الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.البلاغة: 1- الاستعارة التصريحية فقد شبههم بالصم والبكم والعمي وطوى ذكر المشبه واعتبره بعض علماء البلاغة في حكم المذكور فهو عندهم تشبيه بليغ وارد في كلامهم كثيرا.قال شاعرهم:ولكن بلغاء المحققين يتناسون المشبّه ويضربون عن توهمه صفحا.قال أبو تمام يمدح خالد بن يزيد الشيبانيّ: فقد استعار الصعود من العلوّ الحسيّ للعلوّ المعنوي على طريق الاستعارة التصريحية ثم بنى عليه ما يبنى على العلو في المكان ترشيحا وتتميما للمبالغة ولم يذكر المشبّه.2- التشبيه التمثيلي المتكرر فقد شبّه سبحانه المنافقين وإظهارهم الإيمان وإبطانهم الكفر بمن استوقد نارا ثم انقطعت وذلك من ثلاثة أوجه:آ- أن مستوقد النار يستضيء بنورها، وتذهب عنه وحشة الظلمة فإذا انطفأت ذهبت الاستضاءة وانتفى الانتفاع والاهتداء.ب- أن مستوقد النار إذا لم يمدها بالوقود ذهب ضوءها كذلك المنافق إذا لم يستدم الإيمان ذهب إيمانه.ج- أن مستوقد النار المستضيء بها هو في ظلمة ربداء من نفسه فإذا ذهبت النار بقي في ظلمتين: ظلمة الليل وظلمة نفسه ثم شبّه الدّين بالصيّب لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر وما يتعلق به من تشبيه الكفار بالظلمات وما في ذلك من الوعد والوعيد بالبرق والرعد وما يصيب الكفرة من الفتن والبلايا بالصواعق.3- وإنما أفرد الرعد والبرق وظاهر الكلام وسياقه يستوجبان جمعهما كما جمع ظلمات ولأن الجمع أبلغ من الإفراد على حدّ قول البحتري:يا عارضا متلفّعا ببروده يختال بين بروقه ورعوده نقول إنما جنح القرآن إلى الإفراد لنكتة هامة وهي أن البرق والرعد لما كانا في الأصل مصدرين والمصادر لا تجمع يقال رعدت السماء رعدا، وبرقت برقا، روعي حكم الأصل بأن ترك جمعهما وإن أريد معنى الجمع وهذه النكتة ذهل عنها البحتري، ولا يخفى أن من بين الألفاظ ما يعذب مفرده ويقبح جمعه وبالعكس وسيأتي ذلك كله في مواطنه من هذا الكتاب العجيب.4- المجاز المرسل في قوله: {يجعلون أصابعهم في آذانهم} لأن الإصبع ليست هي التي تجعل في الأذن فذكر الأصابع وأراد الأنامل وعلاقته الكلية والمجاز هنا أبلغ من الحقيقة ولذلك عدل عنها إليه وجمع الأصابع لأنه لم يرد أصبعا معينة لأن الحالة حالة دهش وحيرة فأية أصبع اتفق لهم أن يسدوا بها آذانهم فعلوا غير معرّجين على ترتيب معتاد أو تعيين مفترض. .الفوائد: زعم قاضي القضاة تاج الدين محمد بن عبد الرحمن بن عقيل شارح ألفية ابن مالك في النحو أن من الصواعق متعلقان بحذر الموت وفي ذلك تقديم معمول المصدر، قال ابن عقيل: إن الذي حمله على ذلك أنه لو علّقه بيجعلون لكان في موضع المفعول لأجله ويلزم على ذلك تعدّد المفعول لأجله من غير عطف وذلك ممتنع عند النحاة وأجاب عن هذا الاعتراض أن المفعول لأجله الأول تعليل للجعل مطلقا، والثاني تعليل له مقيدا بالأول والمطلق والمقيّد متغايران فالمعلّل متعدّد في المعنى وإن اتحد في اللفظ، وقد استدرك ابن هشام في مغني اللبيب على ابن عقيل، فارجع إليه إن شئت ففيه متعة وفائدة..[سورة البقرة: الآيات 21- 22]: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}..اللغة: أندادا جمع ندّ بكسر النون وهو المثل ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوئ.قال جرير:أتيما تجعلون إليّ ندّا وما تيم لذي حسب نديد..الإعراب: {يا أَيُّهَا} يا حرف نداء للمتوسط ولم يقع النداء في القرآن بغيرها من أدوات النداء وأي: منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضم في محل نصب {النَّاسُ} بدل من أي على اللفظ {اعْبُدُوا} فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو فاعل {رَبَّكُمُ} مفعول به والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة {الَّذِي} اسم موصول نعت لربكم {خَلَقَكُمْ} فعل ماض والكاف مفعول والفاعل مستتر تقديره هو {وَالَّذِينَ} الواو حرف عطف والذين اسم موصول معطوف على الكاف أي وخلق الذين {مِنْ قَبْلِكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف لا محل له من الاعراب لأنه صلة الموصول {لَعَلَّكُمْ} لعل حرف ترجّ ونصب والكاف اسمها {تَتَّقُونَ} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة الفعلية خبر لعل وجملة: {لعلكم تتقون} لا محل لها لأن موقعها مما قبلها موقع الجزاء من الشرط ويجوز أن تعرب حالية أي حال كونكم مترجين للتقوى طامعين فيها {الَّذِي} اسم موصول في محل نصب صفة ثانية لربكم {جَعَلَ} فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه تقديره هو والجملة الفعلية لا محل لها من الاعراب لأنها صلة الموصول {لَكُمُ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لفراشا ثم تقدمت {الْأَرْضَ} مفعول جعل الأول إن كانت من الجعل بمعنى التعبير {فِراشًا} مفعول به ثان وإن كانت من الجعل بمعنى الخلق فتكون فراشا حالا مؤوّلة {وَالسَّماءَ} عطف على قوله: {الأرض} {بِناءً} عطف على فراشا {وَأَنْزَلَ} الواو حرف عطف وأنزل عطف على قوله: {جعل} {مِنَ السَّماءِ} جار ومجرور متعلقان بأنزل.{ماءً} مفعول أنزل {فَأَخْرَجَ} عطف على أنزل {بِهِ} جار ومجرور متعلقان بأخرج {مِنَ الثَّمَراتِ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة وتقدمت {رِزْقًا} مفعول به {لَكُمُ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ثانية لرزقا {فَلا} الفاء تعليلية ولا:ناهية {تَجْعَلُوا} فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والجملة تعليلية لا محلّ لها بمثابة الاستئنافية والمعنى أن هذا النهي متسبّب عن إيجاد هذه الآيات الباهرة {لِلَّهِ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف في موضع المفعول الثاني لتجعلوا {أَنْدادًا} مفعول تجعلوا الأول {وَأَنْتُمْ} الواو حالية وأنتم ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ {تَعْلَمُونَ} فعل مضارع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل والجملة الفعلية في محل رفع خبر أنتم والجملة الاسمية في موضع نصب على الحال..الفوائد: 1- اضطرب كلام النحاة في إعراب الاسم المعرف بالألف واللام بعد يا أيها فقال معظمهم: إنه صفة وحجتهم أن كلا من حرف النداء وأل أداة تعريف وهم يكرهون أداتين لمؤدّى واحد فأقحمت أي لتكون هي المنادى ظاهرا والمحلّى بأل صفة لها ويرد بأنه جامد مثل يا أيها الرجل ويجاب بأنه وإن كان جامدا لكنه في حكم المشتقّ أي المتصف بالرجولية والذي نراه أنه يقال في أن أي أو أية منادى وها حرف تنبيه وما فيه أل بدل من المنادى إذا كان جامدا وإلّا أعرب نعتا.2- إنما سميت الأرض أرضا لأنها تتأرض ما في بطنها يعني تأكل ما فيها.3- إذا ورد الترجّي في كلام اللّه تعالى ففيه ثلاثة تأويلات:آ- إن لعلّ على بابها من الترجّي والاطماع ولكنه بالنسبة إلى المخاطبين وقد نص على هذا التأويل سيبويه في كتابه والزمخشري في كشافّه.ب- إن لعلّ للتعليل أي اعبدوا ربكم لكي تتقوا نصّ عليه قطرب واختاره الطبري في تفسيره الكبير.ج- إنها للتعرض للشيء كأنه قيل: افعلوا ذلك متعرضين لأن تتقوا نص عليه أبو البقاء واختاره المهدويّ في تفسيره الممتع.4- إذا تقدم النعت على المنعوت أعرب حالا وساغ لذلك أن يكون صاحب الحال نكرة مع أنه محكوم عليه أن يكون معرفة لأن الحكم على المجهول لا يفيد في الغالب وعليه قول الشاعر:.[سورة البقرة: الآيات 23- 24]: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24)}..اللغة: السورة الطائفة من القرآن التي أقلّها ثلاث آيات، ومن معانيها المرتبة الرفيعة قال النابغة الذبياني:{وَقُودُهَا} بفتح الواو وهو ما توقد به النار من حطب وغيره وأما بضمها فهو مصدر وقد، وكذا يقال فيما جاء على هذا الوزن كالوضوء والطهور والسحور. .الإعراب: {وَإِنْ} الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق للرد على من ارتابوا في القرآن تعنتا ولجاجا وإن شرطية تجزم فعلين {كُنْتُمْ} كان فعل ماض ناقص والتاء اسمها والفعل الناقص في محل جزم فعل الشرط {فِي رَيْبٍ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كنتم {مِمَّا} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لريب وما موصولة {نَزَّلْنا} فعل ماض مبني على السكون ونا ضمير في محل رفع فاعل والجملة الفعلية لا محل لها من الاعراب لأنها صلة الموصول {عَلى عَبْدِنا} الجار والمجرور متعلقان بنزلنا والعائد محذوف أي نزلناه ولم يقل أنزلناه لأن القرآن نزل منجّما على سبيل التدريج {فَأْتُوا} الفاء رابطة لجواب الشرط لأن الجملة طلبية لا تصلح لتكون شرطا وأتوا فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة في محل جزم جواب الشرط {بِسُورَةٍ} الجار والمجرور متعلقان بأتوا {مِنْ مِثْلِهِ} متعلقان بحسب عودة الضمير فهو إما أن يعود على القرآن فهما متعلقان بمحذوف صفة لسورة وإما أن يعود على عبدنا فهما متعلقان بقوله: {فأتوا} والمعنى على الأول يتناول عدة أمور:آ- فأتوا بسورة من مثله في حسن النظم وبديع الوصف وروعة الأسلوب وإيجازه.ب- فأتوا بسورة من مثله في غيبوبة أخباره وأحاديثه عن الماضين وتحدثه عما يكون.ج- فأتوا بسورة من مثله فيما انطوى عليه من أمر ونهي ووعد ووعيد وبشارة وإنذار، وحكم وأمثال.د- فأتوا بسورة من مثله في صدقه وصيانته من التحريف والتبديل وغير ذلك من خصائصه.ه- فأتوا بسورة من مثله في منطوياته البعيدة، وأحكامه المتمشية مع تطورات الأزمنة، وتقدم العلوم، ومواكبته للحضارة الانسانية في مختلف ظروفها وأحوالها.والمعنى على الثاني يتناول عدة أمور أيضا:آ- فأتوا من مثل الرسول أي من أمّيّ لا يحسن الكتابة على الفطرة الأصلية.ب- فأتوا من مثل الرسول أي من رسول لم يدارس العلماء، ولم يجالس الحكماء، ولم يتعاط أخبار الأولين، ولم يؤثر ذلك عنه بحال من الأحوال.ج- فأتوا من مثل الرسول أي من كل رجل كما تحسبونه في زعمكم شاعر أو مجنون وكلا المعنيين كما ترى، حسن جميل.{وادْعُوا} عطف على قوله: {فأتوا} والواو فاعل {شُهَداءَكُمْ} مفعول به لادعوا والكاف في محل جر بالإضافة {مِنْ دُونِ اللَّهِ} الجار والمجرور متعلقان بادعوا والمعنى: وادعوا من دون اللّه شهداءكم، والشهداء: إما جمع شهيد للمبالغة كعليم وعلماء وإما جمع شاهد كشاعر وشعراء ويحتمل أن يتعلقا بمحذوف حال من قوله: {شهداءكم} والتقدير منفردين عن اللّه تعالى أو مغايرين للّه {إِنْ} شرطية وانظر بحثا هاما عنها في باب الفوائد {كُنْتُمْ} كان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها {صادِقِينَ} خبرها وجواب الشرط أي فافعلوا ذلك {فَإِنْ} الفاء استئنافية وإن شرطية {لَمْ} حرف نفي وقلب وجزم {تَفْعَلُوا} فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون {وَلَنْ} الواو اعتراضية ولن حرف نفي ونصب واستقبال {تَفْعَلُوا} فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها معترضة بين الشرط وجوابه {فَاتَّقُوا} الفاء رابطة لجواب الشرط واتقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل {النَّارَ} مفعول به {الَّتِي} اسم موصول في محل نصب صفة للنار {وَقُودُهَا} مبتدأ مرفوع والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة {النَّاسُ} خبر {وَالْحِجارَةُ} عطف على الناس والجملة الاسمية لا محل لها من الاعراب لأنها صلة الموصول {أُعِدَّتْ} فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي {لِلْكافِرِينَ} الجار والمجرور متعلقان بأعدت والجملة الفعلية في محل نصب حال لازمة من النار وإنما قلنا لازمة ردا على بعض المعربين كأبي حيان وابن عطية فقد جعلا الجملة استئنافية تفاديا لجعلها حالية من النار لأن المعنى يصير فاتقوا النار في حال إعدادها للكافرين بينما هي معدة لهم اتقوها أم لم يتقوها ولكن اضافة لازمة تدفع هذه المظنّة..البلاغة: 1- إيجاز القصر في قوله: {فاتقوا النار} والإيجاز هو جمع المعاني الكثيرة تحت اللفظ القليل مع الإبانة والإفصاح.2- إيجاز الحذف في قوله: {فاتقوا النار} أيضا وإيجاز الحذف يكون بحذف كلمة أو جمالة أو أكثر مع قرينة تعين المحذوف لأن من اتقى النار عصم نفسه عن جميع الموبقات التي يطول تعدادها.وترك المكابرة والمعاندة.3- الاعتراض: في قوله: {ولن تفعلوا} وهو يأتي في الكلام الأغراض كثيرة، والغرض هنا التأكيد بأن ذلك غير متاح لهم ولو جهدوا وتضافرت هممهم عليه ومن روائعه قول عوف بن محلم الخزاعي:إن الثمانين، وبلغتها، قد أحوجت سمعي إلى ترجمان.فقوله: وبلغتها اعتراض بين اسم أن وخبرها وفائدتها الدعاء للمخاطب بأن يمتدّ عمره إلى الثمانين مع التنصل من مسئولية عدم السمع بسبب كبر السنّ ووقر السمع وقول المتنبي جميل للغاية:والاعتراض في قوله: يا جنتي وقول أبي نواس وقد عشق الأمين: إني- على ما ذكرت من فرقي- لآمل أن أناله بيدي والاعتراض في قوله: على ما ذكرت من فرقي وفيه ما لا يكتنه حسنه.
|