الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَيُنْهَى عَنْ النَّذْرِ جُمْلَةً فَإِنْ وَقَعَ لَزِمَ كَمَا قَدَّمْنَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي دَاوُد، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ النَّذْرِ وَيَقُولُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَفِي قَوْلِهِ عليه السلام وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ إيجَابٌ لِلْوَفَاءِ بِهِ إذَا وَقَعَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ لِلَّهِ تَعَالَى صَوْمُ يَوْمَ أُفِيقُ, أَوْ قَالَ: يَوْمَ يَقْدَمُ فُلاَنٌ, أَوْ قَالَ يَوْمَ أَنْطَلِقُ مِنْ سِجْنِي, أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَكَانَ مَا رَغِبَ فِيهِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا: لَمْ يَلْزَمْهُ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلاَ قَضَاؤُهُ، وَلاَ صَوْمُ غَيْرِهِ لأَِنَّهُ إنْ كَانَ مَا رَغِبَ فِيهِ لَيْلاً فَلَمْ يَكُنْ فِي يَوْمٍ فَلاَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ, وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَلاَ يُمْكِنُهُ إحْدَاثُ صَوْمٍ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَلاَ تَقَدَّمَ إلْزَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ, وَلاَ يَلْزَمُهُ صِيَامُ يَوْمٍ آخَرَ; لأَِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إنْ قَدِمَ نَهَارًا صَامَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ, وقال مالك: إنْ قَدِمَ لَيْلاً صَامَ النَّاذِرُ غَدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ . فَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ: عَلَيَّ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَبَدًا فَإِنْ كَانَ لَيْلاً لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَدَّمْنَا, لأَِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلاَ يَلْزَمُ صِيَامُ اللَّيْلِ, لأَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ, فَإِنْ كَانَ نَهَارًا لَزِمَهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا تَكَرَّرَ كَمَا نَذَرَهُ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ, لأَِنَّهُ غَيْرُ مَا نَذَرَ. وَمَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمِ نَذْرٍ عَامِدًا أَوْ لِعُذْرٍ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ نَذَرَ أَنْ يَقْضِيَهُ فَيَلْزَمُهُ لأَِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْذِرْ الْقَضَاءَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ; إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ. وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا لأَِنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا نَذَرَ. فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَةٍ أَوْ قَالَ: شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ إلاَّ مُتَتَابِعًا، وَلاَ بُدَّ فَإِنْ تَعَمَّدَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ فِطْرًا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ: ابْتَدَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ لأَِنَّ اسْمَ الْجُمُعَةِ وَالشَّهْرِ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ لاَ مُتَفَرِّقَةٍ, فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ لاَ مَا لَمْ يَنْذِرْ; فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ ذَلِكَ فَلَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ. وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَتَيْنِ أَوْ قَالَ: شَهْرَيْنِ, وَلَمْ يَنْذِرْ التَّتَابُعَ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ كُلَّ جُمُعَةٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَلاَ بُدَّ, وَكُلُّ شَهْرٍ مُتَتَابِعًا، وَلاَ بُدَّ, وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةِ, وَبَيْنَ الشَّهْرِ وَالشَّهْرِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا إلاَّ أَنْ يَنْذِرَهُمَا مُتَتَابِعِينَ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ; لأَِنَّهُ طَاعَةٌ زَائِدَةٌ. فَإِنْ صَامَ الشَّهْرَ مَا بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ فَإِنْ ابْتَدَأَ صِيَامَهُ بَعْدَ دُخُولِ الشَّهْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلاَّ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مُتَّصِلَةٌ، وَلاَ بُدَّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَلاَ يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ يَوْمٍ إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ، وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ; وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا نَذَرَ مِنْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَطْ; فَإِنْ نَذَرَ نِصْفَ شَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلاَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا, لأَِنَّ كَسْرَ يَوْمٍ لاَ يَلْزَمُهُ صِيَامُهُ لِمَنْ نَذَرَهُ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ يَوْمًا زَائِدًا لَمْ يُنْذَرْهُ. وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يَصُومُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لاَ يَعُدُّ فِيهَا رَمَضَانَ, وَلاَ يَوْمَ الْفِطْرِ, وَالأَضْحَى, وَلاَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَفِي هَذَا عِنْدَنَا نَظَرٌ وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ; لأَِنَّ هَذِهِ الْفُتْيَا إلْزَامٌ لَهُ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ; لأَِنَّ اسْمَ سَنَةٍ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مُتَّصِلَةٍ لاَ مُبَدَّدَةٍ, وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ كَمَا نَذَرَهُ; فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلاَ نَذَرَهُ, وَلاَ أَنْ يَلْتَزِمَ مَا لَمْ يُمْكِنْ, وَمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ قَالَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ يُفْطِرُ فِيهَا يَوْمَيْ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ, ثُمَّ يَقْضِيهَا. وَقَالَ زُفَرُ: يُفْطِرُ الأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ, وَلاَ يَقْضِيهَا. وقال مالك: يَصُومُ, وَيُفْطِرُ الأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ, وَلاَ يَقْضِي رَمَضَانَ, وَلاَ الأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ, إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ قَضَاءَهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَصُومُ وَيَقْضِي رَمَضَانَ وَيَوْمَيْنِ مَكَانَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى, وَيَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. قال أبو محمد: فَهَذِهِ الأَقْوَالُ إمَّا مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ، وَلاَ الْتَزَمَهُ, وأما مُسْقِطَةٌ عَنْهُ مَا نَذَرَ. قال أبو محمد: إنْ كَانَ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ الأَيَّامِ وَصَوْمَ رَمَضَانَ عَنْ نَذْرِهِ; فَقَدْ نَذَرَ الضَّلاَلَ وَالْبَاطِلَ, وَأَمْرًا مُخَالِفًا لِدِينِ الإِسْلاَمِ; فَلاَ يَلْزَمُهُ نَذْرُهُ ذَلِكَ لأَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ, وَلاَ يَلْزَمُ صَوْمُ سَائِرِ الأَيَّامِ لأَِنَّهُ غَيْرُ مَا نَذَرَ, وَكُلُّ طَاعَةٍ مَازَجَتْهَا مَعْصِيَةٌ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْصِيَةٌ, لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالطَّاعَةِ كَمَا أُمِرَ, قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً حَاشَا رَمَضَانَ وَالأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْ صِيَامِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ, لأَِنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ; وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَوَّالٍ, أَوْ صَوْمَ ذِي الْحِجَّةِ, أَوْ صَوْمَ شَعْبَانَ فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِثْنَاءَ مَا لاَ يَجُوزُ صَوْمُهُ مِنْ الأَيَّامِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ. وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ نَذْرًا فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ لَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِرَمَضَانَ لاَ لِلنَّذْرِ أَصْلاً; فَإِنْ صَامَهُ لِنَذْرِهِ أَوْ لِرَمَضَانَ وَلِنَذْرِهِ فَالإِثْمُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُجْزِئُهُ لاَ لِنَذْرِهِ، وَلاَ لِرَمَضَانَ; لأَِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَدِّمٌ لِنَذْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ، وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِصِيَامِهِ مُخْلِصًا لَهُ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ الصِّيَامِ الْمَفْرُوضِ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً, وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ مِمَّنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْحُجَّةُ, وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ الدَّهْرِ أَصْلاً حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ, صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ; فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا; وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِذَا ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُد، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ, قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُد قَالَ: نِصْفُ الدَّهْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْحَكَمِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ عليه السلام إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ, قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا قُلْتُ: إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قال أبو محمد: فَصَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى صِيَامِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مُوَاقَعَةِ نَهْيِهِ, وَإِذْ أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ صَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ انْحَطَّ فَضْلُهُ فَإِذَا انْحَطَّ فَضْلُهُ فَقَدْ حَبِطَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِلاَ شَكٍّ وَصَارَ عَمَلاً لاَ أَجْرَ لَهُ فِيهِ بَلْ هُوَ نَاقِصٌ مِنْ أَجْرِهِ; فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَصْلاً. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ طَرَائِفِ الْمَصَائِبِ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ: قَالَ: قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: فَصُمْ صَوْمَ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إذَا لاَقَى فَقَالَ: إنَّمَا هَذَا الْحُكْمُ لِمَنْ لاَ يَفِرُّ إذَا لاَقَى. قال أبو محمد: فَجَمَعَ هَذَا الْكَلاَمُ الْمَلْعُونُ وَجْهَيْنِ مِنْ الضَّلاَلِ: أَحَدُهُمَا: الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ بَلْ قَدْ أَمَرَ عليه السلام بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَقَطَعَ بِأَنَّهُ لاَ صَوْمَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ دَاوُد. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَأْوِيلٌ سَخِيفٌ لاَ يُعْقَلُ; لأَِنَّهُ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لاَ يَفِرُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا لاَقَى أَفْضَلُ مِمَّنْ يَفِرُّ; فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الأَفْضَلِ أَنْ لاَ يَتَزَيَّدَ مِنْ الْفَضْلِ فِي الصِّيَامِ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ; فَهَذِهِ شَرِيعَةُ إبْلِيسٍ لاَ شَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حدثنا أَبِي، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ سَمِعَ أَبَا الْعَبَّاسِ هُوَ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ الْمَكِّيُّ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : )) لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا آدَم، حدثنا شُعْبَةُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ, وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ مَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ فَقَالَ عليه السلام لاَ صَامَ، وَلاَ أَفْطَرَ, أَوْ مَا صَامَ، وَلاَ أَفْطَرَ. وَكَذَلِكَ نَصًّا مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ, وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ كِلاَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ صَامَ الدَّهْرَ لاَ صَامَ، وَلاَ أَفْطَرَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ حَبِطَ صَوْمُهُ وَلَمْ يُفْطِرْ. وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا لاَ يَجُوزُ إذَا صَامَ الدَّهْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ الأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا فَقُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنَعَ وَنَهَى عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ الدَّهْرِ وَأَبْطَلَ أَجْرَ مَنْ زَادَ. قال أبو محمد: وَشَغَبَ مَنْ خَالَفَنَا بِأَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ: إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ: أَخْبَرَنِي ثَابِتٌ عَنْ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَيُقَالُ: لاَ يُفْطِرُ. قال أبو محمد: لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ, لأَِنَّ السَّرْدَ إنَّمَا هُوَ الْمُتَابَعَةُ لاَ صَوْمُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ, يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ, وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ, كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ, كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلاَّ قَلِيلاً. فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيَّنَتْ السَّرْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ أُسَامَةُ, وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ, فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِشَيْءٍ مِنْ الآثَارِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ; قُلْت: الدَّهْرُ قَالَ: كَانَتْ تَسْرُدُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْرُدُ الصَّوْمَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سَرَدَ الصَّوْمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ هُوَ الضُّبَعِيُّ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ قَلَّ مَا يَصُومُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ الْعَدُوِّ, فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا إلاَّ يَوْمَ أَضْحَى, أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُمَيْمَةَ عَنْ جَدَّتِهِ قَالَتْ: كَانَ عُثْمَانُ يَصُومُ الدَّهْرَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ إلاَّ هَجْعَةً مِنْ أَوَّلِهِ. وَعَنْ الأَسْوَدِ, وَعُرْوَةَ, وَعُبَيْدٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ الدَّهْرَ. قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا عَائِشَةُ رضي الله عنها فَقَدْ فَرَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بَيْنَ صِيَامِ الدَّهْرِ وَبَيْنَ سَرْدِ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَرْنَا, وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا إلاَّ السَّرْدُ وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ لاَ صَوْمُ الدَّهْرِ; وَلَوْ صَحَّ عَنْهَا ذَلِكَ، وَلاَ يَصِحُّ: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْهَا رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَارُ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ; فَإِنْ كَانَ مَا لاَ يَصِحُّ عَنْهَا مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ حُجَّةً فَاَلَّذِي صَحَّ عَنْهَا مِنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ, وَيَوْمِ الشَّكِّ حُجَّةٌ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَجَّةً فَلَيْسَ ذَلِكَ حُجَّةً. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قِيلَ لَهُمْ: وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ صَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ, وَصَحَّ نَهْيُهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ. وأما خَبَرُ عُمَرَ فَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ السَّرْدُ فَقَطْ وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ لاَ صِيَامُ الدَّهْرِ; بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ تَحْرِيمُ صِيَامِ الدَّهْرِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَجُلاً يَصُومُ الدَّهْرَ فَأَتَاهُ فَعَلاَهُ بِالدِّرَّةِ وَجَعَلَ يَقُولُ: كُلْ يَا دَهْرُ كُلْ يَا دَهْرُ; وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْهُ; فَصَحَّ أَنَّ تَحْرِيمَ صَوْمِ الدَّهْرِ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مُبَاحًا لَمَا ضَرَبَ فِيهِ، وَلاَ أَمَرَ بِالْفِطْرِ. وأما عُثْمَانُ, فَإِنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُمَيْمَةَ وَجَدَّتَهُ مَجْهُولاَنِ, فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وأما أَبُو طَلْحَةَ فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَأْكُلُ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ. قال أبو محمد: وَفِي الْخَبَرِ الَّذِي شَغَبُوا بِهِ: أَنَّ أَنَسًا قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا إلاَّ يَوْمَ فِطْرٍ, أَوْ يَوْمَ أَضْحَى, فَفِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ أَبِي طَلْحَةَ فِي أَكْلِهِ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ حُجَّةً فَصَوْمُهُ الدَّهْرَ لَيْسَ حُجَّةً; وَلَئِنْ كَانَ صَوْمُهُ الدَّهْرَ حُجَّةً فَإِنَّ أَكْلَهُ الْبَرَدَ فِي صِيَامٍ حُجَّةٌ; فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وأما الأَسْوَدُ: فَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّ الأَسْوَدَ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ صَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ ثَلاَثِينَ سَنَةً قَالَ هِشَامٌ: لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إلاَّ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ يَوْمَ نَحْرٍ; فَلْيَقْتَدُوا بِهِمَا فِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِلاَّ فَالْقَوْمُ مُتَلاَعِبُونَ. قَالَ عَلِيٌّ: صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ, وَأَمْرِهِ بِالْفِطْرِ فِيهِ, وَضَرْبِهِ عَلَى صِيَامِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَكَذَا: وَقَبَضَ كَفَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ, وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مُسْنَدًا. قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ نَوَادِرِهِمْ قَوْلُهُمْ: مَعْنَاهُ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ حَتَّى لاَ يَدْخُلَهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ لُكْنَةٌ وَكَذِبٌ: أَمَّا اللُّكْنَةُ: فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ هَذَا لَقَالَ: ضُيِّقَتْ عَنْهُ, وَلَمْ يَقُلْ: عَلَيْهِ, وأما الْكَذِبُ: فَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ عَلَى التَّشْدِيدِ وَالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ فَكَيْفَ وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا هِيَ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَطْ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ ابْنَ أَبِي أَنْعُمٍ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: لَوْ رَأَى هَذَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَرَجَمُوهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هُمْ يَدَّعُونَ الإِجْمَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا; وَقَدْ يَكُونُ الرَّجْمُ حَصْبًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ بِمَنْ رَآهُ يَتَكَلَّمُ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَالْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ فَكَرِهَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ, وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُمَا كَرِهَا صَوْمَ رَجَبٍ, وَهَذَا يَقْتَضِي، وَلاَ بُدَّ أَنَّهُمَا لاَ يُجِيزَانِ صِيَامَ الدَّهْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ مُبَاحًا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا كَرِهَهُ, لأَِنَّ فِعْلَ الْخَيْرِ لاَ يُكْرَهُ, وَلاَ يُكْرَهُ إلاَّ مَا لاَ خَيْرَ فِيهِ، وَلاَ أَجْرَ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ صَوْمَ الدَّهْرِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَرِهَ صَوْمَ شَهْرٍ تَامٍّ غَيْرِ رَمَضَانَ . قال أبو محمد وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ, وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ الاِثْنَيْنِ, وَالْخَمِيسِ, وَكُلُّ هَذَا فَبِأَنْ لاَ يَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ, فأما الثَّلاَثَةُ الأَيَّامِ فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وأما الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسُ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الْمُسَيِّبِ، هُوَ ابْنُ رَافِعٍ عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ الاِثْنَيْنِ, وَالْخَمِيسَ ". وَيَكْرَهُ صَوْمَ شَهْرٍ تَامٍّ غَيْرِ رَمَضَانَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم . وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ قَوْلِنَا آنِفًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَرْضِ فَقَطْ فَحَسَنٌ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الدِّينِ فَأَخْبَرَهُ عليه السلام بِوُجُوبِ رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ: لاَ إلاَّ أَنْ تَتَطَوَّعَ وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ; فَقَالَ السَّائِلُ: وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلاَ أَنْقُصُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ. وَنَسْتَحِبُّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ: وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ صَامَ الْعَاشِرَ بَعْدَهُ فَحَسَنٌ. وَنَسْتَحِبُّ أَيْضًا صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ. وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: إذَا رَأَيْتَ هِلاَلَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا فَقُلْتُ: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ قَالَ: نَعَمْ. ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ: خَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ, فإن قيل: مِنْ أَيْنَ أَحْبَبْتُمْ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّ النَّاس شَكُّوا فِي صَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلْتُ إلَيْهِ بِحِلاَبٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَمِنْ طَرِيقِ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَتَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ رُمَّانًا فَقَالَ: اُدْنُ فَكُلْ لَعَلَّكَ صَائِمٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُؤَمَّلِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: لَمْ يَصُمْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ, وَلاَ عُمَرُ, وَلاَ عُثْمَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حدثنا حَوْشَبُ بْنُ عُقَيْلٍ عَنْ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ الْعَبْدِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت عَطَاءً عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: نَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ. قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَمَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَصُمْهُ فَلاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ; لأَِنَّهُ عليه السلام قَدْ حَضَّ عَلَى صِيَامِهِ أَعْظَمَ حَضٍّ, وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ, وَمَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْتَظِرَ بَعْدَ هَذَا أَيَصُومُهُ عليه السلام أَمْ لاَ وَقَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ قَالَ حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور قَالَ حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وأما حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّ رِوَايَةَ حَوْشَبٍ بْنِ عُقَيْلٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ, وَهَذَا لاَ يُحْتَجُّ بِهِ وأما تَرْكُ أَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَابْنِ عُمَرَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ صِيَامَهُ فَقَدْ صَامَهُ غَيْرُهُمْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: صَامَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُظَلَّلُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حدثنا عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهِيَ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَقَالَ لَهَا: أَفْطِرِي فَقَالَتْ: أُفْطِرُ وَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ الْعَامَ الَّذِي قَبْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَدْعُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إذَا أَفَاضَ النَّاسُ بِمَاءٍ ثُمَّ يُفِيضُ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا اخْتَلَفُوا فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ أَتُصَلِّي الضُّحَى قَالَ: لاَ; قُلْتُ: فَعُمَرُ قَالَ: لاَ, قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ قَالَ: لاَ, قُلْتُ: فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ إخَالُهُ. فَمَنْ كَرِهَ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَصُمْهُ, وَلاَ أَبُو بَكْرٍ, وَلاَ عُمَرُ, فَلْيَكْرَهْ صَلاَةَ الضُّحَى فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ, وَالطَّرِيقَانِ صَحِيحَانِ وَإِلاَّ فَهُوَ مُتَلاَعِبٌ بِالدِّينِ, وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ, وَعُمَرَ لَمْ يَكُونَا يُضَحِّيَانِ فَلْيَكْرَهُوا الآُضْحِيَّةَ أَيْضًا لِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَاءَ بِأَغْلَظِ الْوَعِيدِ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ وَلَمْ يَصُمْهُ عليه السلام فَيَسْتَحِبُّونَهُ وَيُبِيحُونَهُ ثُمَّ يَأْتِي حَضُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَشَدِّ الْحَضِّ عَلَى صَوْمِ عَرَفَةَ فَيَكْرَهُونَهُ, لأَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَصُمْهُ وَلَمْ يَحُضَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِهِ الْحَاجَّ دُونَ غَيْرِهِ, وَلاَ بِالْحَضِّ عَلَيْهِ مَنْ لَيْسَ حَاجًّا مِنْ حَاجٍّ وأما سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ فَعَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ وَالثِّقَاتُ مَقْبُولُونَ لاَ يَحِلُّ رَدُّ رِوَايَاتِهِمْ بِالظُّنُونِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ النَّحْرِ لِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ فِيهِمْ الْعَمَلُ أَوْ أَفْضَلُ فِيهِنَّ الْعَمَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الْجِهَادُ قَالَ: وَلاَ الْجِهَادُ إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ. قال أبو محمد: هُوَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ, وَالصَّوْمُ عَمَلُ بِرٍّ; فَصَوْمُ عَرَفَةَ يَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا. وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلاَّ لِمَنْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ فَلَوْ نَذَرَهُ إنْسَانٌ كَانَ نَذْرُهُ بَاطِلاً, فَلَوْ كَانَ إنْسَانٌ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَجَاءَهُ صَوْمُهُ فِي الْجُمُعَةِ فَلْيَصُمْهُ ; حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلاَ تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ :. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا بِشْرٌ، هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ، حدثنا سَعِيدٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ لَهَا: أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ: لاَ قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ: لاَ قَالَ: فَأَفْطِرِي. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ; وَمِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ جُنَادَةَ الأَزْدِيُّ: وَلَهُ صُحْبَةٌ كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ، هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِزَيْدِ بْنِ صَوْحَانَ: اُنْظُرْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلاَ تُصَلِّهَا قَالَ عَلِيٌّ: لاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ قَالَ: مَرَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَبِي ذَرٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُمْ صِيَامٌ فَقَالَ: عَزَمْت عَلَيْكُمْ لِمَا أَفْطَرْتُمْ فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ وَجَالَسَهُ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَعَمُّدِ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَ تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلاَّ أَنْ تَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ; وَمُجَاهِدٍ, وَالشَّعْبِيِّ, وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمْ, وَذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ عَمَّنْ لَقِيَ, وَإِنَّمَا لَقِيَ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زَرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرً وَقَلَّ مَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَلَّ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُفْطِرًا يَوْمَ جُمُعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَلَّ مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا يَوْمَ جُمُعَةٍ قَطُّ. قال أبو محمد: لَيْثٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وأما خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصَحِيحٌ, وَالْقَوْلُ فِيهَا كُلُّهَا سَوَاءٌ, وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لاَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ, وَلاَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَلاَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إبَاحَةُ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ دُونَ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ. وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ صِيَامَهُ إذَا صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ, وَلاَ يَحِلُّ أَنْ نَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُخْبِرُ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْهُ صَاحِبُهُ, وَلاَ أَنْ نَحْمِلَ فِعْلَهُ عَلَى مُخَالِفَةِ أَمْرِهِ أَلْبَتَّةَ إلاَّ بِبَيَانِ نَصٍّ صَحِيحٍ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا, قَالَ تَعَالَى آمِرًا لَهُ أَنْ يَقُولَ: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَطَاوُسٍ بَيَانُ قَوْلِنَا بِأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى عَنْ افْتِرَادِ الْيَوْمِ كُلَّمَا مَرَّ بِالإِنْسَانِ يَعْنِي عَنْ صِيَامِهِ: فَصَحَّ نَهْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ افْتِرَادِ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فِي الصَّوْمِ, فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَحَرَّى يَوْمًا يَصُومُهُ, وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفًا أَصْلاً فِي النَّهْيِ عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَوْ نَذَرَ الْمَرْءُ صَوْمَ يَوْمَ يُفِيقُ, أَوْ ذَلِكَ فَوَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ لَمْ يَلْزَمْ; لأَِنَّهُ لاَ يَصُومُ يَوْمًا قَبْلَهُ, وَلاَ يَوْمًا بَعْدَهُ, وَلاَ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ, وَلاَ يَجُوزُ صِيَامُهُ إلاَّ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ اللَّيْلِ أَصْلاً, وَلاَ أَنْ يَصِلَ الْمَرْءُ صَوْمَ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ لاَ يُفْطِرُ بَيْنَهُمَا, وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلاَ بُدَّ. حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حدثنا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ، هُوَ ابْنُ الْهَادِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ, قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ, إنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ, وَأَنَسٍ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَابْنِ عُمَرَ, كُلِّهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذِهِ الآثَارُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قلنا. قال أبو محمد: وَقَدْ رُوِّينَا النَّهْيَ عَنْ الْوِصَالِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَعَلِيٍّ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إبَاحَةَ الْوِصَالِ, كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوِصَالِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي; فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلاَلَ فَقَالَ عليه السلام: لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ; كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. وَعَنْ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ تُوَاصِلُ, وَكَانَ أَخُوهَا يَنْهَاهَا; قَالَ عَلِيٌّ: هِيَ صَاحِبَةٌ بِلاَ شَكٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حدثنا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلَةَ السَّابِعَةَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ سَمْنٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ يُؤْتَى بِثَرِيدَةٍ فِيهَا عَرْقَانِ وَيُؤْتِي النَّاسَ بِالْجِفَانِ فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ خَالِصِ مَالِي, وَهَذَا مِنْ بَيْتِ مَالِكُمْ. وَكَانَ ابْنُ وَضَّاحٍ يُوَاصِلُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. قال أبو محمد: هَذَا يُوَضِّحُ أَنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ صَاحِبٍ, وَلاَ غَيْرِهِ; فَقَدْ وَاصَلَ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ التَّأْوِيلاَتِ الْبَعِيدَةَ فَكَيْفَ بَعْدَهُ عليه السلام فَكَيْفَ مَنْ دُونَهُمْ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ حَضَّهُ عليه السلام عَلَى صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَنَهْيَهُ عليه السلام عَنْ تَخْصِيصِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ, وَتَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ, وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَلَّ مَا رَأَيْتُهُ عليه السلام مُفْطِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ مَنْ خَالَفَ نَهْيَهُ عَنْ الْوِصَالِ وَتَأَوَّلَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُوَاصِلُ. وَلاَ يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ, وَلاَ صِيَامُ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ إلاَّ مَنْ صَادَفَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَيَصُومُهُمَا حِينَئِذٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُمَا لَهُ لاَ لأَِنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ، وَلاَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, وَأَبُو كُرَيْبٍ كِلاَهُمَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ، وَلاَ يَوْمَيْنِ إلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَهُ عليه السلام بِأَنْ لاَ يُصَامُ حَتَّى يُرَى الْهِلاَلُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَمْرٍو حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَغَضِبَ وَقَالَ: لاَ. قال أبو محمد: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْخَبَرُ يُوَضِّحُ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَيِّ صَاحِبٍ، وَلاَ غَيْرِهِ أَصْلاً وَبِهَذَا يَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: لاََنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْضِيَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَزِيدَ فِيهِ يَوْمًا لَيْسَ فِيهِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي آخِرِ شَعْبَانَ يَقُولُ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ; وَابْنِ عَبَّاسٍ; وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: لَوْ صُمْت السَّنَةَ كُلَّهَا لاََفْطَرْت الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ قال أبو محمد: وَرُوِيَ خِلاَفُ هَذَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: لاََنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا خَلَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً مِنْ شَعْبَانَ بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ الْهِلاَلَ فَإِنْ حَالَ مِنْ دُونِ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا, وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ أَصْبَحَ مُفْطِرًا. وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَكْرَهُ صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ إلاَّ إنْ أُغْمِيَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ, وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ يَوْمَ الشَّكِّ صَائِمًا فَإِنْ قَدِمَ خَبَرٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ أَتَمَّ صَوْمَهُ وَإِلاَّ أَفْطَرَ. وَبِالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ جُمْلَةً يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ, وَالشَّعْبِيُّ, وَعِكْرِمَةُ, وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ, وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمْ. قال أبو محمد: هَذَا ابْنُ عُمَرَ هُوَ رَوَى أَنْ لاَ يُصَامُ حَتَّى يَرَى الْهِلاَلَ ثُمَّ كَانَ يَفْعَلُ مَا ذَكَرْنَا; وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا يَعْنِي شَعْبَانَ قَالَ: لاَ, قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلاَّ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ أَبِي الأَزْهَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ قَالَ: قَامَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي النَّاسِ فِي دَيْرِ مِسْحَلٍ الَّذِي عَلَى بَابِ حِمْصٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْهِلاَلَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَأَنَّا مُتَقَدِّمٌ بِالصِّيَامِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلْيَفْعَلْهُ, فَقَامَ إلَيْهِ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيُّ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ شَيْءٌ مِنْ رَأْيِكَ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ. قال أبو محمد: الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً, لأَِنَّ نَصَّهُ صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ شَهْرُ رَمَضَانَ لاَ مَا سِوَاهُ " وَسِرَّهُ " مُضَافٌ إلَيْهِ, وَلاَ يَخْلُو " سِرُّهُ " مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ أَوْ وَسَطَهُ وَأَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنْ رَمَضَانَ لاَ مِنْ شَعْبَانَ, وَلَيْسَ فِيهِ: صُومُوا سِرَّ شَعْبَانَ; فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ. وأما خَبَرُ أُمِّ سَلَمَةَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأَِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ فَلْيَصُمْهُ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ صَوْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ وَفِي وَصْلِهِ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ إلاَّ عَلَى أَنَّهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ كَانَ لَهُ وأما خَبَرُ عِمْرَانَ فَصَحِيحٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لاَِنَّنَا لاَ نَدْرِي مَاذَا كَانَ يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّهُ صَامَ سِرَرَ شَعْبَانَ أَيَنْهَاهُ أَمْ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَالشَّرَائِعُ الثَّابِتَةُ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا بِالظُّنُونِ، وَلاَ بِمَا لاَ بَيَانَ فِيهِ, ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ بَيَانٌ جَلِيٌّ بِإِبَاحَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ شَعْبَانَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ; لأَِنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ كَانَ مُبَاحًا بِلاَ شَكٍّ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ; لأَِنَّ الصَّوْمَ جُمْلَةً عَمَلُ بِرٍّ وَخَيْرٍ; فَلَمَّا صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ قَبْلَ رَمَضَانَ إلاَّ لِمَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ يَصُومُهُ صَحَّ يَقِينًا لاَ مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّ الإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَدْ نُسِخَتْ وَبَطَلَتْ; لأَِنَّ الصَّوْمَ قَدْ كَانَ مُتَقَدِّمًا لِهَذَا النَّهْيِ بِنَصِّهِ كَمَا هُوَ لاِسْتِثْنَائِهِ عليه السلام مَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ فَلْيَصُمْهُ, وَلاَ يَحِلُّ الْعَمَلُ بِشَيْءٍ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُ النَّاسِخِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْحَالَةَ الْمَنْسُوخَةَ قَدْ عَادَتْ، وَأَنَّ النَّاسِخَ قَدْ بَطَلَ فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ, وَقَالَ مَا لاَ دَلِيلَ لَهُ بِهِ أَبَدًا, وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلاَ مَعْنَى لِلتَّلَوُّمِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ, لأَِنَّهُ إنْ كَانَ تَلَوُّمُهُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِ صَوْمِهِ وَوَاقَعَ النَّهْيَ, وَإِنْ كَانَ تَلَوَّمُهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ الصَّوْمِ فَهُوَ عَنَاءٌ لاَ مَعْنَى لَهُ, وَتَرْكُ الْمُفْطِرِ الأَكْلَ عَمَلٌ فَارِغٌ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ فِي أَوَّلِهِ. وَلاَ يَجُوزُ صَوْمُ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ تَطَوُّعًا أَصْلاً، وَلاَ لِمَنْ صَادَفَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ: قَدِمَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْمَدِينَةَ فَمَالَ إلَى مَجْلِسِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا فَقَالَ الْعَلاَءُ: اللَّهُمَّ إنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ. قال أبو محمد: هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنِ الْعَلاَءِ, وَالْعَلاَءُ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ, وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ, وَمَالِكٌ, وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ, وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ, وَأَبُو الْعُمَيْسِ, وَكُلُّهُمْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَلاَ يَضُرُّهُ غَمْزُ ابْنِ مَعِينٍ لَهُ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ مُخَالَفَةُ مَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ; فَمَنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ الصَّوْمَ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ جُمْلَةً, إلاَّ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُتَيَقَّنَ مِنْ مُقْتَضَى لَفْظِ هَذَا الْخَبَرِ النَّهْيُ عَنْ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ, وَلاَ يَكُونُ الصِّيَامُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ بَاقِي الشَّهْرِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بَيِّنًا, وَلاَ يَخْلُو شَعْبَانُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَلاَثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَانْتِصَافُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا; وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَانْتِصَافُهُ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ, وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ, فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ بِلاَ شَكٍّ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ. قلنا: نَعَمْ, وَهَذَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ كُلِّ مَا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ; وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ بَعْضِ مَا بَعْدَ النِّصْفِ, وَلَيْسَ أَحَدُ الاِحْتِمَالَيْنِ أَوْلَى بِظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ الآخَرِ; وَقَدْ رُوِّينَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ وَقَوْلِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ إلاَّ قَلِيلاً وَقَوْلُهُمَا هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُدَاوِمُ ذَلِكَ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الأَخْبَارِ كُلِّهَا وَأَلاَّ يُرَدَّ مِنْهَا شَيْءٌ لِشَيْءٍ أَصْلاً; فَصَحَّ صِيَامُ أَكْثَرِ شَعْبَانَ مَرْغُوبًا فِيهِ, وَصَحَّ جَوَازُ صَوْمِ آخِرِهِ; فَلَمْ يَبْقَ يَقِينُ النَّهْيِ إلاَّ عَلَى مَا لاَ شَكَّ فِيهِ وَهُوَ الْيَوْمُ السَّادِسَ عَشَرَ كَمَا قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ ادَّعَى نَسْخًا فِي خَبَرِ الْعَلاَءِ فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا خَلاَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ, أَكْثَرُ ذَلِكَ مِمَّا قَالُوهُ بِرَأْيٍ لاَ بِنَصٍّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ مَنْ مَسَحَ الرَّأْسَ فِي الْوُضُوءِ مِقْدَارُ ثَلاَثَةِ أَصَابِعَ، وَلاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهُ, وَمَرَّةً قَالَ: رُبْعُ الرَّأْسِ، وَلاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ, وَيُجْزِي مَسْحُهُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ، وَلاَ يُجْزِئُ بِأُصْبُعَيْنِ، وَلاَ بِأُصْبُعٍ. وَأَجَازُوا الاِسْتِنْجَاءَ بِالرَّوْثِ. وَقَوْلُهُ: الْمِرَّةُ وَالْمَاءُ الْخَارِجَانِ, مِنْ الْجَوْفِ يَنْقُضَانِ الْوُضُوءَ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْءَ الْفَمِ, فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ; وَكَذَلِكَ تَعَمُّدُ الْقَيْءِ وَالدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إنْ غَلَبَ عَلَى الْبُصَاقِ وَإِنْ لَمْ يَمْلاَْ الْفَمَ, وَالْبَلْغَمُ الْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ مَلاََ الْفَمَ. وَقَوْلُهُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ: إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ رَأْسٍ مِنْ الإِنَاثِ أَوْ الذُّكُورِ أَوْ الإِنَاثِ مَخْلُوطِينَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ, وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا قِيمَةً وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةً, وَلاَ يُعْطِي مِنْ الذُّكُورِ الْمُفْرَدَةِ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلاَّ الْحَطَبَ, وَالْقَصَبَ, وَالْحَشِيشَ, وَقَصَبَ الزَّرِيرَةِ, فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ فِي الدَّارِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ, وَكُلُّ هَذَا لاَ يُعْلَمُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَكَقَوْلِ مَالِكٍ: مَنْ تَرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ, أَوْ ثَلاَثَ تَسْمِيعَاتٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ, فَإِنْ تَرَكَ تَكْبِيرَتَيْنِ فَأَقَلَّ لَمْ تَبْطُلْ، وَلاَ تَسْمِيعَتَيْنِ فَأَقَلَّ. وَقَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ فِيمَا تُخْرِجُهُ الأَرْضُ وَمِمَّا لاَ زَكَاةَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُبُوبِ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَرْءِ إلاَّ زَكَاةَ عَامِهِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ فِيمَا تَخْرُجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْحُبُوبِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الزَّكَاةُ مِنْ الْحُبُوبِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْحُبُوبِ وَمَا لاَ يُجْزِئُ فِيهَا مِنْهَا. وَقَوْلُهُ فِي أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ لَهُ لَمْ يَقْبَلْ نَجَاسَةً إلاَّ أَنْ تُغَيِّرَهُ, فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَلَوْ بِوَزْنِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُنَجَّسُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَكُلُّ هَذَا لاَ يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَ مَنْ ذَكَرْنَا. وَلَوْ تَتْبَعْنَا مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا لَبَلَغَ لاَِبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ: أُلُوفًا مِنْ الْمَسَائِلِ, وَلَبَلَغَ لِلشَّافِعِيِّ مِائَتَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْفِطْرِ, وَلاَ يَوْمِ الأَضْحَى لاَ فِي فَرْضٍ، وَلاَ فِي تَطَوُّعٍ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى, أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ, وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَوَّالٍ: أَنَّهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ ثُمَّ يَصُومُ يَوْمًا مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مَكَانَهُ وَيُطْعِمُ مَعَ ذَلِكَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إذَا كَانَ طَاعَةً لاَ إذَا كَانَ مَعْصِيَةً, وَإِذْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى, أَوْ أَيِّ يَوْمٍ نَهَى عَنْهُ فَصَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعْصِيَةٌ; وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِالْوَفَاءِ بِنَذْرٍ مَعْصِيَةٍ, وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ آثَارٌ: مِنْهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ, وَالْيَوْمُ الآخَرُ يَوْمَ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَأَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهُ: " مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الدَّهْرَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ وَيُفْطِرَ: يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ;، وَلاَ يُطْعِمُ شَيْئًا, لَكِنْ يُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ ". وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ. وَلاَ يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ, وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الأَضْحَى, لاَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ, وَلاَ فِي نَذْرٍ, وَلاَ فِي كَفَّارَةٍ, وَلاَ لِمُتَمَتِّعٍ بِالْحَجِّ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْهَدْيِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ. وقال مالك: يَصُومُهَا الْمُتَمَتِّعُ الْمَذْكُورُ كُلَّهَا, وَلاَ يَصُومُ النَّاذِرُ مِنْهَا إلاَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ شَيْءٌ مِنْهَا تَطَوُّعًا, وَلاَ فِي كَفَّارَةٍ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، حدثنا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إلَيْهِمَا طَعَامًا فَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: كُلْ فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا قَالَ مَالِكٌ: هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا بَكْرٌ، هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ مُؤْمِنٌ, وَأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. قال أبو محمد: تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَبَيْنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لاَ وَجْهَ لَهُ أَصْلاً; فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى، هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ, وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ عُرْوَةُ: عَنْ عَائِشَةَ, وَقَالَ سَالِمٌ: عَنْ أَبِيهِ, ثُمَّ اتَّفَقَا, قَالاَ: لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَنْ شُعْبَةَ: يَحْيَى بْنُ سَلاَّمٍ, وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ, فَإِنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم, وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْنَدَ هَذَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالظَّنِّ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يُفْطِرُ إلاَّ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى. وَعَنْ الأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَلَوْ كَانَ مُسْنَدًا لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ; لأَِنَّهُ أَبَاحَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَنْ يَصُومَهُ النَّاذِرُ, وَهُوَ خِلاَفُ هَذَا الْخَبَرِ. قال أبو محمد: عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ, وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ: هَذَا لاَ يُقَالَ بِالرَّأْيِ, قَالُوا ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِ جَابِرٍ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ. وَفِي قَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها لاُِمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إذْ بَاعَتْ مِنْهُ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِ مِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ: أَبْلِغْ زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أُبْطِلَ جِهَادُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ يَتُبْ وَهُوَ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ, وَخَالَفُوا بِذَلِكَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ. وَفِي التَّيَمُّمِ إلَى الْكُوعَيْنِ, فَهَلاَّ قَالُوا هُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ, وَابْنِ عُمَرَ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ السُّنَنِ مَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى: لاَ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ, وَرَدُّوا بِذَلِكَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ, فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا: هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى فَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ, إذْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَحِيحًا مَا خَفِيَ عَلَى عَائِشَةَ, وَأَبِي طَلْحَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَالأَسْوَدِ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْخَبَرَ الْمُضْطَرَبَ فِيهِ مَرْدُودٌ, وَادَّعُوا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ: لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ فَهَذَا الْخَبَرُ أَشَدُّ اضْطِرَابًا, لأَِنَّهُ رُوِيَ عَنْ بِشْرٍ بْنِ سُحَيْمٍ, وَمَرَّةً عَنْهُ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَهُمْ: هَذَا نَدْبٌ فَهَلاَّ قَالُوهُ هَاهُنَا وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا وَتَرَكَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ, وَعَائِشَةُ قَدْ رَوَتْ كَمَا ذَكَرْنَا النَّهْيَ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَرَكَتْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَصُومُهَا تَطَوُّعًا; فَهَلاَّ تَرَكُوا هَاهُنَا رِوَايَتَهَا لِرَأْيِهَا، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَقُولَ إنَّهُمَا وَابْنَ عَبَّاسٍ صَامَاهَا فِي تَمَتُّعِ الْحَجِّ; لأَِنَّ يَسَارَهُمَا وَيَسَارَ الأَسْوَدِ وَسَعَةَ أَمْوَالِهِمْ لاَِلْفِ هَدْيٍ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ إلاَّ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ أَصْلاً. وَلاَ يَحِلُّ صَوْمٌ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ كَأَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: أَنَا لاَ أَدْخُلُ دَارَكَ فَإِنْ دَخَلْتُهَا فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ, أَوْ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حدثنا أَبِي، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلاَّمٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إلاَّ بِاَللَّهِ. قال أبو محمد: فَصَارَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةً, وَخِلاَفًا لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالنَّذْرُ اللاَّزِمُ: هُوَ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ, وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ. ووَلَا يَحِلُّ لِذَاتِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ وَأَمَّا الْفُرُوضُ كُلُّهَا فَتَصُومُهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ ؛ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا تَقْدِرُ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ أَوْ تَقْدِرُ فَلْتَصُمْ التَّطَوُّعَ إنْ شَاءَتْ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا أَبُو دَاوُد نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْحُلْوَانِيُّ - نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ . قَالَ عَلِيٌّ: الْبَعْلُ اسْمٌ لِلسَّيِّدِ ، فِي اللُّغَةِ ، وَصِيَامُ قَضَاءِ رَمَضَانَ ، وَالْكَفَّارَاتُ ، وَكُلُّ نَذْرٍ تَقَدَّمَ لَهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا إيَّاهُ مَضْمُومٌ إلَى رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا افْتَرَضَ رَمَضَانَ . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } فَأَسْقَطَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الِاخْتِيَارَ فِيمَا قَضَى بِهِ ؛ وَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْنَ وَالِاسْتِئْذَانَ فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ ، وَأَمَّا مَا لَا خِيَارَ فِيهِ وَلَا إذْنَ لِأَحَدٍ فِيهِ وَلَا فِي تَرْكِهِ وَلَا فِي تَغْيِيرِهِ فَلَا مَدْخَلَ لِلِاسْتِئْذَانِ فِيهِ: هَذَا مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي تَخْصِيصُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذْنَ الْبَعْلِ فِيهِ ؛ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَنَسْتَحِبُّ تَدْرِيبَ الصِّبْيَانِ عَلَى الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ إذَا أَطَاقُوهُ وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ فَذَكَرَ فِيهِمْ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وُجُوبَ الأَحْكَامِ بِالإِنْبَاتِ, وَالْحَيْضِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه لِلشَّيْخِ الَّذِي وَجَدَهُ سَكْرَانَ فِي رَمَضَانَ: وِلْدَانُنَا صِيَامٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا صَامَ الْغُلاَمُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ. قال أبو محمد: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ لاَ شَيْءَ إلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ, وَالْمَالِكِيِّينَ, وَالشَّافِعِيِّينَ, أَخَذُوا بِرِوَايَتِهِ فِي إبَاحَةِ كِرَاءِ الأَرْضِ وَأَبْطَلُوا بِهَا الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ كِرَاءِ الأَرْضِ, فَهُوَ حُجَّةٌ إذَا اشْتَهَوْا وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً إذَا اشْتَهَوْا: وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ, وَقَتَادَةَ, وَالزُّهْرِيِّ: يُؤْمَرُ الْغُلاَمُ بِالصَّلاَةِ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ, وَبِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: يُؤْمَرُونَ بِالصَّلاَةِ إذَا عَقَلُوهَا, وَبِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقُوهُ قَالَ عَلِيٌّ: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الصَّلاَةُ عَلَى الْجَارِيَةِ إذَا حَاضَتْ, وَعَلَى الْغُلاَمِ إذَا احْتَلَمَ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَ التَّمْرَ أَنْ يُفْطِرَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَإِلاَّ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَنَدَ، وَلاَ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ; لأَِنَّ صَوْمَهُ قَدْ تَمَّ وَصَارَ فِي غَيْرِ صِيَامٍ; وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْطَرَ عَلَى خَمْرٍ, أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ, أَوْ زَنَى; فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ، حدثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ هَذَا فَرْضًا; لأَِنَّهُ عليه السلام قَدْ أَفْطَرَ فِي طَرِيقِ خَيْبَرٍ عَلَى السَّوِيقِ فَقُلْنَا وَمَا دَلِيلُكُمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ بَعْدُ عَلَى تَمْرٍ, أَوْ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ تَمْرٌ وَالسَّوِيقُ الْمَجْدُوحُ بِالْمَاءِ, فَالْمَاءُ فِيهِ ظَاهِرٌ, فَهُوَ فِطْرٌ عَلَى الْمَاءِ. وَأَيْضًا فَالْفِطْرُ عَلَى كُلِّ مُبَاحٍ مُوَافِقٌ لِلْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ, وَالأَمْرُ بِالْفِطْرِ عَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمَاءِ أَمْرٌ وَارِدٌ يَجِبُ فَرْضًا; وَهُوَ رَافِعٌ لِلْحَالَةِ الآُولَى بِلاَ شَكٍّ ,. وَادَّعَى قَوْمٌ الإِجْمَاعَ عَلَى غَيْرِ هَذَا وَقَدْ كَذَبَ مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْصِيَ فِي هَذَا أَقْوَالَ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم; وَذَكَرُوا إفْطَارَ عُمَرَ رضي الله عنه بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ عَلَى اللَّبَنِ: قال أبو محمد: إنْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا أَوْ حُجَّةً فَقَدْ خَالَفُوهُ وَأَوْجَبُوا الْقَضَاءَ بِخِلاَفِ قَوْلِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ, فَقَدْ اعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِلاَفَ الإِجْمَاعِ, وأما نَحْنُ فَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا إجْمَاعًا, وَلاَ يَكُونُ إجْمَاعًا إلاَّ مَا لاَ شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَقُولُ بِهِ; فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ كَافِرٌ: كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ, وَالْحَجِّ إلَى مَكَّةَ, وَصَوْمِ رَمَضَانَ; وَنَحْوِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيُسْتَحَبُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي رَمَضَانَ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هُوَ الْمَهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسَ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُجِبْ; فَإِذَا أَتَاهُمْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ هُوَ الأَحْمَرُ عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ, فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ, وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ. قَالَ هِشَامٌ: وَالصَّلاَةُ الدُّعَاءُ. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. قال أبو محمد: فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ أَتَاهُمْ فَدَعَا لَهُمْ ثُمَّ انْصَرَفَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: دَعَانِي أَنَسٌ إلَى طَعَامٍ فَقُلْت: إنِّي لاَ أَطْعَمُ فَقَالَ: قُلْ: إنِّي صَائِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَاهُ أَوْلَمَ بِالْمَدِينَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَدْعُو النَّاسَ فَدَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَجَابَهُ وَدَعَا لَهُمْ وَرَجَعَ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَاحِدَةٌ فِي الْعَامِ فِي كُلِّ عَامٍ, فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً, فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ خَاصَّةً, فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا لاَ تَنْتَقِلُ أَبَدًا إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ مِنْ الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ إلاَّ أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنْهُ، وَلاَ بُدَّ. فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ بِلاَ شَكٍّ: لَيْلَةُ عِشْرِينَ مِنْهُ; فَهِيَ إمَّا لَيْلَةُ عِشْرِينَ, وأما لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ, وأما لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ, وأما لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ, وأما لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ; لأَِنَّ هَذِهِ هِيَ الأَوْتَارُ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. إنْ كَانَ الشَّهْرُ ثَلاَثِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ بِلاَ شَكٍّ: لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ, فَهِيَ إمَّا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ, وأما لَيْلَةُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ, وأما لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ, وأما لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ, وأما لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ, لأَِنَّ هَذِهِ هِيَ أَوْتَارُ الْعَشْرِ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ يَقُمْ الْعَامَ يُدْرِكْهَا. وَ بُرْهَانُ قَوْلِنَا: أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْعَامِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْهُ، وَلاَ بُدَّ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابُ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ قَالَ فَلَمَّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَإِنِّي خَرَجْتُ لاُِخْبِرَكُمْ بِهَا فَجَاءَ رَجُلاَنِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ, وَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ, وَالسَّابِعَةِ, وَالْخَامِسَةِ. ثُمَّ فَسَّرَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: إذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ فَهِيَ التَّاسِعَةُ, فَإِذَا مَضَى ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ, فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ ". قال أبو محمد: هَذَا عَلَى مَا قلنا مِنْ كَوْنِ رَمَضَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِجَالاً رَأَوْا أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَرَى رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا. قال أبو محمد: هَذِهِ الأَخْبَارُ تُصَحِّحُ مَا قلنا: إذْ لَوْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ لَمَا كَانَ لاِِعْلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقِيقَةٌ, لأَِنَّهَا كَانَتْ لاَ تَثْبُتُ; وَلَوَجَبَ إذْ خَرَجَ لِيُخْبِرَهُمْ بِهَا أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِهَا عَامًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَهَذَا مُحَالٌ; وَإِذَا نُسِّيهَا عليه السلام فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْلَمَهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ; وَإِذْ لَمْ يَقْطَعْ عليه السلام بِرُؤْيَا مَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِهِ فَرُؤْيَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَبْعَدُ مِنْ الْقَطْعِ بِهَا; وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ, وَلَيْسَ قَوْلُهُ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ. فإن قيل: قَدْ جَاءَ أَنَّ عَلاَمَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ حِينَئِذٍ لاَ شُعَاعَ لَهَا قلنا: نَعَمْ, وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام: إنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ إلَيْنَا فَنَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ هُوَ عليه السلام; فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ طُلُوعِهَا بِحَيْثُ لاَ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيهَا أَحَدٌ. فإن قيل: قَدْ قَالَ عليه السلام: إنَّهُ أُرِيَ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَكَانَ ذَلِكَ صَبَاحَ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ قلنا: نَعَمْ, وَقَدْ وَكَفَ الْمَسْجِدُ أَيْضًا فِي صَبِيحَةِ لَيْلَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ فَسَجَدَ عليه السلام فِي مَاءٍ وَطِينٍ: رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ الْكِنْدِيِّ أَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأَرَانِي صَبِيحَتَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ, قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ: ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُفَّ السَّمَاءُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ كُلِّهَا فَبَقِيَ الأَمْرُ بِحَبْسِهِ. وَمِنْ طَرَائِفِ الْوَسْوَاسِ: احْتِجَاجُ ابْنِ بُكَيْرٍ الْمَالِكِيِّ فِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {سَلاَمٌ هِيَ} قَالَ: فَلَفْظَةُ " هِيَ " هِيَ السَّابِعَةُ وَعِشْرُونَ مِنْ السُّورَةِ. قال أبو محمد: حَقُّ مَنْ قَامَ هَذَا فِي دِمَاغِهِ أَنْ يُعَانِيَ بِمَا يُعَانِي بِهِ سُكَّانُ الْمَارَسْتَانِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مَا غَابَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْسَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ مَا أَنْسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عليه السلام, وَمَنْ بَلَغَ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَجَزَاؤُهُ أَنْ يَخْذُلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ هَذَا الْخِذْلاَنِ الْعَاجِلِ ثُمَّ فِي الآخِرَةِ أَشَدُّ تَنْكِيلاً. وَيُسْتَحَبُّ الاِجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَإِنَّمَا تُلْتَمَسُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لاَ بِأَنَّ لَهَا صُورَةً وَهَيْئَةً يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا بِخِلاَفِ سَائِرِ اللَّيَالِي كَمَا يَظُنُّ أَهْلُ الْجَهْلِ, إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالْهُدَى وَالْعِصْمَةَ آمِينَ.
|