الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: اتَّخِذُوا قَرْنًا مِثْل قَرْنِ الْيَهُودِ؛ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بِلَالُ؛ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ».وَفِي الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ لِيُعْمَلَ حَتَّى يُضْرَبَ بِهِ فَيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا، فَقُلْت لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، تَبِيعُ هَذَا النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ لِي: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْت: نَدْعُو بِهِ لِلصَّلَاةِ.قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى.فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ فَذَكَرَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ.فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْت، فَقَالَ: إنَّهَا لِرُؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ.فَفَعَلْت».«فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ الْأَذَانَ خَرَجَ مُسْرِعًا، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأُخْبِرَ الْخَبَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ».وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ عَلَى أَخْبَارِ الْأَذَانِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَمَسَائِلِهِ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ. اهـ.
.من فوائد الشعراوي في الآية: قال رحمه الله:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)}.والنداء هو دعوة بجهر. ومقابل النداء المناجاة. وتثبت هذه الآية أن الأذان مشروع بالقرآن، وفي ذلك رد على الذين يقولون: إن الأذان قد شرع بالسنة. أو أن القرآن بهذه الآية قد أقر تشريع الأذان. {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُوًا وَلَعِبًا ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} ذلك أنهم كانوا يقولون عن الأذان: لقد صاحوا صياح الحمير. ووصفهم الحق بقوله: {ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} والعقل- كما نعلم- هو الأداة التي تؤدي مهمة الاختيار ما بين البدائل؛ أي أن يختار الصالح من الأمور فيدرس مزايا كل أمر ومضاره ويختار الأمر الرابح.إن الهوى هو الذي يدفع العقل إلى أن يختار أمرًا مخالفًا. فيجنح بالعقل إلى الضلال. وآفة الرأي الهوى. ولا يميل الإنسان عن جادة الصواب إلا إذا أراد أن يخدم هواه. ولذلك لابد أن يكبح المؤمن جماح هواه بعقله، والعقل مأخوذ من عقال البعير، فصاحب الجمل يقيد ساقه بقطعة من الحبل حتى لا يجمح. ويحتاج الإنسان إلى العقل ليكبح جماح الهوى، ولينقذ الإنسان من الضلال لا أن يبرر الهوى. والذين يريدون العقل تحررًا من الفكر نقول لهم: أنتم لا تفهمون معنى كلمة العقل. فقد جاءت كلمة العقل لتمنع الهوى لا ليجترئ الإنسان بهواه على رأيه وسلوكه المستقيم، والعقل هو الذي يمنع الفكر من أن يكون مبررًا للهوى.فلو كانوا يعقلون لقلنا لهم: إن الأعمال التي تنادون بها عمر نفعها مظنون وقد تنفعكم في دنياكم، وعمر الدنيا لا يستطيع أحد أن يحدده بالنسبة لنفسه، فدنيا الفرد قد لا تزيد على مائة سنة. ودنيا الإنسان هو عمره فيها. وقد ستر الله سبب الموت وكيفيته عن الخلق حتى يعرف الإنسان أن عمره مظنون وقد ينتهي قبل أن تطرف عينه. ولو كانوا يعقلون لما باعوا آخرتهم بدنياهم. ولو عقلوا لأداروا مسألة البدائل في رءوسهم ولعلموا أنهم بموقفهم هذا من قضية الإيمان والإسلام إنما يقفون موقفًا خاسرًا ليس في مصلحتهم. اهـ..من فوائد سيد قطب في الآيات السابقة: قال رحمه الله:{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}.إن تهديد من يرتد عن دينه من الذين آمنوا على هذه الصورة وفي هذا المقام ينصرف ابتداء إلى الربط بين موالاة اليهود والنصارى وبين الارتداد عن الإسلام وبخاصة بعد ما سبق من اعتبار من يتولاهم واحدًا منهم منسلخا من الجماعة المسلمة منضما إليهم ومن يتولهم منكم فإنه منهم وعلى هذا الاعتبار يكون هذا النداء الثاني في السياق توكيدا وتقريرا للنداء الأول يدل على هذا كذلك النداء الثالث الذي يلي هذا النداء والسياق وهو منصب على النهي عن موالاة أهل الكتاب والكفار يجمع بينهم على هذا النحو الذي يفيد أن موالاتهم كموالاة الكفار سواء وأن تفرقة الإسلام في المعاملة بين أهل الكتاب والكفار لا تتعلق بقضية الولاء إنما هي في شئون أخرى لا يدخل فيها الولاء يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم إن اختيار الله للعصبة المؤمنة لتكون أداة القدر الإلهي في إقرار دين الله في الأرض وتمكين سلطانه في حياة البشر وتحكيم منهجه في أوضاعهم وأنظمتهم وتنفيذ شريعته في أقضيتهم وأحوالهم وتحقيق الصلاح والخير والطهارة والنماء في الأرض بذلك المنهج وبهذه الشريعة إن هذا الاختيار للنهوض بهذا الأمر هو مجرد فضل الله ومنته فمن شاء أن يرفض هذا الفضل وأن يحرم نفسه هذه المنة فهو وذاك والله غنى عنه وعن العالمين والله يختار من عباده من يعلم أنه أهل لذلك الفضل العظيم والصورة التي يرسمها للعصبة المختارة هنا صورة واضحة السمات قوية الملامح وضيئة جذابة حبيبة للقلوب فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فالحب والرضى المتبادل هو الصلة بينهم وبين ربهم الحب هذا الروح الساري اللطيف الرفاف المشرق الرائق البشوش هو الذي يربط القوم بربهم الودود وحب الله لعبد من عبيده أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلا من يعرف الله سبحانه بصفاته كما وصف نفسه وإلا من وجد إيقاع هذه الصفات في حسه ونفسه وشعوره وكينونته كلها أجل لا يقدر حقيقة هذا العطاء إلا الذي يعرف حقيقة المعطي الذي يعرف من هو الله من هو صانع هذا الكون الهائل وصانع الإنسان الذي يلخص الكون وهو جرم صغير من هو في عظمته ومن هو في قدرته ومن هو في تفرده ومن هو في ملكوته من هو ومن هذا العبد الذي يتفضل الله عليه منه بالحب والعبد من صنع يديه سبحانه وهو الجليل العظيم الحي الدائم الأزلى الأبدي الأول والآخر والظاهر والباطن وحب العبد لربه نعمة لهذا العبد لا يدركها كذلك إلا من ذاقها وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمرا هائلا عظيما وفضلا غامرا جزيلا فإن إنعام الله على العبد بهدايته لحبه وتعريفه هذا المذاق الجميل الفريد الذي الذي لا نظير له في مذاقات الحب كلها ولا شبيه هو إنعام هائل عظيم وفضل غامر جزيل وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمرا فوق التعبير أن يصفه فإن حب العبد لربه أمر قلما استطاعت العبارة أن تصوره إلا في فلتات قليلة من كلام المحبين وهذا هو الباب الذي تفوق فيه الواصلون من رجال التصوف الصادقين وهم قليل من بين ذلك الحشد الذي يلبس مسوح التصوف ويعرف في سجلهم الطويل ولا زالت أبيات رابعة العدوية تنقل إلى حسي مذاقها الصادق لهذا الحب الفريد وهي تقول فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب وهذا الحب من الجليل للعبد من العبيد والحب من العبد للمنعم المتفضل يشيع في هذا الوجود ويسري في هذا الكون العريض وينطبع في كل حي وفي كل شيء فإذا هو جو وظل يغمران هذا الوجود ويغمران الوجود الإنساني كله ممثلا في ذلك العبد المحب المحبوب والتصور الإسلامي يربط بين المؤمن وربه بهذا الرباط العجيب الحبيب وليست مرة واحدة ولا فلتة عابرة إنما هو أصل وحقيقة وعنصر في هذا التصور أصيل إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا إن ربي رحيم ودود وهو الغفور الودود وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان والذين آمنوا أشد حبا لله قل إن كنم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وغيرها كثير وعجبا لقوم يمرون على هذا كله ليقولوا إن التصور الإسلامي تصور جاف عنيف يصور العلاقة بين الله والإنسان علاقة قهر وقسر وعذاب وعقاب وجفوة وانقطاع لا كالتصور الذي يجعل المسيح ابن الله وأقنوم الإله فيربط بين الله والناس في هذا الازدواج إن نصاعة التصور الإسلامي في الفصل بين حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية لا تجفف ذلك الندى الحبيب بين الله والعبيد فهي علاقة الرحمة كما أنها علاقة العدل وهي علاقة الود كما أنها علاقة التجريد وهي علاقة الحب كما أنها علاقة التنزية إنه التصور الكامل الشامل لكل حاجات الكينونة البشرية في علاقتها برب العالمين وهنا في صفة العصبة المؤمنة المختارة لهذا الدين يرد ذلك النص العجيب يحبهم ويحبونه ويطلق شحنته كلها في هذا الجو الذي يحتاج إليه القلب المؤمن وهو يضطلع بهذا العبء الشاق شاعرا أنه الاختيار والتفضل والقربى من المنعم الجليل ثم يمضي السياق يعرض بقية السمات أذلة على المؤمنين وهي صفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللين فالمؤمن ذلول للمؤمن غير عصي عليه ولا صعب هين لين ميسر مستجيب سمح ودود وهذه هي الذلة للمؤمنين وما في الذلة للمؤمنين من مذلة ولا مهانة إنما هي الأخوة ترفع الحواجز وتزيل التكلف وتخلط النفس بالنفس فلا يبقى فيها ما يستعصي وما يحتجز دون الآخرين إن حساسية الفرد بذاته متحوصلة متحيزة هي التي تجعله شموسا عصيا شحيحا على أخيه فأما حين يخلط نفسه بنفوس العصبة المؤمنة معه فلن يجد فيها ما يمنعه وما يستعصي به وماذا يبقى له في نفسه دونهم وقد اجتمعوا في الله إخوانا؛ يحبهم ويحبونه ويشيع هذا الحب العلوي بينهم ويتقاسمونه أعزة على الكافرين فيهم على الكافرين شماس وإباء واستعلاء ولهذه الخصائص هنا موضع إنها ليست العزة للذات ولا الاستعلاء للنفس إنما هي العزة للعقيدة والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير وأن دورهم هو أن يطوعوا الآخرين للخير الذي معهم لا أن يطوعوا الآخرين لأنفسهم ولا أن يطوعوا أنفسهم للآخرين وما عند الآخرين ثم هي الثقة بغلبة دين الله على دين الهوى؛ وبغلبة قوة الله على تلك القوى؛ وبغلبة حزب الله على أحزاب الجاهلية فهم الأعلون حتى وهم ينهزمون في بعض المعارك في أثناء الطريق الطويل يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم فالجهاد في سبيل الله لإقرار منهج الله في الأرض وإعلان سلطانه على البشر وتحكيم شريعته في الحياة لتحقيق الخير والصلاح والنماء للناس هي صفة العصبة المؤمنة التي يختارها الله ليصنع بها في الأرض ما يريد وهم يجاهدون في سبيل الله؛ لا في سبيل أنفسهم؛ ولا في سبيل قومهم؛ ولا في سبيل وطنهم؛ ولا في سبيل جنسهم في سبيل الله لتحقيق منهج الله وتقرير سلطانه وتنفيذ شريعته وتحقيق الخير للبشر عامة عن هذا الطريق وليس لهم في هذا الأمر شيء وليس لأنفسهم من هذا حظ إنما هو لله وفي سبيل الله بلا شريك وهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم وفيم الخوف من لوم الناس وهم قد ضمنوا حب رب الناس وفيم الوقوف عند مألوف الناس وعرف الجيل ومتعارف الجاهلية وهم يتبعون سنة الله ويعرضون منهج الله للحياة إنما يخشى لوم الناس من يستمد مقاييسه وأحكامه من أهواء الناس؛ ومن يستمد عونه ومدده من عندالناس؛ أما من يرجع إلى موازين الله ومقاييسه وقيمه ليجعلها تسيطر على أهواء الناس وشهواتهم وقيمهم؛ وأما من يستمد قوته وعزته من قوة الله وعزته فما يبالي ما يقول الناس وما يفعلون كائنا هؤلاء الناس ما كانوا؛ وكائنا واقع هؤلاء الناس ما كان وكائنة حضارة هؤلاء الناس وعلمهم وثقافتهم ما تكون إننا نحسب حسابا لما يقول الناس؛ ولما يفعل الناس؛ ولما يملك الناس؛ ولما يصطلح عليه الناس؛ ولما يتخذه الناس في واقع حياتهم من قيم واعتبارات وموازين لأننا نغفل أو نسهو عن الأصل الذي يجب أن نرجع إليه في الوزن والقياس والتقويم إنه منهج الله وشريعته وحكمه فهو وحده الحق وكل ما خالفة فهو باطل؛ ولو كان عرف ملايين الملايين ولو أقرته الأجيال في عشرات القرون إنه ليست قيمة أي وضع أو أي عرف أو أي تقليد أو أية قيمة أنه موجود؛ وأنه واقع؛ وأن ملايين البشر يعتنقونه ويعيشون به ويتخذونه قاعدة حياتهم فهذا ميزان لا يعترف به التصور الإسلامي إنما قيمة أي وضع وأي عرف وأي تقليد وأية قيمة أن يكون لها أصل في منهج الله الذي منه وحده تستمد القيم والموازين ومن هنا تجاهد العصبة المؤمنة في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم فهذه سمة المؤمنين المختارين ثم إن ذلك الاختيار من الله وذلك الحب المتبادل بينه وبين المختارين وتلك السمات التي يجعلها طابعهم وعنوانهم وهذا الاطمئنان إلى الله في نفوسهم والسير على هداه في جهادهم ذلك كله من فضل الله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يعطي عن سعة ويعطي عن علم وما أوسع هذا العطاء؛ الذي يختار الله له من يشاء عن علم وعن تقدير ويحدد الله للذين آمنوا جهة الولاء الوحيدة التي تتفق مع صفة الإيمان؛ ويبين لهم من يتولون إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون هكذا على وجه القصر الذي لا يدع مجالا للتمحل أو التأول؛ ولا يترك فرصة لتمييع الحركة الإسلامية أو تمييع التصور ولم يكن بد أن يكون الأمر كذلك لأن المسألة في صميمها كما قلنا هي مسألة العقيدة ومسألة الحركة بهذه العقيدة وليكون الولاء لله خالصا والثقة به مطلقة وليكون الإسلام هو الدين وليكون الأمر أمر مفاصلة بين الصف المسلم وسائر الصفوف التي لا تتخذ الإسلام دينا ولا تجعل الإسلام منهجا للحياة ولتكون للحركة الإسلامية جديتها ونظامها؛ فلا يكون الولاء فيها لغير قيادة واحدة وراية واحدة ولا يكون التناصر إلا بين العصبة المؤمنة؛ لأنه تناصر في المنهج المستمد من العقيدة ولكن حتى لا يكون الإسلام مجرد عنوان أو مجرد راية وشعار أو مجرد كلمة تقال باللسان أو مجرد نسب ينتقل بالوراثة أو مجرد وصف يلحق القاطنين في مكان فإن السياق يذكر بعض السمات الرئيسية للذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون فمن صفتهم إقامة الصلاة لا مجرد أداء الصلاة وإقامة الصلاة تعني أداءها أداء كاملا تنشأ عنه آثارها التي يقررها قوله تعالى: {إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر} والذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يقم الصلاة؛ فلو أقامها لنهته كما يقول الله ومن صفتهم إيتاء الزكاة أي أداء حق المال طاعة لله وقربى عن رضى نفس ورغبة فليست الزكاة مجرد ضريبة مالية إنما هي كذلك عبادة أو هي عبادة مالية وهذه هي ميزة المنهج الإسلامي الذي يحقق أهدافا شتى بالفريضة الواحدة وليس كذلك الأنظمة الأرضية التي تحقق هدفا وتفرط في أهداف إنه لا يغني في إصلاح حال المجتمع أن يأخذ المجتمع المال ضريبة مدنية أو أن يأخذ المال من الأغنياء للفقراء باسم الدولة أو باسم الشعب أو باسم جهة أرضية ما فهي في صورتها هذه قد تحقق هدفا واحدا؛ وهو إيصال المال للمحتاجين فأما الزكاة فتعني اسمها ومدلولها إنها قبل كل شيء طهارة ونماء إنها زكاة للضمير بكونها عبادة لله وبالشعور الطيب المصاحب لها تجاه الإخوان الفقراء بما أنها عبادة لله يرجو عليها فاعلها حسن الجزاء في الآخرة كما يرجو منها نماء المال في الحياة الدنيا بالبركة وبالنظام الاقتصادي المبارك ثم بالشعور الطيب في نفوس الفقراء الآخذين أنفسهم؛ إذ يشعرون أنها فضل الله عليهم إذ قررها لهم في أموال الأغنياء؛ ولا يشعرون معها بالحقد والتشفي من إخوانهم الأغنياء مع تذكر أن الأغنياء في النظام الإسلامي لا يكسبون إلا من حلال ولا يجورون على حق أحد وهم يجمعون نصيبهم من المال وفي النهاية تحقق هدف الضريبة المالية في هذا الجو الراضي الخير الطيب جو الزكاة والطهارة والنماء وأداء الزكاة سمة من سمات الذين آمنوا تقرر أنهم يتبعون شريعة الله في شئون الحياة؛ فهي إقرار منهم بسلطان الله في أمرهم كله وهذا هو الإسلام وهم راكعون ذلك شأنهم كأنه الحالة الأصلية لهم ومن ثم لم يقف عند قوله يقيمون الصلاة فهذه السمة الجديدة أعم وأشمل إذ أنها ترسمهم للخاطر كأن هذا هو شأنهم الدائم فأبرز سمة لهم هي هذه السمة وبها يعرفون وما أعمق إيحاءات التعبيرات القرآنية في مثل هذه المناسبات والله يعد الذين آمنوا في مقابل الثقة به والالتجاء إليه والولاء له وحده ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف إلا الصف الذي يتمحض لله يعدهم النصر والغلبة ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها وأنها هي الولاء لله ورسوله وللمؤمنين؛ وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف المسلم إلى صف اليهود والنصارى وارتدادا عن الدين وهنا لفتة قرآنية مطردة فالله سبحانه يريد من المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير لا لأنه سيغلب أو سيمكن له في الأرض؛ فهذه ثمرات تأتي في حينها؛ وتأتي لتحقيق قدر الله في التمكين لهذا الدين؛ لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم لا شيء لذواتهم وأشخاصهم وإنما هو قدر الله يجريه على أيديهم ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم فيكون لهم ثواب الجهد فيه؛ وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين الله في الأرض وصلاح الأرض بهذا التمكين كذلك قد يعد الله المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم؛ وإطلاقها من عوائق الواقع الحاضر أمامهم وهي عوائق ساحقة في أحيان كثيرة فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة؛ وتخطي العقبة والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد الله للأمة المسلمة فيكون لهم ثواب الجهاد وثواب التمكين لدين الله وثواب النتائج المترتبة على هذا التمكين كذلك يشي ورود هذا النص في هذا المجال بحالة الجماعة المسلمة يومذاك وحاجتها إلى هذه البشريات بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب الله مما يرجح ما ذهبنا إليه من تاريخ نزول هذا القطاع من السورة ثم تخلص لنا هذه القاعدة؛ التي لا تتعلق بزمان ولا مكان فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن الله التي لا تتخلف وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب الله هم الغالبون ووعد الله القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق وأن الولاء لله ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقق وعد الله في نهاية الطريق الدرس الثالث دعوة المسلمين لعدم موالاة الكافرين وبعد فلقد سلك المنهج القرآني في هذا السياق طرقا منوعة لنهي الذين آمنوا عن تولي المخالفين لهم في عقيدتهم من أهل الكتاب والمشركين ولتقرير هذه القاعدة الإيمانية في ضمائرهم وإحساسهم وعقولهم مما يدل على أهمية هذه القاعدة في التصور الإسلامي؛ وفي الحركة الإسلامية على السواء وقد رأينا من قبل أنه سلك في النداء الأول طريق النهي المباشر وطريق التخويف من أن يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فينكشف ستر المنافقين وسلك في النداء الثاني طريق التحذير من الردة بموالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين؛ وطريق التحبيب في أن يكونوا من العصبة المختارة ممن يحبهم الله ويحبونه؛ وطريق الوعد بالنصر لحزب الله الغالب فالآن نجده في النداء الثالث في هذا الدرس للذين آمنوا يثير في نفوسهم الحمية لدينهم ولعبادتهم ولصلاتهم التي يتخذها أعداؤهم هزوا ولعبا ونجده يسوي في النهي عن الموالاة بين أهل الكتاب والكفار وينوط هذا النهي بتقوى الله؛ ويعلق على الاستماع إليه صفة الإيمان؛ ويقبح فعلة الكفار وأهل الكتاب ويصفهم بأنهم لا يعقلون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون وهي ملابسة مثيرة لكل من له حمية المؤمن؛ الذي لا يرى لنفسه كرامة إذا أهين دينه وأهينت عبادته وأهينت صلاته واتخذ موقفه بين يدي ربه مادة للهزء واللعب فكيف يقوم ولاء بين الذين آمنوا وبين أحد من هؤلاء الذين يرتكبون هذه الفعلة؛ ويرتكبونها لنقص في عقولهم فما يستهزى ء بدين الله وعبادة المؤمنين به إنسان سوي العقل؛ فالعقل حين يصح ويستقيم يرى في كل شيء من حوله موحيات الإيمان بالله وحين يختل وينحرف لا يرى هذه الموحيات لأنه حينئذ تفسد العلاقات بينه وبين هذا الوجود كله فالوجود كله يوحي بأن له إلها يستحق العبادة والتعظيم والعقل حين يصح ويستقيم يستشعر جمال العبادة لإله الكون وجلالها كذلك فلا يتخذها هزوا ولعبا وهو صحيح مستقيم ولقد كان هذا الاستهزاء واللعب يقع من الكفار كما كان يقع من اليهود خاصة من أهل الكتاب في الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم للجماعة المسلمة في ذلك الحين ولم نعرف من السيرة أن هذا كان يقع من النصارى ولكن الله سبحانه كان يضع للجماعة المسلمة قاعدة تصورها ومنهجها وحياتها الدائمة وكان الله سبحانه يعلم ما سيكون على مدار الزمان مع أجيال المسلمين وها نحن أولاء رأينا ونرى أن أعداء هذا الدين وأعداء الجماعة المسلمة على مدار التاريخ أمس واليوم من الذين قالوا إنهم نصارى كانوا أكثر عددا من اليهود ومن الكفار مجتمعين فهؤلاء كهؤلاء قد ناصبوا الإسلام العداء وترصدوه القرون تلو القرون وحاربوه حربا لا هوادة فيها منذ أن اصطدم الإسلام بالدولة الرومانية على عهد أبى بكر وعمر رضي الله عنهما حتى كانت الحروب الصليبية؛ ثم كانت المسألة الشرقية التي تكتلت فيها الدول الصليبية في أرجاء الأرض للإجهاز على الخلافة؛ ثم كان الاستعمار الذي يخفي الصليبية بين أضلاعه فتبدو في فلتات لسانه؛ ثم كان التبشير الذي مهد للاستعمار وسانده؛ ثم كانت وما تزال تلك الحرب المشبوبة على كل طلائع البعث الإسلامي في أي مكان في الأرض وكلها حملات يشترك فيها اليهود والنصارى والكفار والوثنيون وهذا القرآن جاء ليكون كتاب الأمة المسلمة في حياتها إلى يوم القيامة الكتاب الذي يبني تصورها الاعتقادي كما يبني نظامها الاجتماعي كما يبني خطتها الحركية سواء وها هو ذا يعلمها ألا يكون ولاؤها إلا لله ولرسوله وللمؤمنين؛ وينهاها أن يكون ولاؤها لليهود والنصارى والكافرين ويجزم ذلك الجزم الحاسم في هذه القضية ويعرضها هذا العرض المنوع الأساليب إن هذا الدين يأمر أهله بالسماحة وبحسن معاملة أهل الكتاب؛ والذين قالوا إنهم نصارى منهم خاصة ولكنه ينهاهم عن الولاء لهؤلاء جميعا لأن السماحة وحسن المعاملة مسألة خلق وسلوك أما الولاء فمسألة عقيدة ومسألة تنظيم إن الولاء هو النصرة هو التناصر بين فريق وفريق؛ ولا تناصر بين المسلمين وأهل الكتاب كما هو الشأن في الكفار لأن التناصر في حياة المسلم هو كما أسلفنا تناصر في الدين؛ وفي الجهاد لإقامة منهجه ونظامه في حياة الناس؛ ففيم يكون التناصر في هذا بين المسلم وغير المسلم وكيف يكون إنها قضية جازمة حاسمة لا تقبل التميع ولا يقبل الله فيها إلا الجد الصارم؛ الجد الذي يليق بالمسلم في شأن الدين الدرس الرابع بيان حقيقة كفر أهل الكتاب ونقمتهم على المسلمين وحين تتم النداءات الثلاثة للذين آمنوا يتوجه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليواجه أهل الكتاب فيسألهم ماذا ينقمون من الجماعة المسلمة وهل ينقمون منها إلا الإيمان بالله وما أنزل إلى أهل الكتاب؛ وما أنزله الله للمسلمين بعد أهل الكتاب هل ينقمون إلا أن المسلمين يؤمنون وأنهم هم أهل الكتاب أكثرهم فاسقون وهي مواجهة مخجلة ولكنها كذلك كاشفة وحاسمة ومحددة لأصل العداوة ومفرق الطريق قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل إن هذا السؤال الذي وجه الله رسوله إلى توجيهه لأهل الكتاب هو من ناحية سؤال تقريري لإثبات ما هو واقع بالفعل منهم؛ وكشف حقيقة البواعث التي تدفع بهم إلى موقفهم من الجماعة المسلمة ودينها وصلاتها وهو من ناحية سؤال استنكاري لاستنكار هذا الواقع منهم واستنكار البواعث الدافعة عليه وهو في الوقت ذاته توعية للمسلمين وتنفير لهم من موالاة القوم وتقرير لما سبق في النداءات الثلاثة من نهي عن هذه الموالاة وتحذير إن أهل الكتاب لم يكونوا ينقمون على المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم لا ينقمون اليوم على طلائع البعث الإسلامي إلا أن هؤلاء المسلمين يؤمنون بالله؛ وما أنزله الله إليهم من قرآن؛ وما صدق عليه قرآنهم مما أنزله الله من قبل من كتب أهل الكتاب إنهم يعادون المسلمين لأنهم مسلمون لأنهم ليسوا يهودا ولا نصارى ولأن أهل الكتاب فاسقون منحرفون عما أنزله الله إليهم؛ وآية فسقهم وانحرافهم أنهم لا يؤمنون بالرسالة الأخيرة وهي مصدقة لما بين أيديهم لا ما ابتدعوه وحرفوه ولا يؤمنون بالرسول الأخير وهو مصدق لما بين يديه؛ معظم لرسل الله أجمعين إنهم يحاربون المسلمين هذه الحرب الشعواء؛ التي لم تضع أوزارها قط ولم يخب أوارها طوال ألف وأربعمائة عام؛ منذ أن قام للمسلمين كيان في المدينة؛ وتميزت لهم شخصية؛ وأصبح لهم وجود مستقل؛ ناشى ء من دينهم المستقل وتصورهم المستقل ونظامهم المستقل في ظل منهج الله الفريد إنهم يشنون على المسلمين هذه الحرب المشبوبة لأنهم قبل كل شيء مسلمون ولا يمكن أن يطفئوا هذه الحرب المشبوبة إلا أن يردوا المسلمين عن دينهم؛ فيصبحوا غير مسلمين ذلك أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون؛ ومن ثم لا يحبون المستقيمين الملتزمين من المسلمين والله سبحانه يقرر هذه الحقيقة في صورة قاطعة وهو يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم في السورة الأخرى ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ويقول له في هذه السورة أن يواجه أهل الكتاب بحقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله؛ وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وهذه الحقيقة التي يقررها الله سبحانه في مواضع كثيرة من كلامه الصادق المبين هي التي يريد تمييعها وتلبيسها وتغطيتها وإنكارها اليوم كثيرون من أهل الكتاب وكثيرون ممن يسمون أنفسهم مسلمين باسم تعاون المتدينين في وجه المادية والإلحاد كما يقولون أهل الكتاب يريدون اليوم تمييع هذه الحقيقة بل طمسها وتغطيتها لأنهم يريدون خداع سكان الوطن الإسلامي أو الذي كان إسلاميا بتعبير أصح وتخدير الوعي الذي كان قد بثه فيهم الإسلام بمنهجه الرباني القويم ذلك أنه حين كان هذا الوعي سليما لم يستطع الاستعمار الصليبي أن يقف للمد الإسلامي فضلا على أن يستعمر الوطن الإسلامي ولم يكن بد لهؤلاء بعد فشلهم في الحروب الصليبية السافرة وفي حرب التبشير السافرة كذلك أن يسلكوا طريق الخداع والتخدير فيتظاهروا ويشيعوا بين ورثة المسلمين أن قضية الدين والحرب الدينية قد انتهت وأنها كانت مجرد فترة تاريخية مظلمة عاشتها الأمم جميعا ثم تنور العالم وتقدم فلم يعد من الجائز ولا اللائق ولا المستساغ أن يقوم الصراع على أساس العقيدة وأنما الصراع اليوم على المادة على الموارد والأسواق والاستغلالات فحسب وإذن فما يجوز للمسلمين أو ورثة المسلمين أن يفكروا في الدين ولا في صراع الدين وحين يطمئن أهل الكتاب وهم الذين يستعمرون أوطان المسلمين إلى استنامة هؤلاء لهذا التخدير؛ وحين تتميع القضية في ضمائرهم؛ فإن المستعمرين يأمنون غضبة المسلمين لله؛ وللعقيدة الغضبة التي لم يقفوا لها يوما ويصبح الأمر سهلا بعد التنويم والتخدير ولا يكسبون معركة العقيدة وحدها بل يكسبون معها ما وراءها من الأسلاب والمغانم والاستثمارات والخامات؛ ويغلبون في معركة المادة بعدما يغلبون في معركة العقيدة فهما قريب من قريب وعملاء أهل الكتاب في الوطن الإسلامي ممن يقيمهم الاستعمار هنا وهناك علانية أو في خفية يقولون القول نفسه لأنهم عملاء يؤدون الدور من داخل الحدود وهؤلاء يقولون عن الحروب الصليبية ذاتها إنها لم تكن صليبية ويقولون عن المسلمين الذين خاضوها تحت راية العقيدة إنهم لم يكونوا مسلمين وإنما هم كانوا قوميين وفريق ثالث مستغفل مخدوع؛ يناديه أحفاد الصليبين في الغرب المستعمر أن تعالوا إلينا تعالوا نجتمع في ولاء؛ لندفع عن الدين غائلة الملحدين فيستجيب هذا الفريق المستغفل المخدوع؛ ناسيا أن أحفاد الصلييبين هؤلاء وقفوا في كل مرة مع الملحدين؛ صفا واحدا حينما كانت المواجهة للمسلمين على مدار القرون وما يزالون وأنهم لا يعنيهم حرب المادية الإلحادية قدر ما تعنيهم حرب الإسلام ذلك أنهم يعرفون جيدا أن الإلحادية المادية عرض طارى ء وعدو موقوت؛ وأن الإسلام أصل ثابت وعدو مقيم وإنما هذه الدعوة المموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلائع البعث الإسلامي؛ وللانتفاع بجهد المستغفلين المخدوعين في الوقت ذاته ليكونوا وقود المعركة مع الملحدين لأنهم أعداء الاستعمار السياسيون وهؤلاء كهؤلاء حرب على الإسلام والمسلمين حرب لا عدة فيها للمسلم إلا ذلك الوعي الذي يربيه عليه المنهج الرباني القويم إن هؤلاء الذين تخدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ يدعونهم للتضامن والولاء في دفع الإلحاد عن الدين إنما ينسون واقع التاريخ في أربعة عشر قرنا لا استثناء فيها كما ينسون تعليم ربهم لهم في هذا الأمر بالذات وهو تعليم لا مواربة فيه ولا مجال للحيدة عنه وفي النفس ثقة بالله ويقين بجدية ما يقول إن هؤلاء يجتزئون فيما يقولون ويكتبون بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تأمر المسلمين أن يحسنوا معاملة أهل الكتاب؛ وأن يتسامحوا معهم في المعيشة والسلوك ويغفلون التحذيرات الحاسمة عن موالاتهم؛ والتقريرات الواعية عن بواعثهم والتعليمات الصريحة عن خطة الحركة الإسلامية وخطة التنظيم التي تحرم التناصر والموالاة لأن التناصر والموالاة لا يكونان عند المسلم إلا في شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه في الحياة الواقعية وليست هناك قاعدة مشتركة يلتقي عليها المسلم مع أهل الكتاب في شأن دينه مهما يكن هناك من تلاق في أصول هذه الأديان مع دينه قبل تحريفها إذ هم لا ينقمون منه إلا هذا الدين ولا يرضون عنه إلا بترك هذا الدين كما يقول رب العالمين إن هؤلاء ممن يجعلون القرآن عضين؛ يجزئونه ويمزقونه فيأخذون منه ما يشاءون مما يوافق دعوتهم الغافلة الساذجة على فرض براءتها ويدعون منه ما لا يتفق مع اتجاههم الغافل أو المريب ونحن نؤثر أن نسمع كلام الله في هذه القضية على أن نسمع كلام المخدوعين أو الخادعين وكلام الله سبحانه في هذه القضية حاسم واضح صريح مبين. اهـ.
|