الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}.أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال: السنون الجوع.وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال الجوائح {ونقص من الثمرات} دون ذلك.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال: أخذهم الله بالسنين بالجوع عامًا فعامًا {ونقص من الثمرات} فأما السنون فكان ذلك في باديتهم وأهل مواشيهم، وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم وقراهم.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن رجاء بن حيوة في قوله: {ونقص من الثمرات} قال: حتى لا تحمل النخلة إلا بسرة واحدة.وأخرج الحكيم والترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يبس كل شيء لهم، وذهبت مواشيهم حتى يبس نيل مصر، واجتمعوا إلى فرعون فقالوا له: إن كنت كما تزعم فأتنا في نيل مصر بماء. قال: غدوة يصبحكم الماء. فلما خرجوا من عنده قال: أي شيء صنعت...! انا أقدر على أن أجري في نيل مصر ماء، غدوة أصبح فيكذبونني. فلما كان في جوف الليل قام واغتسل ولبس مدرعة صوف، ثم خرج حافيًا حتى أتى نيل مصر فقام في بطنه فقال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر على أن نملأ نيل مصر ماء فأملاه، فما علم إلا بخرير الماء يقبل، فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله بهم من الهلكة. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ}.{السِّنينَ}: جمعُ سنة، وفيها لغتان أشهرهما: إجْرَاؤُهُ مُجرَى المُذكر السَّالم فيُرفع بالواو ويُنْصَبُ ويُجَرُّ بالياء، وتُحْذَفُ نُونُه للإضافة.قال النُّحَاةُ: إنَّمَا جرى ذلك المجرى جَبْرًا لما فاته من لامة المحذوفةِ، وسيأتي في لامه كلامٌ، واللغة الثانيةُ: أن يُجْعَلَ الإعرابُ على النُّون ولكن مع الياء خاصَّةً.نقل هذه اللُّغة أبُو زيد والفراءُ.ثم لك فيها لغتان: إحدهما: ثبوتُ تنوينها.والثانية: عدمهُ.قال الفرَّاءُ: هي في هذه اللُّغة مصروفة عند بني عامر، وغير مصروفة عند بني تميم، ووجه حذف التنوين التَّخفيف، وحينئذ لا تُحْذَفُ النُّون للإضافة وعلى ذلك جاء قوله: [الطويل]وجاء في الحديث: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عليهم سنينَ كَسِنِي يُوسُفَ» «وسِنينًا كسِنِينِ يُوسفُ» باللُّغتين، وفي لام سَنَةٍ لغتان، أحدهما: أنَّهَا واو لقولهم: سنوات وسَانَيْتُ، وسُنَيَّةٌ.الثانية: أنَّها هاء لقولهم: سانَهْتُ وسَنَهَات وسُنَيْهَة، وليس هذا الحكمُ المذكور أعني: جريانه مجرى جمع المذكر أو إعرابه بالحركات مقتصرًا على لفظ سِنينَ بل هو جارٍ في كلِّ اسم ثلاثي مؤنث حُذِفَتْ لامُهُ، وعُوِّضَ منها تَاءُ التَّأنيثِ، ولم يُجْمَع جمع تكسير نحو: ثُبَةٍ وثُبين، وقُلة، وقُلينَ.فصل:قال شهابُ الدِّين: وتَحرَّزْتُ بقولي: حُذِفَتْ لامُه مِمَّا حُذِفَتْ فاؤه، نحو: لِدة وعِدَة.وبقولي ولم يُجْمع جمع تكسير من ظُبَةٍ وظُبّى، وقد شَذَّ قولهم: لِدُونَ في المحذوف الفاء، وظِبُونَ في المكسَّر. واعلم أنَّ هذا النَّوَع إذَا جَرَى مَجْرَى الزيدينَ فإنْ كان مكسورَ الفاء سَلِمَتْ، ولم تُغَيَّر نحو: مائة ومئين، وفئة وفئين، وإنْ كان مفتوحها كُسِرَتْ نحو: سنين، وقد نُقِلَ فَتْحُها وهو قليلٌ جدًّا، وإن كان مضمومَهَا جاز في جمعها الوجهان: أعني السَّلامة، والكسر نحو: ثُبين وقُلين.قال أبُو عَلِي: السَّنة على معنيين: أحدهما: يراد بها العام.والثاني: يراد بها الجدْب.وقد غلبت السَّنَةُ على زمانِ الجدْبِ، والعام على زمان الخصب حتى صَارَا كالعلم بالغلبة ولذلك أشتقُّوا من لفظ السَّنَةِ فقالوا: أسْنَتَ القَوْمُ.قال: [الكامل] وقال حاتم الطائِيُّ: [الطويل] ويُؤيِّدُ ذلك في سورة يوسف [الآية 47]: {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا} ثم قال: {سَبْعٌ شِدَادٌ} [يوسف: 48] فهذا في الجدب.وقال: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس} [يوسف: 49].وقوله: {مِنَ الثَّمَرَاتِ} متعلِّق بـ {نَقْصٍ}.قال قتادةُ: أمَّا السنُونَ فلأهل البوادي، وأمَّا نقص الثَّمراتِ فلأهل الأمصار.{لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُّونَ} يتَّعظون، وذلك لأنَّ الشدة ترقق القلوب، وترغب فيما عند اللَّهِ.قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت: 51]. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}.شدَّد عليهم وطأة القدرة بعدما ضاعف لديهم أسباب النعمة، فلا الوطأة أصلحتهم شِدَّتُها ولا النعمة نبهتهم كثرتها، لا بل إنْ مَسَّهم يُسْرٌ لاحظوه بعين الاستحقاق، وإن مَسَّهُم عُسْرٌ حملوه على التَّطَيُّرِ بموسى عليه السلام بمقتضى الاغترار. اهـ..تفسير الآية رقم (131): قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما لم يتذكروا ولا لانوا، سبب عن أخذهم قوله معرفًا بغباوتهم معبرًا في الخير بأداة التحقيق إشارة إلى أنه أغلب من الشر، حثًا على الشكر: {فإذا} أي فما تسبب عن ذلك إلا أنهم كانوا إذا {جاءتهم الحسنة} أي الحالة الكاملة التي يحبونها من الخصب وغيره، وعرفها بعد تحقيقها إشارة إلى إكمالها {قالوا لنا هذه} أي نحن حقيقون بها، ودل على أن الخير أكثر من غيره بقوله بأداة الشك مع التنكير: {وإن تصبهم سيئة} أي حالة يكرهونها.ولما كانت افصابة بالسيئات تخصهم ولا يلحق بني إسرائيل منها شيء، فكان إظهارهم للتطير بهم ظاهرًا في ردهم عليهم وتكذيبهم فيه، أشار سبحانه بإدغام التاء إلى أنهم كانوا إنما يدسونه إلى من يمكنهم اختداعه من الجهلة والأغبياء على وجه الحلية والخفاء، بخلاف ما في يس فقال: {يطيروا} أي يتشاءموا {بموسى ومن معه} أي بأن يقولوا: ما حصل لنا هذا السوء إلا بشؤمهم، وهو تفعل من الطير، وهو تعمد قصد الطير لأن يطير للتفاؤل به خير أو شر، وأصله أن العرب كانوا إذا مر الطائر من ميامنهم إلى جهة مياسرهم قالوا: بارح، أي مشؤوم، من البرح وهو الشدة، فإذا طار من جهة اليسار إلى جهة اليمين عدوه مباركًا، قالوا: من لي بالسانح بعد البارح، أي بالمبارك بعد المشؤوم، وعرف أن المراد هنا التشاؤم لاقترانه بالسيئة.ولما كذبوا في الموضعين، قال مستأنفًا على وجه التأكيد: {ألا إنما طائرهم} أي قدرهم الذي سبق في الأزل من الخير والشر فلا يزداد ولا ينقص {عند الله} أي الملك الذي لا أمر لغيره وقد قدر كل شيء، فلا يقدر على المجيء به غيره أصلًا {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي لا علم لهم أصلًا فهم لا يهتدون إلى ما ينفعهم ويظنون أن للعباد مدخلًا في ذلك، فلذلك تراهم يضيفون الأشياء إلى أسباب يتوهمونها. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: ثم بين تعالى أنهم عند نزول تلك المحن عليهم يقدمون على ما يزيد في كفرهم ومعصيتهم فقال: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه} قال ابن عباس: يريد بالحسنة العشب والخصب والثمار والمواشي والسعة في الرزق والعافية والسلامة {قَالُواْ لَنَا هذه} أي نحن مستحقون على العادة التي جرت من كثرة نعمنا وسعة أرزاقنا، ولم يعلموا أنه من الله فيشكروه عليه ويقوموا بحق النعمة فيه.وقوله: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} يريد القحط والجدب والمرض والضر والبلاء {يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} أي يتشاءموا به.ويقولوا إنما أصابنا هذا الشر بشؤم موسى وقومه، والتطير التشاؤم في قول جميع المفسرين وقوله: {يَطَّيَّرُواْ} هو في الأصل يتطيروا، أدغمت التاء في الطاء، لأنهما من مكان واحد من طرف اللسان وأصول الثنايا وقوله: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله} في الطائر قولان:القول الأول: قال ابن عباس: يريد شؤمهم عند الله تعالى أي من قبل الله أي إنما جاءهم الشر بقضاء الله وحكمه، فالطائر هاهنا الشؤم.ومثله قوله تعالى في قصة ثمود: {قَالُواْ اطيرنا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ الله} قال الفراء: وقد تشاءمت اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا غلت أسعارنا وقلت أمطارنا مذ أتانا، قال الأزهري: وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها، والتطير ببارحها، ونعيق غربانها، وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها، فسموا الشؤم طيرًا وطائرًا وطيرة لتشاؤمهم بها.ثم أعلم الله تعالى على لسان رسوله أن طيرتهم باطلة، فقال: {لا طيرة ولا هام} وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل، ولا يتطير.وأصل الفأل الكلمة الحسنة، وكانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الفأل وأبطل الطيرة قال محمد الرازي رحمه الله: ولابد من ذكر فرق بين البابين.والأقرب أن يقال: إن الأرواح الإنسانية أصفى وأقوى من الأرواح البهيمية والطيرية.فالكلمة التي تجري على لسان الإنسان يمكن الاستدلال بها بخلاف طيران الطير، وحركات البهائم، فإن أرواحها ضعيفة، فلا يمكن الاستدلال بها على شيء من الأحوال.القول الثاني: في تفسير الطائر قال أبو عبيدة: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله} أي حظهم.وهو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنما طائرهم ما قضي عليهم وقدر لهم والعرب تقول: أطرت المال وطيرته بين القوم فطار لكل منهم سهمه.أي حصل له ذلك السهم.واعلم أن على كلا القولين، المعنى: أن كل ما يصيبهم من خير أو شر فهو بقضاء الله تعالى وبتقديره {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن الكل من الله تعالى، وذلك لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب المحسوسة ويقطونها عن قضاء الله تعالى وتقديره، والحق أن الكل من الله، لأن كل موجود، فهو إما واجب الوجود لذاته أو ممكن لذاته، والواجب واحد وما سواه ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذته، وبهذا الطريق يكون الكل من الله فإسنادها إلى غير الله يكون جهلًا بكمال الله تعالى. اهـ.
|