الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله تعالى-: {وَقالوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إنْ هُمْ إلَّا يَخْرُصُونَ} يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا الْأَصْنَامَ وَلَا الْمَلَائِكَةَ، وَإِنَّا إنَّمَا عَبَدْنَاهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ مِنَّا ذَلِكَ فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ فِي قِيلِهِمْ هَذَا وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَخْرُصُونَ وَيَكْذِبُونَ بِهَذَا الْقول فِي أَنَّ اللَّهَ- تعالى- لَمْ يَشَأْ كُفْرَهُمْ.وَنَظِيرُهُ قولهُ: {سَيَقول الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَخْبَرَ فِيهِ أَنَّهُمْ مُكَذِّبُونَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ بِقولهِمْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا، وَأَبَانَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ لَا يُشْرِكُوا.وَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ مَذْهَبَ الْجَبْرِ والجهمية.قوله تعالى-: {بَلْ قالوا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} إلَى قوله: {قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى إبْطَالِ التَّقْلِيدِ لِذَمِّهِ إيَّاهُمْ عَلَى تَقْلِيدِ آبَائِهِمْ وَتَرْكِهِمْ النَّظَرَ فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم.قوله تعالى-: {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} يَنْتَظِمُ مَعْنَيَيْنِ.أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْحَقِّ غَيْرُ نَافِعَةٍ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَأَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يُغْنِي مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْمَقالةِ.وَالثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ فِي الْحُقُوقِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَالِمًا بِهَا.وَنَحْوُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا رَأَيْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ».وقوله تعالى-: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قوله تعالى-: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} قال: (نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام عِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)، وَنَاسٌ يَقولونَ: (القرآن عِلْمٌ لِلسَّاعَةِ). اهـ.
.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة: قال رحمه الله:سورة الزُّخْرُف فِيهَا سِتُّ آيَاتٍ:قوله تعالى: {وَاَلَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقولوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:المسألة الْأُولَى:قولهُ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} يَعْنِي بِذَلِكَ الْإِبِلَ دُونَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَمْ تُخْلَقْ لِتُرْكَبَ.وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحديث الصَّحِيحُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ بَقَرَةً إذْ قالتْ لَهُ: إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَإِنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ»، فَقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «آمَنْت بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمَا هُمَا فِي الْقَوْمِ».المسألة الثَّانِيَةُ:قولهُ: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} يَعْنِي الْإِبِلَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْفُلْكَ إنَّمَا تُرْكَبُ بُطُونُهَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَعَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى آخِرِهِمَا.وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ ظَاهِرُهَا بَاطِنَهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ غَمَرَهُ وَسَتَرَهُ، وَبَاطِنُهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ انْكَشَفَ لِلرَّاكِبِينَ وَظَهَرَ لِلْمُبْصِرِينَ.المسألة الثَّالِثَةُ:قولهُ: {وَتَقولوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أَيْ مُطِيقِينَ، تَقول: قَرَنْت كَذَا وَكَذَا إذَا رَبَطْته بِهِ، وَجَعَلْته قَرِينَهُ، وَأَقْرَنْت كَذَا بِكَذَا إذَا أَطَقْته وَحَكَمْته، كَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي قَرَنٍ وَهُوَ الْحَبْلُ، فَأَوْثَقَهُ بِهِ، وَشَدَّهُ فِيهِ؛ فَعَلَّمَنَا اللَّهُ تعالى مَا نَقول إذَا رَكِبْنَا الدَّوَابَّ، وَعَلَّمَنَا اللَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى عَلَى لِسَانِ نُوحٍ عليه السلام مَا نَقول إذَا رَكِبْنَا السُّفُنَ، وَهُوَ قوله تعالى: {وَقال ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.وَرُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا رَكِبَ قَعُودًا لَهُ وَقال: إنِّي لَمُقْرِنٌ لَهُ، فَرَكَضَتْ بِهِ الْقَعُودُ حَتَّى صَرَعَتْهُ، فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ.وَمَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَدَعَ قول هَذَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ذِكْرُهُ بِاللِّسَانِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ بِالْقَلْبِ، أَمَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذِكْرُهُ بِاللِّسَانِ فَيَقول مَتَى رَكِبَ وَخَاصَّةً بِاللِّسَانِ إذَا تَذَكَّرَ فِي السَّفَرِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ يَعْنِي بِالْحَوْرِ وَالْكَوْرِ تَشَتُّتَ أَمْرِ الرَّجُلِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ.وَقال عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: رَكِبْت مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ إلَى أَرْضٍ لَهُ نَحْوُ حَائِطٍ يُقال لَهَا مَدْرَكَةٌ، فَرَكِبَ عَلَى جَمَلٍ صَعْبٍ، فَقُلْت لَهُ: أَبَا جَعْفَرٍ، أَمَا تَخَافُ أَنْ يَصْرَعَك.فَقال: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «عَلَى سَنَامِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَكُمْ، ثُمَّ امْتَهِنُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّمَا يَحْمِلُ اللَّهُ».وَقال عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ: شَهِدْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَكِبَ دَابَّةً يَوْمًا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قال: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الدَّابَّةِ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ. ثُمَّ قال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، ثُمَّ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، اللَّهُمَّ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْت لَهُ: مَا أَضْحَكَك؟ قال: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْت، وَقال كَمَا قُلْت، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْت لَهُ: مَا يُضْحِكُك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: لِعَبْدٍ أَوْ قال: عَجَبًا لِعَبْدٍ أَنْ يَقول: اللَّهُمَّ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُهُ.الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي شَرْحِ الْكَلِمَةِ:وَهِيَ النُّبُوَّةُ فِي قول، وَالتَّوْحِيدُ فِي قول آخَرَ؛ وَلَا جَرَمَ لَمْ تَزَلْ النُّبُوَّةُ بَاقِيَةً فِي ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ وَالتَّوْحِيدُ هُمْ أَصْلُهُ، وَغَيْرُهُمْ فِيهِ تَبَعٌ لَهُمْ.المسألة الثَّانِيَةُ قولهُ: {فِي عَقِبِهِ}:بِنَاءُ ع ق بـ: لِمَا يَخْلُفُ الشَّيْءَ، وَيَأْتِي بَعْدَهُ، يُقال: عَقَبَ يَعْقُبُ عُقُوبًا وَعَقِبًا إذَا جَاءَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَلِهَذَا قِيلَ لِوَلَدِ الرَّجُلِ مِنْ بَعْدِهِ عَقِبُهُ.وَفِي حديث عُمَرَ أَنَّهُ سَافَرَ فِي عَقِبِ رَمَضَانَ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَوَارِدِ كَثِيرَةٍ.المسألة الثَّالِثَةُ:إنَّمَا كَانَتْ لِإِبْرَاهِيمَ فِي الْأَعْقَابِ مَوْصُولَةً بِالْأَحْقَابِ بِدَعْوَتَيْهِ الْمُجَابَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا بِقولهِ: {إنِّي جَاعِلُك لِلنَّاسِ إمَامًا قال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قال لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فَقَدْ قال لَهُ: نَعَمْ، إلَّا مَنْ ظَلَمَ مِنْهُمْ، فَلَا عَهْدَ لَهُ.ثَانِيهِمَا قولهُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِي أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}.وَقِيلَ بَدَلُ الْأُولَى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} فَكُلُّ أُمَّةٍ تُعَظِّمُهُ؛ بَنُوهُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي سَامٍ أَوْ فِي نُوحٍ.المسألة الرَّابِعَةُ:جَرَى ذِكْرُ الْعَقِبِ هَاهُنَا مَوْصُولًا فِي الْمَعْنَى بِالْحُقْبِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْأَحْكَامِ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عُقُودُ الْعُمْرَى أَوْ التَّحْبِيسِ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا»؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ.وَهِيَ تَرِدُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ لَفْظًا قولهُ: اللَّفْظُ الْأَوَّلُ الْوَلَدُ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عِبَارَةٌ عَمَّنْ وُجِدَ عَنْ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَعَنْ وَلَدِ الذُّكُورِ دُونَ وَلَدِ الْإِنَاثِ لُغَةً وَشَرْعًا؛ وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْمِيرَاثُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُعَيَّنِ وَأَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْ الْمُعَيَّنِ دُونَ وَلَدِ الْبَنَاتِ، لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْحَبْسِ بِهَذَا اللَّفْظِ؛ قالهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا.اللَّفْظُ الثَّانِي الْبَنُونَ فَإِنْ قال: هَذَا حَبْسٌ عَلَى ابْنِي فَلَا يَتَعَدَّى الْوَلَدَ الْمُعَيَّنَ وَلَا يَتَعَدَّدُ.وَلَوْ قال: وَلَدِي لَتَعَدَّى وَتَعَدَّدَ فِي كُلِّ مَنْ وُلِدَ.وَإِنْ قال: عَلَى بَنِيَّ دَخَلَ فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ.قال مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ فَإِنَّ بَنَاتَه وَبَنَاتَ بَنَاتِهِ يَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ.وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى بَنَاتِهِ فَإِنَّ بِنْتَ بِنْتِهِ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَعَ بَنَاتِ صُلْبِهِ.وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ أصحابه أَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْبَنِينَ.فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَسَنِ بْنِ بِنْتِهِ: إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.قُلْنَا: هَذَا مَجَازٌ، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهِ إلَى تَشْرِيفِهِ وَتَقْدِيمِهِ.أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَفْيُهُ عَنْهُ، فَيَقول الرَّجُلُ فِي وَلَدِ بِنْتِهِ:لَيْسَ بِابْنِي، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً مَا جَازَ نَفْيُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا تُنْفَى عَنْ مُسَمَّيَاتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: إنَّهُ هَاشِمِيٌّ؛ وَلَيْسَ بِهِلَالِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ هِلَالِيَّةً.اللَّفْظُ الثَّالِثُ الذُّرِّيَّةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فِي الْأَشْهَرِ، فَكَأَنَّهُمْ وُجِدُوا عَنْهُ وَنُسِبُوا إلَيْهِ.وَيَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَلَدُ الْبَنَاتِ، لِقولهِ تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ}.إلَى أَنْ قال: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى} فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ.اللَّفْظُ الرَّابِعُ الْعَقِبُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ جَاءَ بَعْدَ شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ، يُقال أَعْقَبَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، أَيْ جَاءَ بَعْدَ الشِّدَّةِ بِالرَّخَاءِ.وَأَعْقَبَ الشِّيبُ السَّوَادَ.وَالْمِعْقَابُ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا بَعْدَ أُنْثَى هَكَذَا أَبَدًا.وَعَقِبُ الرَّجُلِ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ الْبَاقُونَ بَعْدَهُ.وَالْعَاقِبَةُ: الْوَلَدُ قال يَعْقُوبُ: وَفِي القرآن: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}.وَقِيلَ: بَلْ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ عَقِبُ.وَالْعَاقِبَةُ: الْوَلَدُ، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ هَاهُنَا.وَقال ابْنُ زَيْدٍ هَاهُنَا: هُمْ الذُّرِّيَّةُ.وَقال ابْنُ شِهَابٍ: هُمْ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ.وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ فَقال ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: الْعَقِبُ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَمْ أُنْثَى.وَقال عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلَيْسَ وَلَدُ الْبَنَاتِ عَقِبًا بِحَالٍ.وَقال مُحَمَّدٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى عَقِبِهِ وَلِعَقِبِهِ وَلَدٌ فَإِنَّهُ يُسَاوِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ، وَيُفَضَّلُ ذُو الْعِيَالِ، وَهَذَا مِنْ قول ابْنِ شِهَابٍ إنَّهُ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ، وَلَيْسَ وَلَدُ الِابْنَةِ عَقِبًا وَلَا ابْنَةُ الِابْنَةِ.وَقال الْقَاضِي: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ التَّوْحِيدَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِمَامَةَ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا الذَّكَرُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى لَيْسَتْ بِإِمَامٍ.وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ وَأَوْضَحْنَاهُ؛ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ وَلَدُ الْبَنَاتِ عَقِبًا وَلَا وَلَدًا إذَا كَانَ الْقول الْأَوَّلُ: عَلَى وَلَدِي أَوْ عَقِبِي مُفْرَدًا، وَأَمَّا إذَا تَكَرَّرَ فَقال: عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي، وَعَلَى عَقِبِي وَعَقِبِ عَقِبِي، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ فِيهِ حَسْبَمَا يَذْكُرُ فِيهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيمَا بَعْدَهُ مِثْلَ قولهِ: أَبَدًا، وَمِثْلَ قولهِ مَا تَنَاسَلُوا.اللَّفْظُ الْخَامِسُ نَسْلِي، وَهُوَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا كَقولهِ: وَلَدُ وَلَدِي فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَيَجِبُ أَنْ يَدْخُلُوا؛ لِأَنَّ (نَسْلَ) بِمَعْنَى خَرَجَ، وَوَلَدُ الْبَنَاتِ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُ بِوَجْهٍ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَخُصُّهُ، كَمَا اقْتَرَنَ بِقولهِ: عَقِبِي مَا تَنَاسَلُوا، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.اللَّفْظُ السَّادِسُ الْآلُ، وَهُمْ الْأَهْلُ.وَهُوَ اللَّفْظُ السَّابِعُ.قال ابْنُ الْقَاسِمِ: هُمَا سَوَاءٌ، وَهُمْ الْعَصَبَةُ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ، وَالْبَنَاتُ وَالْعَمَّاتُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَالَاتُ، وَأَصْلُ الْأَهْلِ الِاجْتِمَاعُ، يُقال مَكَانٌ آهِلٌ إذَا كَانَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، وَذَلِكَ بِالْعَصَبَةِ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ؛ وَالْعَصَبَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْهُ، وَهِيَ أَخَصُّ بِهِ.وَفِي حديث الْإِفْكِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلُك وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا يَعْنِي عَائِشَةَ؛ وَلَكِنْ لَا تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِيهِ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَصْلَ التَّأَهُّلِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا لَيْسَ بِيَقِينٍ، وَقَدْ يَتَبَدَّلُ رَبْطُهَا وَيَنْحَلُّ بِالطَّلَاقِ.وَقَدْ قال مَالِكٌ: آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْإِيمَانَ أَخَصُّ مِنْ الْقرابة، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ وَقُصِدَ بِالرَّحْمَةِ.وَقَدْ قال أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: يَدْخُلُ فِي الْأَهْلِ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبَوَيْنِ فَوَفَّى الِاشْتِقَاقَ حَقَّهُ، وَغَفَلَ عَنْ الْعُرْفِ وَمُطْلَقِ الِاسْتِعْمَالِ.وَهَذِهِ الْمَعَانِي إنَّمَا تُبْنَى عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ الْعُرْفِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَهَذَانِ لَفْظَانِ.اللَّفْظُ الثَّامِنُ الْقرابة، وَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قال مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ: إنَّهُمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَلَا وَلَدُ الْخَالَاتِ.الثَّانِي يَدْخُلُ فِيهِ أَقَارِبُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ؛ قالهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ.الثَّالِثُ: قال أَشْهَبُ: يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.الرَّابِعُ قال ابْنُ كِنَانَةٍ: يَدْخُلُ فِيهِ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ.وَقَدْ قال ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قال: إلَّا أَنْ تَصِلُوا قرابة مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَقال: لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا كَانَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قرابة، فَهَذَا يَضْبِطُهُ.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.اللَّفْظُ التَّاسِعُ: الْعَشِيرَةُ، وَيَضْبِطُهُ الْحديث الصَّحِيحُ: إنَّ اللَّهَ تعالى لَمَّا أَنْزَلَ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بُطُونَ قُرَيْشٍ وَسَمَّاهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُمْ الْعَشِيرَةُ الْأَقْرَبُونَ؛ وَسِوَاهُمْ عَشِيرَةٌ فِي الْإِطْلَاقِ، وَاللَّفْظُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَخَصِّ الْأَقْرَبِ بِالِاجْتِهَادِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قول عُلَمَائِنَا.اللَّفْظُ الْعَاشِرُ الْقَوْمُ قال الْقَرَوِيُّونَ: يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ خَاصَّةً مِنْ الْعَصَبَةِ دُونَ النِّسَاءِ.وَالْقَوْمُ يَشْتَمِلُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ الشَّاعِرُ قَدْ قال: وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ أَخَالُ أَدْرِي أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَعَا قَوْمَهُ لِلنُّصْرَةِ عَنَى الرِّجَالَ، وَإِذَا دَعَاهُمْ لِلْحُرْمَةِ دَخَلَ فِيهِمْ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَتَعُمُّهُ الصِّفَةُ وَتَخُصُّهُ الْقَرِينَةُ.اللَّفْظُ الْحَادِيَ عَشَرَ الْمَوَالِي: قال مَالِكٌ: يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي أَبِيهِ وَابْنِهِ مَعَ مَوَالِيهِ.وَقال ابْنُ وَهْبٍ: يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ مَوَالِيهِ.
|