الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
واختلف الناس في الاسم الذي يقتضي مدحًا خالصًا ولا يتعلق به شبهة ولا اشتراك، إلا أنه لم ير منصوصًا هل يطلق ويسمى الله به؟ فنص ابن الباقلاني على جواز ذلك ونص أبو الحسن الأشعري على منع ذلك، والفقهاء والجمهور على المنع، وهو الصواب أن لا يسمى الله تعالى إلا باسم قد أطلقته الشريعة ووقفت عليه أيضًا، فإن هذه الشريطة التي في جواز إطلاقه من أن تكون مدحًا خالصًا لا شبهة فيه ولا اشتراك أمر لا يحسنه إلا الأقل من أهل العلوم فإذا أبيح ذلك تسور عليه من يظن بنفسه الإحسان وهو لا يحسن فأدخل في أسماء الله ما لا يجوز إجماعًا، واختلف أيضًا في الأفعال التي في القرآن مثل قوله: {الله يستهزىء بهم} [البقرة: 15] {ومكر الله} [آل عمران: 54] ونحو ذلك هل يطلق مها اسم الفاعل؟ فقالت فرقة: لا يطلق ذلك بوجه، وجوزت فرقة أن يقال ذلك مقيدًا بسببه فيقال: الله مستهزىء بالكافرين وماكر بالذين يمكرون بالدين، وأما إطلاق ذلك دون تقييد فممنوع إجماعًا، والقول الأول أقوى ولا ضرورة تدفع إلى القول الثاني لأن صيغة الفعل الواردة في كتاب الله تغني ومن أسماء الله تعالى ما ورد في القرآن ومنها ما ورد في الحديث وتواتر، وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه، وقد ورد في الترمذي حديث عن أبي هريرة ونص فيه تسعة وتسعين اسمًا، وفي بعضها شذوذ وذلك الحديث ليس بالمتواتر وإنما المتواتر منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة»، ومعنى أحصاها عدها وحفظها وتضمن ذلك الإيمان بها والتعظيم لها والرغبة فيها والعبرة في معانيها، وهذا حديث البخاري، والمتحصل منه أن لله تعالى هذه الأسماء مباحًا إطلاقها وورد في بعض دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «يا حنان يا منان» ولم يقع هذا الاسمان في تسمية الترمذي.وقوله: {فادعوه بها} إباحة بإطلاقها، وقوله تعالى: {وذروا الذين} قال ابن زيد: معناه اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم، فالآية على هذا منسوخة بالقتال، وقيل معناه الوعيد كقوله تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيدًا} [المدثر: 11] وقوله: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} [الحجر: 3] ويقال ألحد ولحد بمعنى جار ومال وانحرف، وألحد أشهر، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
قال أبو علي: ولا يكاد يسمع لأحد وفي القرآن {ومن يرد فيه بإلحاد} [الحج: 25] ومنه لحد القبر المائل إلى أحد شقيه، وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر {يُلحِدون} بضم الياء وكسر الحاء وكذلك في النحل والسجدة، وقرأ حمزة الأحرف الثلاثة {يَلحَدون} بفتح الياء والحاء وكذلك ابن وثاب وطلحة وعيسى والأعمش، ومعنى الإلحاد في أسماء الله عز وجل أن يسموا اللات نظيرًا إلى اسم الله تعالى قاله ابن عباس: والعزى نظيرًا إلى العزيز، قاله مجاهد، ويسمون الله ربًا ويسمون أوثانهم أربابًا ونحو هذا، وقوله: {سيجزون ما كانوا يعملون} وعيد محض بعذاب الآخرة، وذهب الكسائي إلى الفرق بين ألحد ولحد وزعم أن ألحد بمعنى مال وانحرف ولحد بمعنى ركن وانضوى، قال الطبري: وكان الكسائي يقرأ جميع ما في القرآن بضم الياء وكسر الحاء إلا التي في النحل فإنه كان يقرؤها بفتح الياء والحاء ويزعم أنها بمعنى الركون وكذلك ذكر عنه أبوعلي. اهـ. .قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.سبب نزولها: أن رجلًا دعا الله في صلاته، ودعا الرحمنَ، فقال أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربًا واحدًا، فما بال هذا يدعو اثنين؟ فأنزل الله هذه الآية، قاله مقاتل: فأما الحسنى، فهي تأنيث الأحسن.ومعنى الآية أن أسماء الله حسنى، وليس المراد أن فيها ما ليس بحسن.وذكر الماوردي أن المراد بذلك ما مالت إليه النفوس من ذكره بالعفو والرحمة دون السخط والنقمة.وقوله: {فادعوه بها} أي: نادوه بها، كقولك: يا الله يا رحمن.قوله تعالى: {وذروا الذين يُلْحِدُون في أسمائه} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: {يُلحِدُون} بضم الياء، وكذلك في [النحل: 103] و[السجدة] [فصلت: 40].وقرأ حمزة: {يَلحَدون} بفتح الحاء والياء فيهن، ووافقه الكسائي، وخلف في [النحل: 103].قال الاخفش: أَلْحَد ولَحَدَ: لغتان، فمن قرأ بهما أراد الأخذ باللغتين، فكأن الإلحاد: العدول عن الاستقامة، وقال ابن قتيبة: يجورون عن الحق ويعدلون؛ فيقولون اللات والعزى ومناة وأشباه ذلك ومنه لَحْدُ القبر، لأنه في جانب.قال الزجاج: ولا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يسمِّ به نفسه، فيقول: يا جواد، ولا يقول: يا سخي، ويقول: يا قوي، ولا يقول: يا جلْد، ويقول: يا رحيم، ولا يقول: يا رفيق، لأنه لم يصف نفسه بذلك.قال أبو سليمان الخطابي: ودليل هذه الآية أن الغلط في أسمائه والزيغ عنها إلحادٌ، ومما يُسمع على ألسنة العامة قولهم: يا سبحانُ، يا برهانُ، وهذا مهجور مستهجن لا قدوة فيه، وربما قال بعضهم: يا رب طه ويس.وقد أنكر ابن عباس على رجل قال: يا رب القرآن.وروي عن ابن عباس أن إلحادهم في أسمائه أنهم سمَّوا بها أوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فاشتقوا اللات من الله، والعزَّى من العزيز، ومناة من المنَّان.فصل:والجمهور على أن هذه الآية محكمة، لأنها خارجة مخرج التهديد، كقوله: {ذرني ومن خلقت وحيدًا} [المدثر: 11]، وقد ذهب بعضهم إلى أنها منسوخة بآية القتال، لأن قوله: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} يقتضي الإِعراض عن الكفار، وهذا قول ابن زيد. اهـ..قال النسفي: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى}.التي هي أحسن الأسماء لأنها تدل على معانٍ حسنة؛ فمنها ما يستحقه بحقائقه كالقديم قبل كل شيء، والباقي بعد كل شيء، والقادر على كل شيء، والعالم بكل شيء، والواحد الذي ليس كمثله شيء، ومنها ما تستحسنه الأنفس لآثارها كالغفور والرحيم والشكور والحليم، ومنها ما يوجب التخلق به كالفضل والعفو، ومنها ما يوجب مراقبة الأحوال كالسميع والبصير والمقتدر، ومنها ما يوجب الإجلال كالعظيم والجبار والمتكبر {فادعوه بِهَا} فسموه بتلك الأسماء {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَائِهِ} واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها فيسمونه بغير الأسماء الحسنى، وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه نحو أن يقولون: يا سخي يا رفيق، لأنه لم يسم نفسه بذلك.ومن الإلحاد تسميته بالجسم والجوهر والعقل والعلة {يُلْحِدُونَ} حمزة لحد وألحد مال {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا}.فيه ست مسائل:الأُولى قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} أمر بإخلاص العبادة لله، ومجانبة المشركين والملحِدين.قال مقاتل وغيره من المفسرين: نزلت الآية في رجل من المسلمين، كان يقول في صلاته: يا رحمن يا رحيم.فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربًّا واحدًا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا}.الثانية جاء في كتاب الترمذِيّ وسنن ابن ماجه وغيرهما حديث عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نص فيه أن للاه تسعة وتسعين اسمًا؛ في أحدهما ما ليس في الآخر.وقد بينا ذلك في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.قال ابن عطية وذكر حديث الترمذِي وذلك الحديث ليس بالمتواتر، وإن كان قد قال فيه أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صَفْوَان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث.وإنما المتواتر منه قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة» ومعنى «أحصاها» عدّها وحفِظها.وقيل غير هذا مما بيناه في كتابنا.وذكرنا هناك تصحيح حديث الترمذيّ، وذكرنا من الأسماء ما اجتُمِع عليه وما اختُلف فيه مما وقفنا عليه في كتب أئمتنا ما يُنَيِّف على مائتي اسم.وذكرنا قبل تعيينها في مقدمة الكتاب اثنين وثلاثين فصلًا فيما يتعلق بأحكامها، فمن أراده وقف عليه هناك وفي غيره من الكتب الموضوعة في هذا الباب.والله الموفق للصواب، لا رب سِواه.الثالثة واختلف العلماء من هذا الباب في الاسم والمسمى، وقد ذكرنا ما للعلماء من ذلك في الكتاب الأسنى.قال ابن الحصار: وفي هذه الآية وقوع الاسم على المسمى ووقوعه على التسمية.فقوله: {وَللَّهِ} وقع على المسمى، وقوله: {الأسماء} وهو جمع اسم واقع على التسميات.يدل على صحة ما قلناه قوله: {فادعوه بِهَا}، والهاء في قوله: {فادعوه} تعود على المسمى سبحانه وتعالى، فهو المدعوّ.والهاء في قوله: {بهَا} تعود على الأسماء، وهي التسمِيات التي يدعى بها لا بغيرها.هذا الذي يقتضيه لسان العرب.ومثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد» الحديثَ.وقد تقدّم في البقرة شيء من هذا.والذي يذهب إليه أهل الحق أن الاسم هو المسمى، أو صفة له تتعلق به، وأنه غير التسمية.قال ابن العربيّ عند كلامه على قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى}: فيه ثلاثة أقوال.قال بعض علمائنا: في ذلك دليل على أن الاسم المسمى؛ لأنه لو كان غيره لوجب أن تكون الأسماء لغير الله تعالى.الثاني قال آخرون: المراد به التسميات؛ لأنه سبحانه واحد والأسماء جمع.قلت ذكر ابن عطية في تفسيره أن الأسماء في الآية بمعنى التسميات إجماعًا من المتأوّلين لا يجوز غيره.وقال القاضي أبو بكر في كتاب التمهيد: وتأويل قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «للَّه تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة» أي أن له تسعة وتسعين تسمية بلا خلاف، وهي عبارات عن كون الله تعالى على أوصاف شتى، منها ما يستحقه لنفسه ومنها ما يستحقه لصفة تتعلق به، وأسماؤه العائدة إلى نفسه هي هو، وما تعلق بصفة له فهي أسماء له.ومنها صفات لذاته.ومنها صفات أفعال.وهذا هو تأويل قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} أي التسميات الحسنى.الثالث قال آخرون منهم: وللَّه الصفات.الرابعة سمى الله سبحانه أسماءه بالحسنى لأنها حسنة في الأسماع والقلوب؛ فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وإفضاله.
|