فصل: (سورة الحجر: آية 94)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الحجر: آية 85]

{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)}.
{إِلَّا بِالْحَقِّ} إلا خلقًا ملتبسًا بالحق والحكمة، لا باطلا وعبثًا. أو بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ} وإنّ اللّه ينتقم لك فيها من أعدائك، ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم، فإنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا لذلك {فَاصْفَحِ} فأعرض عنهم واحتمل ما تلقى منهم إعراضًا جميلا بحلم وإغضاء، وقيل: هو منسوخ بآية السيف.
ويجوز أن يراد به المخالقة فلا يكون منسوخًا.

.[سورة الحجر: آية 86]

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (86)}.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ} الذي خلقك وخلقهم، وهو {الْعَلِيمُ} بحالك وحالهم، فلا يخفى عليه ما يجرى بينكم وهو يحكم بينكم. أو إن ربك هو الذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح إلى أن يكون السيف أصلح، وفي مصحف أبىّ وعثمان: {إن ربك هو الخالق} وهو يصلح للقليل والكثير، والخلاق للكثير لا غير، كقولك: قطع الثياب، وقطع الثوب والثياب.

.[سورة الحجر: آية 87]

{وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}.
{سَبْعًا} سبع آيات وهي الفاتحة. أو سبع سور وهي الطوال، واختلف في السابعة فقيل:
الأنفال وبراءة، لأنهما في حكم سورة واحدة، ولذلك لم يفصل بينهما بآية التسمية، وقيل سورة يونس، وقيل: هي آل حم، أو سبع صحائف وهي الأسباع، و{الْمَثانِي} من التثنية وهي التكرير، لأن الفاتحة مما تكرر قراءتها في الصلاة وغيرها، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على اللّه، الواحدة مثناة أو مثناة أو مثنية صفة للآية، وأمّا السور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك، ولما فيها من الثناء، كأنها تثنى على اللّه تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى، ومن إما للبيان أو للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطوال، وللبيان إدا أردت الأسباع، ويجوز أن يكون كتب اللّه كلها مثاني، لأنها تثنى عليه، ولما فيها من المواعظ المكررة، ويكون القرآن بعضها، فإن قلت: كيف صح عطف القرآن العظيم على السبع، وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه؟ قلت: إذا عنى بالسبع للفاتحة أو الطوال، فما وراءهنّ ينطلق عليه اسم القرآن، لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل. ألا ترى إلى قوله: {بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ} يعنى سورة يوسف، وإذا عنيت الأسباع فالمعنى: ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم، أى: الجامع لهذين النعتين، وهو الثناء أو التثنية والعظم.

.[سورة الحجر: الآيات 88- 89]

{لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)}.
أى: لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمنّ له {إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ} أصنافًا من الكفار. فإن قلت: كيف وصل هذا بما قبله؟ قلت: يقول لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة ضئيلة، وهي القرآن العظيم، فعليك أن تستغني به، ولا تمدّن عينيك إلى متاع الدنيا، ومنه الحديث «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن»، وحديث أبى بكر «من أوتى القرآن فرأى أن أحدًا أوتى من الدنيا أفضل مما أوتى، فقد صغر عظيما وعظم صغيرًا» وقيل: وافت من بصرى وأذرعات: سبع قوافل ليهود بنى قريظة والنضير، فيها أنواع البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها، ولأنفقناها في سبيل اللّه، فقال لهم اللّه عز وعلا: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أى لا تتمنّ أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوّى بمكانهم الإسلام وينتعش بهم المؤمنون، وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم، وطب نفسًا عن إيمان الأغنياء والأقوياء وَقُلْ لهم {إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} أنذركم ببيان وبرهان أنّ عذاب اللّه نازل بكم.

.[سورة الحجر: الآيات 90- 91]

{كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)}.
فإن قلت: بم تعلق قوله: {كَما أَنْزَلْنا}؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْناكَ} أى أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما، فاقتسموه إلى حق وباطل، وعضوه، وقيل: كانوا يستهزؤن به فيقول بعضهم: سورة البقرة لي، ويقول الآخر: سورة آل عمران لي، ويجوز أن يراد بالقرآن:
ما يقرءونه من كتبهم، وقد اقتسموه بتحريفهم، وبأنّ اليهود أقرّت ببعض التوراة وكذبت ببعض، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض، وهذه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم، وقولهم سحر وشعر وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم، والثاني أن يتعلق بقوله: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} أى: وأنذر قريشًا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين، يعنى اليهود، وهو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز، لأنه إخبار بما سيكون وقد كان، ويجوز أن يكون {الذين جعلوا القرآن عضين} منصوبًا بالنذير، أى: أنذر المعضين الذين يجزءون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير، مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم، فقعدوا في كل مدخل متفرّقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر.
ويقول الآخر: كذاب، والآخر: شاعر، فأهلكهم اللّه يوم بدر وقبله بآفات، كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب وغيرهم، أو مثل ما أنزلنا على الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحًا عليه السلام، والاقتسام بمعنى التقاسم. فإن قلت: إذا علقت قوله: {كَما أَنْزَلْنا} بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْناكَ} فما معنى توسط {لا تَمُدَّنَّ...} إلى آخره بينهما؟ قلت: لما كان ذلك تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم، اعترض بما هو مدد لمعنى التسلية. من النهى عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم، ومن الأمر بأن يقبل بمجامعه على المؤمنين عِضِينَ أجزاء، جمع عضة، وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء. قال رؤبة:
وَلَيْسَ دِينُ اللَّهِ بِالْمَعْضِىِ

وقيل: هي فعلة، من عضهته إذا بهته، وعن عكرمة: العضة السحر، بلغة قريش، يقولون للساحرة عاضهة، ولعن النبي صلى اللّه عليه وسلم العاضهة والمستعضهة، نقصانها على الأوّل واو، وعلى الثاني هاء.

.[سورة الحجر: الآيات 92- 93]

{فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93)}.
{لَنَسْئَلَنَّهُمْ} عبارة عن الوعيد، وقيل. يسألهم سؤال تقريع، وعن أبى العالية: يسأل العباد عن خلتين: عما كانوا يعبدون، وما ذا أجابوا المرسلين.

.[سورة الحجر: آية 94]

{فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)}.
{فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ} فاجهر به وأظهره. يقال: صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارًا، كقولك: صرح بها، من الصديع وهو الفجر، والصدع في الزجاجة: الإبانة، وقيل:
{فَاصْدَعْ} فافرق بين الحق والباطل بما تؤمر، والمعنى: بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجارّ، كقوله:
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب

لخفاف بن ندبة، وقيل: لعباس بن مرداس، وقيل: لعمرو بن معدي كرب، وقيل: لإياس ابن موسى، والمقدرة: مثلث الدال: القوة، والمحرر النزه- كحذر-: الخالص من الغش، والريب، أى الشبه، وهو نعت لذي رأى.
ولو جعلته نعتا للرأى لكان فيه الفصل بين النعت والمنعوت بالعطف، ويجوز رفعه على أنه نعت مقطوع للقول.
والنشب: المال الأصل صامتا أو ناطقا، فهو من عطف الخاص على العام، ويروى: ذا نسب، بالمهملة: أى نسب عظيم، وأمر: يتعدى للثاني بالباء، ويقال: أمرتك الخير على التوسع، أو تضمين التكليف، وجمعهما الشاعر في البيت.
ويجوز أن تكون بِما مصدرية، أى بأمرك مصدر من المبنى للمفعول.

.[سورة الحجر: الآيات 95- 96]

{إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)}.
عن عروة بن الزبير في {المستهزئين}: هم خمسة نفر ذوو أسنان وشرف: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والحرث بن الطلاطلة.
وعن ابن عباس رضى اللّه عنه: ماتوا كلهم قبل بدر. قال جبريل عليه السلام للنبي صلى اللّه عليه وسلم: أمرت أن أكفيكهم، فأومأ إلى ساق الوليد فمرّ بنبال فتعلق بثوبه سهم، فلم ينعطف تعظمًا لأخذه، فأصاب عرقًا في عقبه فقطعه فمات، وأومأ إلى أحمص العاص بن وائل، فدخلت فيها شوكة، فقال: لدغت لدغت وانتفخت رجله، حتى صارت كالرحى ومات، وأشار إلى عينى الأسود بن المطلب، فعمى وأشار إلى أنف الحرث بن قيس، فامتخط قيحًا فمات، وإلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة، فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات.

.[سورة الحجر: الآيات 97- 99]

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}.
{بِما يَقُولُونَ} من أقاويل الطاعنين فيك وفي القرآن {فَسَبِّحْ} فافزع فيما نابك إلى اللّه، والفزع إلى اللّه: هو الذكر الدائم وكثرة السجود، يكفك ويكشف عنك الغم، ودم على عبادة ربك {حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أى الموت، أى ما دمت حيًا فلا تخل بالعبادة، وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار، والمستهزئين بمحمد صلى اللّه عليه وسلم». اهـ.

.قال ابن جزي:

{نَبِّىءْ عِبَادِي} الآية:
أعلمهم والآية آية ترجيه وتخويف {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} ضيف هنا واقع على جماعة وهم الملائكة الذين جاؤوا إلى إبراهيم بالبشرى {وَجِلُونَ} أي خائفون، والوجل الخوف {لاَ تَوْجَلْ} أي لا تخف {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بغلام عَلِيمٍ} هو إسحاق {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي على أَن مَّسَّنِيَ الكبر} المعنى: أبشرتموني بالولد مع أنني قد كبر سني، وكان حينئذ ابن مائة سنة، وقيل: أكثر {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} قال ذلك على وجه التعجب من ولادته في كبره أو على وجه الاستبعاد، ولذلك قرئ تبشرون، بتشديد النون وكسرها على إدغام نون الجمع في نون الوقاية وبالكسر والتخفيف على حذف إحدى النونين، وبالفتح وهو نون الجمع {قَالُواْ بشرناك بالحق} أي باليقين الثابت فلا تستبعده ولا تشك فيه {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون} دليل على تحريم القنوط، وقرئ يقنط بفتح النون وكسرها وهما لغتان.
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ} أي ما شأنكم وبأي شيء جئتم {إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} يعنون قوم لوط {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} أن يكون استثناء من قوم لوط فيكون منقطعًا لوصف القوم بالإجرام، ولم يكن آل لوط مجرمين ويحتمل أن يكون استثناء من الضمير في المجرمين، فيكون متصلًا كأنه قال إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط فلم يجرموا {إِلاَّ امرأته} استثناء من آل لوط، فهو استثناء من استثناء، وقال الزمخشري: إنما هو استثناء من الضمير المجرور في قولهم لمنجوهم، وذلك هو الذي يقتضيه المعنى {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} الغابر يقال: بمعنى الباقي، وبمعنى الذاهب، وإنما أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم، وهو لله وحده لما لهم من القرب والاختصاص بالله، لاسيما في هذه القضية، كما تقول خاصة الملك للملك: دبرنا كذا ويحتمل أن يكون حكاية عن الله {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أي لا نعرفهم {قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي جئناك بالعذاب لقومك ومعنى يمترون يشكون فيه {واتبع أدبارهم} أي: كن خلفهم أي في ساقتهم حتى لا يبقى منهم أحد وليكونوا قدّامه، فلا يشتغل قلبه بهم لو كانوا وراءه لخوفه عليهم {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} تقدم في هود {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} قيل: مصر وقيل: حيث هنا للزمان إذ لم يذكر مكانًا.
{وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} هو من القضاء والقدر، وإنما تعدى بإلى لأنه ضمن معنى أوحينا وقيل: معناه أعلمناه بذلك الأمر {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ} هذا تفسير لذلك الأمر، ودابر القوم أصلهم، والإشارة إلى قوم لوط {مُّصْبِحِينَ} في الموضعين أي إذا أصبحوا ودخلوا في الصباح {وَجَاءَ أَهْلُ المدينة يَسْتَبْشِرُونَ} المدينة هي سدوم، واستبشار أهلها بالأضياف، طمعًا أن ينالوا منهم الفاحشة {قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} كانوا قد نهوه أن يضيف أحدًا.
{قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي} دعاهم إلى تزويج بناته ليقي بذلك أضيافه {لَعَمْرُكَ} قسم والعمر الحياة، ففي ذلك كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم، أن الله أقسم بحياته، أو قيل: هو من قول الملائكة للوط، وارتفاعه بالابتداء وخبره محذوف تقديره: لعمرك قسمي واللام للتوطئة {إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} الضمير لقوم لوط، وسكرتهم: ضلالهم وجهلهم، ويعمهون: أي يتحيرون {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} أي صيحة جبريل وهي أخذه لهم {مُشْرِقِينَ} أي داخلين في الشروق وهو وقت بزوغ الشمس، وقد تقدم تفسير ما بعد هذا من قصتهم في [هود: 76]. {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} أي للمتفرسين، ومنه فراسة المؤمن، وقيل: للمعتبرين، وحقيقة التوسم النظر إلى السيمة {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} أي بطريق ثابت يراه الناس والضمير للمدينة المهلكة.
{وَإِن كَانَ أصحاب الأيكة لظالمين} أصحاب الأيكة قوم شعيب والأيكة الغيضة من الشجر لما كفروا أضرمها الله عليهم نارًا {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} الضمير في إنهما قيل: إنه لمدينة قوم لوط وقوم شعيب، فالإمام على هذا: الطريق أي إنهما بطريق واضح يراه الناس، وقيل: الضمير للوط وشعيب، أي إنهما على طريق من الشرع واضح والأول أظهر.
{أصحاب الحجر} هم ثمود قوم صالح، الحجر واديهم هو بين المدينة والشام {المرسلين} ذكره بالجمع وإنما كذبوا واحدًا منهم، وفي ذلك تأويلان أحدهما أن من كذب واحدًا من الأنبياء لزمه تكذيب الجميع؛ لأنهم جاءوا بأمر متفق من التوحيد، والثاني: أنه أراد الجنس كقولك: فلان يركب الخيل، وإن لم يركب إلا فرسًا واحدًا {وآتيناهم آياتنا} يعني الناقة، وما كان فيها من العجائب {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا} النحت: النقر بالمعاويل وشبهها من الحجر والعود وشبهه ذلك وكانوا ينقرون بيوتهم في الجبال {ءَامِنِينَ} يعني آمنين من تهدم بيوتهم لوثاقتها، وقيل: آمنين من عذاب الله {إِلاَّ بالحق} يعني أنها لم تخلق عبثًا.
{فاصفح الصفح الجميل} قيل: إن الصفح الجميل هو الذي ليس معه عقاب ولا عتاب، وفي الآية مهادنة للكفار منسوخة بالسيف.
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ المثاني} يعني: أم القرآن لأنها سبع آيات، وقيل: يعني السور السبع الطوال، وهي البقرة وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال مع براءة، والأول أرجح لوروده في الحديث، والمثاني: مشتق من التثنية وهي التكرير، لأن الفاتحة تكرر قراءتها في الصلاة، ولأن غيرها من السور تكرر فيها القصص وغيرها، وقيل: هي مشتقة من الثناء، لأن فيها ثناء على الله، ومن يحتمل أن تكون للتبعيض أو لبيان الجنس، وعطف القرآن على السبع المثاني؛ لأنه يعني ما سواها من القرآن فهو عموم بعد الخصوص.
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} أي لا تنظر إلى ما متعناهم به في الدنيا كأنه يقول: قد آتيناك السبع المثاني والقرآن العظيم، فلا تنظر إلى الدنيا، فإن الذي أعطيناك أعظم منها {أزواجا مِّنْهُمْ} يعني أصنافًا من الكفار {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي لا تتأسف لكفرهم {واخفض جَنَاحَكَ} أي تواضع ولِنْ {لِلْمُؤْمِنِينَ} والجناح هنا استعارة {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} الكاف من كما متعلقة بقوله: أنا النذير أي أنذر قريشًا عذابًا مثل العذاب الذي أنزل على المقتسمين، وقيل: متعلق بقوله: ولقد آتيناك أي أنزلنا عليك كتابًا كما أنزلنا على المقتسمين، واختلف في المقتسمين، فقيل: هم أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض كتابهم وكفروا ببعضه، فاقتسموا إلى قسمين، وقيل: هم قريش اقتسموا أبواب مكة في الموسم، فوقف كل واحد منهم على باب، يقول أحدهم: هو شاعر، ويقول الآخر: هو ساحر، وغير ذلك.
{الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} أي أجزاء، وقالوا فيه أقوالًا مختلفة وواحد عضين عضة وقيل: هو من العَضْة وهو السحر، والعاضِه الساحر، والمعنى على هذا أنه سحر، والكلمة محذوفة اللام ولامها على القول الأول واو وعلى الثاني هاء {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} إن قيل: كيف يجمع بين هذا وبين قوله فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان؟ فالجواب أن السؤال المثبت هو على: وجه الحساب والتوبيخ، وأن السؤال المنفي هو: على وجه الاستفهام المحض لأن الله يعلم الأعمال فلا يحتاج إلى السؤال عنها.
{فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} أي صرح به وأنفذه {إِنَّا كفيناك المستهزئين} يعني قومًا من أهل مكة؛ أهلكهم الله بأنواع الهلاك من غير سعي النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث وعدي بن قيس، وقصة هلاكهم مذكورة في السير، وقيل: الذين قتلوا ببدر كأبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وغيرهم، والأول أرجح، لأن الله كفاه إياهم بمكة قبل الهجرة {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتأنيس {حتى يَأْتِيَكَ اليقين} أي الموت. اهـ.