الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَمَنْ أَقَامَ مِنْ قَبْلِ الْفَجْرِ وَلَمْ يُسَافِرْ إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي سَفَرِهِ فَعَلَيْهِ إذَا نَوَى الإِقَامَةَ الْمَذْكُورَةَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ وَلاَ بُدَّ, سَوَاءٌ كَانَ فِي جِهَادٍ, أَوْ عُمْرَةٍ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ, لأَِنَّهُ إنَّمَا أُلْزِمَ الْفِطْرَ إذَا كَانَ عَلَى سَفَرٍ وَهَذَا مُقِيمٌ; فَإِنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَقَدْ أَخْطَأَ إنْ كَانَ جَاهِلاً مُتَأَوِّلاً, وَعَصَى إنْ كَانَ عَالِمًا، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ; لأَِنَّهُ مُقِيمٌ صَحِيحٌ ظَنَّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ; فَإِنْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي سَفَرِهِ أَنْ يَرْحَلَ غَدًا فَلَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ حَدَثَتْ لَهُ إقَامَةٌ فَهُوَ مُفْطِرٌ; لأَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِمَا فَعَلَ, وَهُوَ عَلَى سَفَرٍ مَا لَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهَذَا بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ; لأَِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الصَّلاَةِ بِقَصْرِ عِشْرِينَ يَوْمًا يُقِيمُهَا فِي الْجِهَادِ, وَبِقَصْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يُقِيمُهَا فِي الْحَجِّ. وَبِقَصْرِ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ مُقِيمًا مَا بَيْنَ نُزُولِهِ إلَى رَحِيلِهِ مِنْ غَدٍ, وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنْ يُفْطِرَ فِي غَيْرِ يَوْمٍ لاَ يَكُونُ فِيهِ مُسَافِرًا. فإن قيل: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ إلاَّ مُسَافِرٌ أَوْ شَاهِدٌ; فَالشَّاهِدُ يَصُومُ وَالْمُسَافِرُ يُفْطِرُ وَلَيْسَ الْمُسَافِرُ إلاَّ الْمُنْتَقِلُ لاَ الْمُقِيمُ; فَلاَ يُفْطِرُ إلاَّ مَنْ انْتَقَلَ بِخِلاَفِ مَنْ لَمْ يَنْتَقِلْ, وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا صَائِمًا فَحَدَثَ لَهُ سَفَرٌ فَإِنَّهُ إذَا بَرَزَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَقَدْ سَافَرَ فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل: بَلْ نَقِيسَ الصَّوْمَ عَلَى الصَّلاَةِ قلنا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً; لأَِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ قَصْرَ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ لاَ يُقَاسَ عَلَيْهِ قَصْرُ سَائِرِهَا, فَإِذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ قِيَاسُ قَصْرِ صَلاَةٍ عَلَى قَصْرِ صَلاَةٍ أُخْرَى فَأَبْطَلُ وَأَبْعَدُ أَنْ يُقَاسَ فِطْرٌ عَلَى فِطْرٍ; وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْوِي فِي الصَّلاَةِ الْمُسَافِرُ إقَامَةً فَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ الْمُقِيمِ، وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ, فَبَطَلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخِرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْحَيْضُ الَّذِي يُبْطِلُ الصَّوْمَ هُوَ الأَسْوَدُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: فَإِذَا جَاءَ الآخَرُ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ, وَغَيْرِهَا كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا. وَإِذَا رَأَتْ الْحَائِضُ الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ رَأَتْهُ النُّفَسَاءُ وَأَتَمَّتَا عِدَّةَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَخَّرَتَا الْغُسْلَ عَمْدًا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ اغْتَسَلَتَا وَأَدْرَكَتَا الدُّخُولَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَضُرَّهُمَا شَيْئًا وَصَوْمُهُمَا تَامٌّ لأَِنَّهُمَا فَعَلَتَا مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُمَا; فَإِنْ تَعَمَّدَتَا تَرْكَ الْغُسْلِ حَتَّى تَفُوتَهُمَا الصَّلاَةُ بَطَلَ صَوْمُهُمَا; لأَِنَّهُمَا عَاصِيَتَانِ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ عَمْدًا, فَلَوْ نَسِيَتَا ذَلِكَ أَوْ جَهِلَتَا فَصَوْمُهُمَا تَامٌّ; لأَِنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا مَعْصِيَةً; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَتَصُومُ الْمُسْتَحَاضَةُ كَمَا تُصَلِّي عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ فَأَخَّرَ قَضَاءَهَا عَمْدًا, أَوْ لِعُذْرٍ, أَوْ لِنِسْيَانٍ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا أَفْطَرَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ قَضَى الأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَلاَ مَزِيدَ, وَلاَ إطْعَامَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ; وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَهَا عِدَّةَ سِنِينَ، وَلاَ فَرْقَ إلاَّ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ فِي تَأْخِيرِهَا عَمْدًا سَوَاءٌ أَخَّرَهَا إلَى رَمَضَانَ أَوْ مِقْدَارَ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهَا مِنْ الأَيَّامِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك: يُطْعِمُ مَعَ الْقَضَاءِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الرَّمَضَانِ الآتِي مُدًّا مُدًّا عَدَدَهَا مَسَاكِينَ إنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْقَضَاءِ; فَإِنْ كَانَ تَمَادَى مَرَضُهُ قَضَى، وَلاَ إطْعَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد: وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ رضي الله عنهم أَقْوَالاً: فَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ, وَابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ ,. وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ, وَعَطَاءٌ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الآخَرَ، وَلاَ يَقْضِي الأَوَّلَ بِصِيَامٍ, لَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مُدًّا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو قَتَادَةَ, وَعِكْرِمَةُ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا: يُهْدِي مَكَانَ كُلِّ رَمَضَانَ فَرَّطَ فِي قَضَائِهِ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَصُومُ هَذَا وَيَقْضِي الأَوَّلَ وَلَمْ يَذْكُرْ طَعَامًا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَالْحَسَنِ, وَطَاوُسٍ, وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ عَلِيٌّ: عَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَهُمْ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ; فَهَلاَّ قَالُوهُ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبَدَنَتَيْنِ . وَالْمُتَابَعَةُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ نَعْنِي أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ قَضَائِهَا مُتَفَرِّقَةً. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا لاَ تُجْزِئُ إلاَّ مُتَتَابِعَةً بِأَنَّ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ ". قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: نَزَلَتْ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ " فَسَقَطَتْ " مُتَتَابِعَاتٌ ". قال أبو محمد: سُقُوطُهَا مُسْقِطٌ لِحُكْمِهَا, لأَِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ الْقُرْآنُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلاَّ بِإِسْقَاطِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قلنا: لَوْلاَ إخْبَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّجْمِ لَمَا جَازَ الْعَمَلُ بِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الآيَةِ النَّازِلَةِ بِهِ لأَِنَّ مَا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى فَلاَ يَجُوزُ لَنَا إبْقَاءُ لَفْظِهِ، وَلاَ حُكْمِهِ إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ.
769 - مَسْأَلَةٌ وَالأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ عَرَفَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صِيَامُهُ إنْ كَانَ مُقِيمًا لأَِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِصَوْمِهِ فِي الْقُرْآنِ; فَإِنْ سُوفِرَ بِهِ أَفْطَرَ، وَلاَ بُدَّ لأَِنَّهُ عَلَى سَفَرٍ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لِمَا ذُكِرَ قَبْلُ; فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّهْرَ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ صِيَامُهُ وَلَزِمَتْهُ أَيَّامٌ أُخَرُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَإِلاَّ فَلاَ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَتَحَرَّى شَهْرًا وَيُجْزِئُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ وَافَقَ شَهْرًا قَبْلَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ, وَإِنْ وَافَقَ شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ, لأَِنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا تَحَرِّي شَهْرٍ فَيُجَزِّئُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ قَضَاءً فَحُكْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ, وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ. قلنا: هَذَا بَاطِلٌ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ التَّحَرِّيَ عَلَى مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ; بَلْ مَنْ جَهِلَهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا, فَيُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلاَةِ. قلنا: وَهَذَا بَاطِلٌ, أَيْضًا, لأَِنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ صَلاَةٌ إلاَّ حَتَّى يُوقِنَ بِدُخُولِ وَقْتِهَا. قال أبو محمد: وَ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَعَلَيْهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمَرِيضِ فِيهِ وَالْمُسَافِرِ فِيهِ وَهُوَ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ, فَيَقْضِي الأَيَّامَ الَّتِي سَافَرَ, وَاَلَّتِي مَرِضَ فَقَطْ، وَلاَ بُدَّ; وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ بِأَنَّهُ مَرِضَ فِيهِ أَوْ سَافَرَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْحَامِلُ, وَالْمُرْضِعُ, وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ كُلُّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ, فَإِنْ خَافَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى الْمُرْضَعِ قِلَّةَ اللَّبَنِ وَضَيْعَتَهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا, أَوْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا, أَوْ خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ, أَوْ عَجَزَ الشَّيْخُ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرِهِ: أَفْطَرُوا، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ إطْعَامَ, فَإِنْ أَفْطَرُوا لِمَرَضٍ بِهِمْ عَارِضٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ. أَمَّا قَضَاؤُهُمْ لِمَرَضٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وأما وُجُوبُ الْفِطْرِ عَلَيْهِمَا فِي الْخَوْفِ عَلَى الْجَنِينِ, وَالرَّضِيعِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ فَإِذْ رَحْمَةُ الْجَنِينِ, وَالرَّضِيعِ: فَرْضٌ, وَلاَ وُصُولَ إلَيْهَا إلاَّ بِالْفِطْرِ: فَالْفِطْرُ فَرْضٌ; وَإِذْ هُوَ فَرْضٌ فَقَدْ سَقَطَ عنهما الصَّوْمُ, وَإِذَا سَقَطَ الصَّوْمُ فَإِيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءَ إلاَّ عَلَى الْمَرِيضِ, وَالْمُسَافِرِ, وَالْحَائِضِ, وَالنُّفَسَاءِ, وَمُتَعَمِّدِ الْقَيْءِ فَقَطْ, وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وأما الشَّيْخُ الَّذِي لاَ يُطِيقُ الصَّوْمَ لِكِبَرِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ فِي وُسْعِهِ فَلَمْ يُكَلِّفْهُ. وأما تَكْلِيفُهُمْ إطْعَامًا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ. قال أبو محمد: رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلْقَمَةَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ: إنِّي حُبْلَى وَأَنَا أُطِيقُ الصَّوْمَ وَزَوْجِي يَأْمُرُنِي أَنْ أُفْطِرَ فَقَالَ لَهَا عَلْقَمَةُ: أَطِيعِي رَبَّكِ وَأَعْصِي زَوْجَكِ. وَمِمَّنْ أَسْقَطَ عَنْهَا الْقَضَاءَ: رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ وَهِيَ حُبْلَى فَقَالَ لَهَا: أَفْطِرِي وَأَطْعِمِي كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلاَ تَقْضِي. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ, وَقَتَادَةَ كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لاََمَةٍ لَهُ مُرْضِعٍ: أَنْتِ بِمَنْزِلَةِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ أَفْطِرِي وَأَطْعِمِي كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلاَ تَقْضِي. رُوِّينَا كِلَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادٍ, وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: تُفْطِرُ الْحَامِلُ الَّتِي فِي شَهْرِهَا وَالْمُرْضِعُ الَّتِي تَخَافُ عَلَى وَلَدِهَا وَتُطْعِمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمَا. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ, وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِمَّنْ أَسْقَطَ الإِطْعَامَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُفْطِرُ الْحَامِلُ, وَالْمُرْضِعُ فِي رَمَضَانَ وَيَقْضِيَانِهِ صِيَامًا، وَلاَ إطْعَامَ عَلَيْهِمَا. وَمِثْلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ, وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَسُفْيَانَ. وَمِمَّنْ رَأَى عَلَيْهِمَا الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ عَلَى وَلَدِهَا فَلْتُفْطِرْ وَلْتُطْعِمْ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ وَلِتَقْضِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد: فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى إيجَابِ الْقَضَاءِ، وَلاَ عَلَى إيجَابِ الإِطْعَامِ فَلاَ يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ; إذْ لاَ نَصَّ فِي وُجُوبِهِ، وَلاَ إجْمَاعَ, وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ. مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ, فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَقَدْ رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِنَا كَمَا رُوِّينَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيِّ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُرْضِعٍ فِي رَمَضَانَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَرَخَّصَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْفِطْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً، وَلاَ طَعَامًا, وقال مالك: أَمَّا الْمُرْضِعُ فَتُفْطِرُ وَتُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَتَقْضِي مَعَ ذَلِكَ, وأما الْحَامِلُ فَتَقْضِي، وَلاَ إطْعَامَ عَلَيْهَا, وَلاَ يُحْفَظْ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ رَأَى الإِطْعَامَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حدثنا قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ, وَالشَّيْخِ, وَالْعَجُوزِ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْقَضَاءَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُرَخِّصُ لِلْحُبْلَى, وَالْمُرْضِعِ أَنْ يُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ فَإِذَا أَفْطَمَتْ الْمُرْضِعُ, وَوَضَعَتْ الْحُبْلَى جَدَّدَتَا صَوْمَهُمَا. قَالَ عَلِيٌّ: حَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ; وَحَدِيثُ الضَّحَّاكِ فِيهِ ثَلاَثُ بَلاَيَا, جُوَيْبِرٌ وَهُوَ سَاقِطٌ وَالضَّحَّاكُ مِثْلُهُ وَالإِرْسَالُ مَعَ ذَلِكَ, لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ قَبْلُ فِي حُكْمِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ, أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُمْ يُصَرِّفُونَ هَذِهِ الآيَةَ تَصْرِيفَ الأَفْعَالِ فِي غَيْرِ مَا أُنْزِلَتْ فِيهِ, فَمَرَّةً يَحْتَجُّونَ بِهَا فِي أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ, وَمَرَّةً يُصَرِّفُونَهَا فِي الْحَامِلِ, وَالْمُرْضِعِ, وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ, وَكُلُّ هَذَا إحَالَةٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى, وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ, وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَسْتَجِيزُ مَنْ يَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ مِثْلَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَفِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وأما الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ, وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ الإِطْعَامَ عَلَيْهِ وَاجِبًا ". وقال الشافعي مَرَّةً كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَرَّةً كَقَوْلِ مَالِكٍ. قال أبو محمد: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ, وَجَرِيرٍ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٌ يُكَلَّفُونَهُ، وَلاَ يُطِيقُونَهُ. قَالَ: هَذَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْهَرِمُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ الْهَرِمَةُ لاَ يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِثْلَهُ. قال علي: هذا صَحِيحٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ: إنَّهُ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ ضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ إذْ كَبِرَ فَكَانَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, قَالَ قَتَادَةُ: الْوَاحِدُ كَفَّارَةٌ, وَالثَّلاَثَةُ تَطَوُّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَعَنْ الْحَسَنِ, وَقَتَادَةَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ, وَالْعَجُوزِ: أَنَّهُمَا يُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَعَنْ عَطَاءٍ, وَالْحَسَنِ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّائِبِ وَهُوَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ. وَعَنْ مَكْحُولٍ, وَطَاوُسٍ, وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِيمَنْ مَنَعَهُ الْعُطَاشُ مِنْ الصَّوْمِ: أَنَّهُ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا. قال أبو محمد: فَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الشَّيْخِ الَّذِي لاَ يُطِيقُ الصَّوْمَ لِهَرَمِهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ, وَلَمْ يَرَهُ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ. وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ عَلَى الْمُرْضِعِ خَاصَّةً, وَلَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْحَامِلِ، وَلاَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ; وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ; لأَِنَّهُمْ كُلَّهُمْ أُبِيحَ لَهُمْ الْفِطْرُ دُونَ إطْعَامٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالشَّيْخُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَرِيضِ, وَالْمُسَافِرِ, لأَِنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ كَمَا أُبِيحَ لَهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنْفُسِهِمَا; وأما الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ; فَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمَا الْفِطْرُ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ: وأما الْمَالِكِيُّونَ فَيُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا: عَلِيًّا, وَابْنَ عَبَّاسٍ, وَقَيْسَ بْنَ السَّائِبِ; وَأَبَا هُرَيْرَةَ, وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَخَالَفُوا: عِكْرِمَةَ, وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ, وَعَطَاءً, وَقَتَادَةَ, وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ, وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ هَذَا. قال أبو محمد: وأما نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وأما الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَقِرَاءَةٌ لاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا; لأَِنَّ الْقُرْآنَ لاَ يُؤْخَذُ إلاَّ عَنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلْيَقْرَأْ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَحَاشَ اللَّهَ أَنْ يُطَوِّقَ الشَّيْخَ مَا لاَ يُطِيقُهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ, وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَسْخُ هَذِهِ الآيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ, وَفِي بَابِ صَوْمِ الْمُسَافِرِ, وَأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ قَطُّ فِي الشَّيْخِ, وَلاَ فِي الْحَامِلِ, وَلاَ فِي الْمُرْضِعِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي حَالٍ وَقَدْ نُسِخَتْ وَبَطَلَتْ. وَالشَّيْخُ, وَالْعَجُوزُ اللَّذَانِ لاَ يُطِيقَانِ الصَّوْمَ فَالصَّوْمُ لاَ يَلْزَمُهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نَعَمْ, وَبَعْضُهُمْ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ عَنْهُ فِيمَنْ أَخْرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهِ فَتَعَمَّدَ أَكْلَهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ, ثُمَّ يُوجِبُونَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مِمَّنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالإِفْطَارِ وَأَبَاحَهُ لَهُ مِنْ مُرْضِعٍ خَائِفَةٍ عَلَى رَضِيعِهَا التَّلَفَ, وَشَيْخٍ كَبِيرٍ لاَ يُطِيقُ الصَّوْمَ ضَعْفًا, وَحَامِلٍ تَخَافُ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا; وَحَسْبُكَ بِهَذَا تَخْلِيطًا، وَلاَ يَحِلُّ قَبُولُ مِثْلِ هَذَا إلاَّ مِنْ الَّذِي لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم . وَمَنْ وَطِئَ مِرَارًا فِي الْيَوْمِ عَامِدًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَمَنْ وَطِئَ فِي يَوْمَيْنِ عَامِدًا فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ, سَوَاءٌ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ لِكُلِّ ذَلِكَ وَلَوْ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ إلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ كَفَّرَ ثُمَّ أَفْطَرَ نَهَارًا آخَرَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَفَّرَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ لَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ الأَيَّامُ مِنْ شَهْرٍ وَاحِدٍ; فَإِنْ كَانَ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ أَفْطَرَ فِيهِمَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ اثْنَيْنِ, فَلِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ غَيْرُ كَفَّارَةِ الْيَوْمِ الآخَرِ. فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ أَيَّامَ رَمَضَانَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ يَوْمًا وَاحِدًا مِنْهَا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ, إذَا لَمْ يُكَفِّرْ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ, وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَتَيْنِ كَفَّرَ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَكَفَّرَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ; فَمَرَّةٌ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى, وَمَرَّةٌ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ الْكَفَّارَةُ الَّتِي كَفَّرَ بَعْدُ. وقال مالك وَاللَّيْثُ, وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ, وَالشَّافِعِيُّ: مِثْلَ قَوْلِنَا وَهُوَ عَطَاءٍ, وَأَحَدُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد: وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ بِالْكَفَّارَةِ. فَصَحَّ أَنَّ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْكَفَّارَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا, وَكُلُّ يَوْمٍ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْيَوْمِ; لأَِنَّ الْخِطَابَ بِالْكَفَّارَةِ وَاقِعٌ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ، وَلاَ فَرْقَ. فإن قيل: هَلاَّ قِسْتُمْ هَذَا عَلَى الْحُدُودِ قلنا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ; لأَِنَّ الْحُدُودَ الَّتِي يُقِيمُهَا الإِمَامُ وَالْحَاكِمُ عَلَى الْمَرْءِ كُرْهًا, وَلاَ يَحِلُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى نَفْسِهِ, بِخِلاَفِ الْكَفَّارَةِ الَّتِي إنَّمَا يُقِيمُهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ, وَلَيْسَ مُخَاطَبًا بِالْحُدُودِ عَلَى نَفْسِهِ; وَفُرُوقٌ أُخَرُ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُدُودِ وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَأَى إنْ كَانَ الْيَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ فَكَفَّارَتَانِ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ خِلاَفَ مِنْهُ فِي أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِامْرَأَتَيْنِ مِنْ بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي عَامَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فَحَدٌّ وَاحِدٌ, وَلَوْ شَرِبَ خَمْرًا مِنْ عَصِيرِ عَامٍ وَاحِدٍ, وَخَمْرًا مِنْ عَصِيرِ عَامٍ آخَرَ فَحَدٌّ وَاحِدٌ, وَلَوْ سَرَقَ فِي عَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَقَطْعٌ وَاحِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ مَا ذَكَرْنَا, وَرَأَى فِيمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتَيْهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ امْرَأَةٍ كَفَّارَةً أُخْرَى. وَقَالَ فِيمَنْ قَالَ فِي مَجْلِسٍ: وَاَللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا, ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ: وَاَللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا: أَنَّهُمَا يَمِينَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ, وَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا: فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وأما إذَا كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْهُ إلاَّ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَعَادَ أَمْ لاَ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ فَقَدْ أَفْطَرَ, فَالْوَطْءُ الثَّانِي وَقَعَ فِي غَيْرِ صِيَامٍ فَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ, وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْوَاطِئَ بِأَوَّلِ إيلاَجِهِ مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَاوَدَ أَوْ لَمْ يُعَاوِدْ, وَلاَ كَفَّارَةَ فِي إيلاَجِهِ ثَانِيَةً بِالنَّصِّ, وَالإِجْمَاعِ . وَمَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ عَدَدُ الأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ وَلاَ يُجْزِئُهُ شَهْرٌ نَاقِصٌ مَكَانَ تَامٍّ, وَلاَ يَلْزَمُهُ شَهْرٌ تَامٌّ مَكَانَ نَاقِصٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: 773 - مَسْأَلَةٌ وَلِلْمَرْءِ أَنْ يُفْطِرَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ لاَ نَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ, إلاَّ أَنَّ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ عَامِدًا قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا فَرْضٌ وَتَطَوُّعٌ, وَهَذَا مَعْلُومٌ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ, وَالسُّنَنِ, وَالإِجْمَاعِ, وَضَرُورَةِ الْعَقْلِ, إذْ لاَ يُمْكِنُ قِسْمٌ ثَالِثٌ أَصْلاً; فَالْفَرْضُ هُوَ الَّذِي يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ; وَالتَّطَوُّعُ هُوَ الَّذِي لاَ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ وَلَوْ عَصَى لَكَانَ فَرْضًا, وَالْمُفَرِّطُ فِي التَّطَوُّعِ تَارِكٌ مَا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ فَرْضًا, فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الأَعْرَابِيَّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الصَّوْمِ فَأَخْبَرَهُ عليه السلام بِرَمَضَانَ فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ: لاَ إلاَّ أَنْ تَتَطَوَّعَ شَيْئًا فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ; فَقَالَ عليه السلام: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ, دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ فَلَمْ يَجْعَلْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي تَرْكِ التَّطَوُّعِ كَرَاهَةً أَصْلاً. وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ قَطَعَ صَلاَةَ تَطَوُّعٍ, أَوْ بَدَا لَهُ فِي صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ, أَوْ فَسَخَ عَمْدًا حَجَّ تَطَوُّعٍ, أَوْ اعْتِكَافَ تَطَوُّعٍ, وَلاَ فَرْقَ لِمَا ذَكَرْنَا, وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَيْهَا, وَإِيجَابُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلاَّ فِي فِطْرِ التَّطَوُّعِ فَقَطْ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فإن قيل: إنَّكُمْ تُوجِبُونَ فَرْضًا فِي الصَّوْمِ غَيْرَ رَمَضَانَ كَالنَّذْرِ وَصِيَامِ الْكَفَّارَاتِ قلنا: نُوجِبُ مَا أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنُضِيفُهُ إلَى فَرْضِ رَمَضَانَ, وَلاَ نُوجِبُ مَا لَمْ يُوجِبْ، وَلاَ نَتَعَدَّى حُدُودَهُ، وَلاَ نُعَارِضُهُ بِآرَائِنَا, وَقَدْ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ: كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَانَا يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ قلنا: نَعَمْ, أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ: أَمَّا إنِّي أَصْبَحْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلَ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ, حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حدثنا أَبُو الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا, فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ; قَالَ سَلْمَانُ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ, وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَفِيهِ: أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ لَهُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا, وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, وَلاَِهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ, فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عليه السلام: صَدَقَ سَلْمَانُ فَهَذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَوَّبَ قَوْلَ سَلْمَانَ فِي إفْطَارِ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْحَفْرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِطَعَامٍ وَهُوَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَقَالَ لاَِبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اُدْنُوَا فَكُلاَ قَالاَ: إنَّا صَائِمَانِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارْحَلُوا لِصَاحِبِكُمْ, اعْمَلُوا لِصَاحِبِكُمْ, اُدْنُوَا فَكُلاَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ صِحَاحٌ, وَبِهَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَكِّيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: إنِّي أَصْبَحْت صَائِمًا فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا فَمَا تَرَوْنَ قَالَ: فَلَمْ يَأْلُوا مَا شَكُّوا عَلَيْهِ, وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَصَبْت حَلاَلاً وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ; قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الَّذِي يَأْكُلُ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الصِّيَامُ تَطَوُّعًا وَالطَّوَافُ وَالصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ إنْ شَاءَ مَضَى وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ. وَرُوِّينَا أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ يُفْطِرُ، وَلاَ يُبَالِي وَيَأْمُرُ بِقَضَاءِ يَوْمٍ مَكَانَهُ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِإِفْطَارِ التَّطَوُّعِ بَأْسًا. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَعَطَاءٍ, وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى; وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, إلاَّ أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا فِي ذَلِكَ قَضَاءً. وقال مالك: إنْ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يُتِمُّ صَوْمَهُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ عَمْدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَيَقْضِي. قَالَ عَلِيٌّ: وَلاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ خِلاَفِهِ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم: أَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَعَلِيٍّ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَابْنِ عُمَرَ, وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ. وأما إيجَابُنَا الْقَضَاءَ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَصْبَحْتُ صَائِمَةً أَنَا وَحَفْصَةُ أُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَأَعْجَبَنَا فَأَفْطَرْنَا فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَدَرَتْنِي حَفْصَةُ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْخَبَرِ, إلاَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لأَِنَّ جَرِيرًا ثِقَةٌ; وَدَعْوَى الْخَطَأِ بَاطِلٌ إلاَّ أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي لَهُ بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ; وَلَيْسَ انْفِرَادُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادِهِ عِلَّةً, لأَِنَّهُ ثِقَةٌ. قال أبو محمد: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ مَا أَفْطَرَ بِهِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمٌ وَاحِدٌ, فَمِنْ مُوجِبٍ لِلْقَضَاءِ فِي كُلِّ ذَلِكَ, وَمُسْقِطٍ لَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ; وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِالْقَضَاءِ فِي الإِفْطَارِ فَمَا نُبَالِي بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الإِفْطَارِ نَاسِيًا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرْضٍ فَخَطَأٌ لاَ وَجْهَ لَهُ, وَلَيْسَ إلاَّ صَائِمٌ أَوْ مُفْطِرٌ, فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْقَضَاءِ أَوْ تَرْكِهِ; وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلاَ قَضَاءَ عَلَى صَائِمٍ.
774 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ قَضَاءُ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَطْ لأَِنَّ إيجَابَ الْقَضَاءِ إيجَابُ شَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ كَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ; لأَِنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ. قال أبو محمد: هَذَا أَصَحُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِيَاسِ إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا, وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ, يَوْمِ رَمَضَانَ, وَيَوْمِ الْقَضَاءِ.
775 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ, أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَاجِبَةٍ فَفَرْضٌ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَنْ يَصُومُوهُ عَنْهُ هُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَلاَ إطْعَامَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَصُومُهُ عَنْهُ، وَلاَ بُدَّ أَوْصَى بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَغَيْرِهِمَا. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: إنْ أَوْصَى أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ, وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالإِطْعَامُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مُدٌّ مُدٌّ, وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صَاعٌ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ, نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ دَقِيقِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ كَمَا قلنا. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي النَّذْرِ خَاصَّةً. قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ. حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ, وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ, وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، حدثنا أَبِي. ثُمَّ اتَّفَقَ مُوسَى, وَابْنُ وَهْبٍ كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَعَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ سَائِلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. قال أبو محمد: سَمِعَهُ الأَعْمَشُ مِنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ, وَمِنْ الْحَكَمِ, وَمِنْ سَلَمَةَ, وَسَمِعَهُ الْحَكَمُ, وَسَلَمَةُ مِنْ مُجَاهِدٍ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ, وَعَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ السَّعْدِيِّ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ, وَقَالَ عَبْدٌ حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ حدثنا عَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ, ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ نُمَيْرٍ, وَسُفْيَانُ, وَعَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ, كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ: صُومِي, قَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ: حُجِّي عَنْهَا. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: شَهْرَيْنِ, وَاتَّفَقُوا عَلَى كُلٍّ مَا عَدَا ذَلِكَ. قال أبو محمد: فَهَذَا الْقُرْآنُ, وَالسُّنَنُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْمُتَظَاهِرَةُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا, وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: يُحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ, ثُمَّ لاَ يَرَوْنَ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ, وَكِلاَهُمَا عَمَلُ بَدَنٍ, وَلِلْمَالِ فِي إصْلاَحِ مَا فَسَدَ مِنْهُمَا مَدْخَلٌ بِالْهَدْيِ, وَبِالإِطْعَامِ, وَبِالْعِتْقِ, فَلاَ الْقُرْآنَ اتَّبَعُوا, وَلاَ بِالسُّنَنِ أَخَذُوا، وَلاَ الْقِيَاسَ عَرَفُوا, وَشُغِلُوا فِي ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا: أَنَّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: عِلْمٌ عَلَّمَهُ, أَوْ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ, أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ. وَبِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى مَاتَ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ, وَإِنْ صَحَّ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ وقال بعضهم: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمَا رَوَيَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا الصِّيَامَ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ اسْمُهَا عَمْرَةُ: أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَقْضِيه عَنْهَا قَالَتْ: لاَ, بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ. وَإِذَا تَرَكَ الصَّاحِبُ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ, إذْ لَوْ تَعَمَّدَ مَا رَوَاهُ لَكَانَتْ جُرْحَةً فِيهِ, وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. وَقَالُوا: لاَ يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لاَ يُصَلَّى عَنْهُ قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ, وَهُوَ كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ, أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ: مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى, وَمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ لَهُ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ عَنْهُ, وَالصَّوْمُ عَنْهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الآيَةِ فَقَالُوا: إنْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ, أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ, أَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ, فَأَجْرُ كُلِّ ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ حَقَّ بِهِ, فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: إنَّمَا يُحَجُّ عَنْهُ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ, لأَِنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى قلنا لَهُ: فَقُولُوا: بِأَنْ يُصَامَ عَنْهُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ لأَِنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى. فَإِنْ قَالُوا: لِلْمَالِ فِي الْحَجِّ مَدْخَلٌ فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ قلنا: وَلِلْمَالِ فِي الصَّوْمِ مَدْخَلٌ فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالْعِتْقِ وَالاِطِّعَامِ; وَكُلُّ هَذَا مِنْهُمْ تَخْلِيطٌ, وَتَنَاقُضٌ, وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ يُجِيزُونَ الْعِتْقَ عَنْهُ, وَالصَّدَقَةَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ. وأما إخْبَارُهُ عليه السلام بِأَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ, فَصَحِيحٌ, وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا الْفَضِيحَةَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ قَالَ لَهُمْ: إنَّ صَوْمَ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ هُوَ عَمَلُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَأْتُوا بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلاَّ انْقِطَاعُ عَمَلِ الْمَيِّتِ فَقَطْ, وَلَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعُ عَمَلِ غَيْرِهِ أَصْلاً, وَلاَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ; فَظَهَرَ قُبْحُ تَمْوِيهِهِمْ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً وأما حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَلاَ تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلاَّ عَلَى سَبِيلِ بَيَانِ فَسَادِهَا لِعِلَلٍ ثَلاَثٍ فِيهِ: إحْدَاهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ, وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ فِيهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ, وَهُوَ سَاقِطٌ, وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ كَذَّابٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ; لأَِنَّ فِيهِ إيجَابَ الإِطْعَامِ عَنْهُ إنْ صَحَّ بَعْدَ أَنْ مَرِضَ, وَالْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ, إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ, وَإِلاَّ فَلاَ. فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِهِ قلنا: كَذَبْتُمْ وَزِدْتُمْ فِي الْخَبَرِ خِلاَفَ مَا فِيهِ, لأَِنَّ فِيهِ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَصِحَّ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ فَلَوْ أَرَادَ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ لَمَا كَانَ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ تَمَادِي مَرَضِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَلاَ يُطْعَمُ عَنْهُ, وَبَيْنَ صِحَّتِهِ بَيْنَ مَرَضِهِ وَمَوْتِهِ فَيُطْعَمُ عَنْهُ; لأَِنَّهُ إنْ أَوْصَى بِالإِطْعَامِ عَنْهُ, وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ عِنْدَهُمْ; فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْهَالِكِ وَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. وأما تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّ عَائِشَةَ, وَابْنَ عَبَّاسٍ رَوَيَا الْخَبَرَ وَتَرَكَاهُ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَا قَالُوا, لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ رِوَايَةِ الصَّاحِبِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَفْتَرِضْ عَلَيْنَا قَطُّ اتِّبَاعَ رَأْيِ أَحَدِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الصَّاحِبُ اتِّبَاعَ مَا رَوَى لِوُجُوهٍ غَيْرِ تَعَمُّدِ الْمَعْصِيَةِ, وَهِيَ أَنْ يَتَأَوَّلَ فِيمَا رَوَى تَأْوِيلاً مَا اجْتَهَدَ فِيهِ فَأَخْطَأَ فَأُجِرَ مَرَّةً, أَوْ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ مَا رَوَى فَأَفْتَى بِخِلاَفِهِ; أَوْ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِخِلاَفِهِ وَهُمَا مِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ الصَّاحِبِ; فَإِذْ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنُ فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا لَمْ يَأْمُرْنَا بِاتِّبَاعِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَلُ فَكَيْفَ وَكُلُّهَا مُمْكِنٌ فِيهِ، وَلاَ مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْخَبَرِ, لأَِنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنْ يُقَالَ: كَوْنُ ذَلِكَ الْخَبَرِ عِنْدَ ذَلِكَ الصَّاحِبِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِخِلاَفِهِ, أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وأما إذَا خَالَفَ قَوْلُ الصَّاحِبِ رَأْيَ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَأَهْوَنُ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ إطْرَاحُ رَأْيِ الصَّاحِبِ وَالتَّعَلُّقُ بِرِوَايَتِهِ وَهَذَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ الدِّينِ وَقِلَّةِ الْوَرَعِ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها رَوَتْ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَالَةِ الآُولَى. ثُمَّ رُوِيَ عَنْهَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقِ الإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ; فَتَعَلَّقَ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا رَأْيَهَا, إذْ خَالَفَتْ فِيهِ مَا رَوَتْ, وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٍ ثُمَّ أَنْكَحَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبُوهَا غَائِبٌ بِالشَّامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ, وَأَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَلَغَهُ أَشَدَّ الإِنْكَارِ, فَخَالَفُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ ثُمَّ كَانَتْ لاَ تُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا, وَتُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ بَنَاتُ أَخَوَاتِهَا, فَتَرَكُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ عَنْهُ: إيجَابَ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ, وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَأَنَّهُ لاَ يَقْضِيهِ, فَتَرَكُوا الثَّابِتَ مِنْ رَأْيِهِ لِلْهَالِكِ مِنْ رِوَايَتِهِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ثُمَّ رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَاءَانِ لاَ يُجْزِئَانِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ: مَاءُ الْبَحْرِ وَمَاءُ الْحَمَّامِ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ " مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ " مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ, وَصَحَّ عَنْهُ مِنْ رَأْيِهِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَتَرَكَ الْحَنَفِيُّونَ رَأْيَهُ لِرِوَايَتِهِ, وَهَذَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ جِدًّا وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ تُحَقِّقُ تَلاَعُبَ الْقَوْمِ بِدِينِهِمْ. وَالرَّابِعُ أَنْ نَقُولَ: لَعَلَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِيهِ الإِطْعَامُ كَأَنْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَتْ فَلاَ صَوْمَ عَلَيْهَا وَالْخَامِسُ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفُتْيَا بِمَا رُوِيَ مِنْ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ, أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ لَمْ نُكَلَّفْهُ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ السَّلَفِ فِي هَذَا أَقْوَالٌ: رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لاَِخِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: إنَّ عَلَيَّ رَمَضَانَيْنِ لَمْ أَصُمْهُمَا فَسَأَلَ أَخُوهُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: بَدَنَتَانِ مُقَلَّدَتَانِ, ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شَأْنُ الْبُدْنِ وَشَأْنُ الصَّوْمِ, أَطْعِمْ عَنْ أَخِيكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قال أبو محمد: إنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْبَدَنَتَيْنِ حُجَّةً فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الإِطْعَامِ حُجَّةً، وَلاَ فَرْقَ; وَلَعَلَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُطِيقًا لِلصَّوْمِ, أَوْ لَعَلَّ ذَيْنَكَ الرَّمَضَانَيْنِ كَانَا عَنْ تَعَمُّدٍ فَلاَ قَضَاءَ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ صَوْمٌ وَلَمْ يَصِحَّ قَبْلَ مَوْتِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنْ صَحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ حِنْطَةً. وَعَنْ الْحَسَنِ إنْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, فَإِنْ صَحَّ فَلَمْ يَقْضِ صَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مَكُّوكٌ مِنْ بُرٍّ, وَمَكُّوكٌ مِنْ تَمْرٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ طَائِفَةٍ مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ, وَقَدْ جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ: لاَ إطْعَامَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ صِيَامَ, وَأَيْضًا فَإِنَّ احْتِجَاجَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ بِتَرْكِ عَائِشَةَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لأَِنَّهُمْ خَالَفُوا عَائِشَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهَا أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ لِمِسْكِينٍ, وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ: بِهَذَا, فَإِنْ كَانَ تَرْكُ عَائِشَةَ لِلْخَبَرِ حُجَّةً, فَقَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةً فَلَيْسَ تَرْكُهَا لِلْخَبَرِ حُجَّةً, فَظَهَرَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ بِمَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ فَقَطْ; فَإِذَا خَالَفَ مَنْ قَلَّدُوهُ هَانَ عَلَيْهِمْ خِلاَفُ الصَّاحِبِ, وَهَذَا دَلِيلُ سَوْءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وأما قَوْلُ أَحْمَدَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ, وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَنَذْرُ شَهْرٍ: يُطْعَمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ وَيَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ نَذْرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَصَوْمُ شَهْرٍ فَقَالَ: يُطْعَمُ عَنْهُ لِرَمَضَانَ وَيُصَامُ عَنْهُ النَّذْرُ, وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ; فَإِنْ كَانَ تَرْكُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْخَبَرِ حُجَّةً فَأَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ حُجَّةٌ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ بِهِ حُجَّةً فَتَرْكُهُ مَا تَرَكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَمَا عَدَا هَذَا فَتَلاَعُبٌ بِالدِّينِ. وأما قَوْلُنَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثُونِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ: إنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يُطْعَمُ عَنْهُ صَامَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ, وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ قَضَى عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ, قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صِيَامٍ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ. قال أبو محمد: لَيْسَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ, وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ; لأَِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ أَوْجَبَ مَا أَوْجَبَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِالإِطْعَامِ فَيُطْعَمَ عَنْهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ قَالَ بِهَذَا; إلاَّ رِوَايَةً عَنْ الْحَسَنِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا. وأما قَوْلُهُمْ: لاَ يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لاَ يُصَلَّى عَنْهُ; فَبَاطِلٌ وَقِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يُصَلَّى عَنْهُ النَّذْرُ, وَصَلاَةُ فَرْضٍ إنْ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى مَاتَ; فَهَذَا دَخَلَ تَحْتَ, قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ". وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ تُصَلَّى الرَّكْعَتَانِ إثْرَ الطَّوَافِ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي يُحَجُّ عَنْهُ; وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي قَضَاءِ الصَّلاَةِ عَنْ الْمَيِّتِ. وقال الشافعي: إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قلنا بِهِ وَإِلاَّ فَيُطْعَمُ عَنْهُ مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَإِنَّمَا قلنا: إنَّ الاِسْتِئْجَارَ لِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. قال أبو محمد: مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: بَلْ دَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ سَمِعَ هَذَا الْقَوْلَ.
776 - مَسْأَلَةٌ فَإِنْ صَامَهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ أَجْزَأَ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ, وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَاقْتَسَمُوهُ جَازَ كَذَلِكَ أَيْضًا إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ أَنْ يَصُومُوا كُلُّهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَلاَ بُدَّ مِنْ أَيَّامٍ مُتَغَايِرَةٍ, فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَلاَ عَلَيْهِ; لأَِنَّ الأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ, وَهَذَا مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالأَوْلِيَاءُ هُمْ ذَوُو الْمَحَارِمِ بِلاَ شَكٍّ وَلَوْ صَامَهُ الأَبْعَدُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَجْزَأَ عَنْهُ, لأَِنَّهُ وَلِيُّهُ, فَإِنْ أَبَوْا مِنْ الصَّوْمِ فَهُمْ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمِ; لأَِنَّهُ قَدْ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَبِأَمْرِهِ عليه السلام الْوَلِيَّ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ.
777 - مَسْأَلَةٌ فَإِنْ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُوقِعَهَا عَلَى وَلِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ نَذْرًا، وَلاَ يَلْزَمُهُ هُوَ، وَلاَ وَلِيُّهُ بَعْدَهُ, وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. قال علي: وهذا النَّذْرُ إنَّمَا يَكُونُ نَذْرًا إذَا قُصِدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ فَإِذَا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلاَ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَلاَ غَيْرَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
778 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ, شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, أَوْ تَقَرُّبًا إلَيْهِ تَعَالَى, أَوْ إنْ فَاقَ, أَوْ إنْ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَلاً يَأْمُلُهُ لاَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَأْمُولِ, فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلاَ يَعْصِهِ فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ نَذْرِ مَعْصِيَةٍ كَمَنْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمِ حَيْضَتِهَا أَوْ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ, وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ. فَإِنْ نَذَرَ مَا لَيْسَ طَاعَةً، وَلاَ مَعْصِيَةً كَالْقُعُودِ فِي دَارِ فُلاَنٍ أَوْ أَنْ لاَ يَأْكُلَ خُبْزًا مَأْدُومًا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ, وَلاَ حُكْمَ لِهَذَا إلاَّ اسْتِغْفَارُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ, لأَِنَّ إيجَابَ النَّذْرِ شَرِيعَةٌ, وَالشَّرَائِعُ لاَ تَلْزَمُ إلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ إلاَّ فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ فَقَطْ.
|