خربتا فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان وبها رجل من كنانة من بني مدلج يقال له: يزيد بن الحارث بن مدلج فأرسلوه إلى قيس بن سعد: إنا لا نقاتلك فابعث عمالك فالأرض أرضك ولكن أقرنا على حالنا حتى ننظر ما يصير إليه أمر الناس. ووثب مسلمة بن مخلد الأنصاري فنعى عثمان ودعا إلى الطلب بدمه فأرسل إليه قيس بن سعد: ويحك! علي تثب! فوا لله ما أحب أن لي ملك مصر إلى الشأم وأني قتلتك فبعث إليه مسلمة يقول: إني كاف عنك ما دمت والي مصر وكان قيس بن سعد له رأي وحزم فبعث إلى الذين بخربتا: إني لا أكرهكم على البيعة وأكف عنكم فهادنهم وهادن مسلمة بن مخلد. وأقام قيس يجبي الخراج ولا ينازعه أحد من الناس. وخرج أمير المؤمنين إلى وقعة الجمل ورجع إلى الكوفة وقيس مكانه فكان قيس أثقل خلق الله على معاوية بن أبي سفيان لقربه من الشأم مخافة أن يقفل عليه علي بن أبي طالب من العراق ويقبل إليه قيس بأهل مصر فيقع معاوية بينهما قأخذ يخدعه. فكتب معاوية إلى قيس: من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد بن عبادة: سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان في أمور رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو شتمة شتمها أو في سيرٍ سيره أو في استعماله الفيء فقد علمتم أن دمه لم يكن حلالًا لكم فقد ركبتم عظيمًا من الأمر وجئتم شيئًا إذًا. فتب إلى الله يا قيس بن سعد فإنك ممن أعان على قتل عثمان إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئًا وأما صاحبك فقد تيقنا أنه الذي أغرى به الناس وحملهم على قتله حتى قتلوه وأنه لم يسلم من دمه عظم قومك. فإن استطعت أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل. فأن بايعتنا على هذا الأمر فلك سلطان العراقين ولمن شئت من أهلك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان. وسلني غير هذا مما تحب فإنك لا تسألني شيئًا إلا أوتيته. واكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك والسلام. فلما جاءه كتاب معاوية أحب قيس أن يدافعه ولا يبدي له أمره ولا يتعجل حربه فكتب إليه: أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه فأما ما ذكرت من أمر عثمان فذلك أمر لم أقاربه ولم أتنطف به وأما قولك: إن صاحبي أغرى الناس بعثمان فهذا أمر لم أطلع عليه وذكرت أن معظم عشيرتي لم يسلموا من دم عثمان فأول الناس فيه قيامًا عشيرتي ولهم أسوة غيرهم وأما ما ذكرت من مبايعتي إياك وما عرضت علي فلي فيه نظر وفكرة وليس هذا مما يسارع إليه. وأنا كاف عنك ولن يبدو لك من قبلي شيء مما تكره والسلام. فكتب إليه ثانيًا: أما بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سلمًا ولم أرك مباعدًا فأعدك حربًا. وليس مثلي من يخدع وبيده أعنة الخيل ومعه أعداد الرجال والسلام. فلما قرأ قيس كتابه ورأى أنه لا يقبل منه المدافعة والمماطلة أظهر له ما في نفسه وكتب إليه: أما بعد فالعجب من اغترارك بي يا معاوية وطمعك في تسومني الخروج عن طاعة أولى الناس بالإمرة وأقربهم بالخلافة وأقولهم بالحق وأهداهم سبيلًا وأقربهم إلى رسوله وسيلة وأوفرهم فضيلة وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر وأقولهم بالزور وأضلهم سبيلًا وأبعدهم من الله ورسوله وسيلة ولد ضالين مضلين طاغوت من طواغيت إبليس وأما قولك: معك أعنة الخيل وأعداد الرجال لتشتغلن بنفسك حتى العدم. وقال هشام: ولما رأى معاوية أن قيس بن سعد لا يلين له كاده من قبل علي وكذا روى عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناده. وقال هشام بن محمد: عن أبي مخنف وجه آخر في حديث قيس بن سعد ومعاوية قال: لما أيس معاوية من قيس بن سعد شق عليه ذلك لما يعرف من حزمه وبأسه فأظهر للناس أن قيسًا قد بايعه. واختلق معاوية كتابًا فقرأه على أهل الشأم وفيه: أما بعد لما نظرت أنه لا يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم محرمًا مسلمًا برأ تقيًا مستغفرًا وإني قال: فشاع في أهل الشأم أن قيسًا قد بايع معاوية. وبلغ عليًا ذلك فأكبره وأعظمه فقال له عبد الله بن جعفر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيسًا عن مصر فقال علي: والله ما أصدق هذا على قيس ثم عزله وولى الأشتر وقيل محمد بن أبي بكر الصديق في قول ابن سيرين فلما عزله عرف قيس أن عليًا قد خدع وتوجه إليه وصار معه. قال عروة: وكان قيس بن سعد مع علي في مقدمته ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعد موت علي. فلما دخل الجيش في بيعة معاوية أبى قيس أن يدخل وقال لأصحابه: ما شئتم جالدت بكم أبدًا حتى يموت الأعجل وإن شئتم أخذت لكم أمانًا. قالوا: خذ لنا ففعل فلما ارتحل نحو المدينة جعل ينحر كل يوم جزورًا. قال الواقدي وغيره: إنه توفي في آخر خلافة معاوية - رضي الله عنهم أجمعين. السنة التي حكم في بعضها قيس بن سعد بن عبادة على مصر وهي سنة ست وثلاثين: فيها كانت وقعة الجمل بين علي - رضي الله عنه - وبين عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وغيرهما وكانت فيها مقتلةً عظيمة قتل فيها عدة من الصحابة وغيرهم قال البلاذري: التقوا بمكان يقال له: الخريبة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين. قلت: وممن قتل في هذه الوقعة طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي: أحد السابقين الأولين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أهل الشورى بعد موت عمر بن الخطاب. قتله مروان بن الحكم في منصرفه من وقعة الجمل بساعة وكان مروان مع عائشة أيضًا غير أنه لما رأى انصرافه رمى عليه بسهم قتله وقال لأبان بن عثمان بن عفان: قد كفيتك بعض قتلى أبيك - يعني أنه كان مواريًا على عثمان في أول الأمر. وفيها قتل الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله القرشي الأسمي المكي حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أهل الشورى شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها أسلم وهو ابن ست عشرة سنة وهو من السابقين. قتله عمير بن جرموز بعد انصرافه من وقعة الجمل بساعة. وفيها توفي حذيفة بن اليمان واسم اليمان: حسيل ويقال حسيل بالتصغر بن جابر بن أسيد وقيل ابن عمرو أبو عبد الله العبسي حليف الأنصار صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وفيها توفي سلمان الفارسي - رضي الله عنه - في قول وقد تقدم ذكره. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وثمانية عشر إصبعًا مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا لإصبعان.
|