الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}: الْأَصْلُ فِي فِعْلِ كُلِّ إمَامٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالْبَرَكَةِ؛ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَتَاهُ رَجُلًا بِصَدَقَتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَجَاءَهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى».وَأَمَّا قَوْلُهُ: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فَإِنَّهُ مِنْ صِفَةِ الصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {تُزَكِّيهِمْ}.يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ سَبَبًا فِي طَهَارَتِهِمْ وَتَنْمِيَتِهِمْ.وَأَهْلُ الصِّنَاعَةِ يَرَوْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَالَغُوا فَقَالُوا: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ تُطَهِّرْهُمْ بِجَزْمِ الرَّاءِ، لِيَكُونَ جَوَابَ الْأَمْرِ، وَاَلَّذِي نَرَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ صِفَةً أَبْلُغُ فِي نَعْتِ الصَّدَقَةِ، وَأَقْطَعُ لِشَغَبِ الْمُخَالِفِ، وَأَبْعَدُ مِنْ الْمَجَازِ بِمَنْزِلَةٍ..المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {إنَّ صَلَاتَك سَكَنٌ لَهُمْ}: يَعْنِي: دُعَاءَك.وَقَدْ تَكُونُ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ فِي الْأَظْهَرِ مِنْ مَعَانِيهَا؛ قَالَ الْأَعْشَى: تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ يَمَّمْت مُرْتَحِلًا يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجِعَا وَالسَّكَنُ: مَا تَسْكُنُ إلَيْهِ النُّفُوسُ، وَتَطْمَئِنُّ بِهِ الْقُلُوبُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: وَقَارٌ لَهُمْ..المسألة الرَّابِعَةُ: [في الاختلاف في الصدقة المأمور بها]: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا؛ فَقِيلَ: هِيَ الْفَرْضُ، أَمَرَ اللَّهُ بِهَا هَاهُنَا أَمْرًا مُجْمَلًا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا الْمِقْدَارَ، وَلَا الْمَحَلَّ، وَلَا النِّصَابَ، وَلَا الْحَوْلَ؛ وَبَيَّنَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ الْمَحَلَّ وَحْدَهُ، وَوَكَّلَ بَيَانَ سَائِرِ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَتَّبَ الشَّرِيعَةَ بِالْحِكْمَةِ فِي الْعِبَادَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ؛ مِنْهَا مَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ كَالْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ كُلَّ يَوْمٍ كَالصَّلَاةِ.وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا التَّطَوُّعُ.قِيلَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ تِيبَ عَلَيْهِمْ فَرَأَوْا أَنَّ مِنْ تَوْبَتِهِمْ أَنْ يَتَصَدَّقُوا؛ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ.قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ أُطْلِقُوا، وَتِيبَ عَلَيْهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا، وَاسْتَغْفِرْ لَنَا.فَقَالَ: «مَا أُمِرْت أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وَكَانَ ذَلِكَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ.وَأَبُو لُبَابَةَ مِمَّنْ فَرَّطَ فِي قُرَيْظَةَ، وَفِي تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَحِينَ تِيبَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي، وَأَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت فِيهَا الذَّنْبَ.فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَجْزِيك الثُّلُثُ».وَكَذَلِكَ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ.قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِك، فَهُوَ خَيْرٌ لَك».قَالَ: فَإِنِّي أَمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَلَا نَعْلَمُ هَلْ هُوَ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ.قَالَ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي مَعْنَى الصَّدَقَةِ مُحْتَمَلَةٌ.وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا مُرْتَبِطٌ بِمَا قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ مَا بَعْدَهُ..المسألة الْخَامِسَةُ: [فيمن نزلت الآية]: قَالَ أَشْهَبُ: قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.نَزَلَتْ فِي شَأْنِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ؛ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصَابَهُ الذَّنْبُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أُجَاوِرُك، وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي. فَقَالَ: «يُجْزِئُك مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ».وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ، نَحْوَهُ.وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: ارْتَبَطَ أَبُو لُبَابَةَ إلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ بِسِلْسِلَةٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَكَانَتْ ابْنَتُهُ تَأْتِيهِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَتَحِلُّهُ فَيَتَوَضَّأُ، وَهِيَ الْأُسْطُوَانُ الْمُخْلَقُ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِهَا يُدْعَى أُسْطُوَانُ التَّوْبَةِ، وَمِنْهَا حَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَةَ حِينَ نَزَلَتْ تَوْبَتُهُ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقَبْرِ أُسْطُوَانٌ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: الْجِدَارُ مِنْ الْمَشْرِقِ فِي حَدِّ الْقَنَادِيلِ الَّتِي بَيْنَ الْأَسَاطِينِ الَّتِي فِي وَصْفِهَا أُسْطُوَانُ التَّوْبَةِ وَبَيْنَ الْأَسَاطِينِ الَّتِي تَلِي الْقَبْرَ.وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَالِكٍ، وَجَمَعَ الرِّوَايَاتِ نَصٌّ عَنْ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ..المسألة السَّادِسَةُ: [في التصدق بجميع المال]: قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَجْزَأَهُ إخْرَاجُ الثُّلُثِ.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْكُلِّ، وَتَعَلَّقَ مَالِكٌ بِقِصَّةِ أَبِي لُبَابَةَ فِي أَنَّ رَدَّهُ إلَيْهِ مِنْ الْجَمِيعِ إلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا كَانَ قَوِيًّا لَوْلَا أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَمْسِكْ عَلَيْك بَعْضَ مَالِك مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ.وَقَدْ نَاقَضَ عُلَمَاؤُنَا؛ فَقَالُوا: إنَّهُ إذَا كَانَ مَالُهُ مُعَيَّنًا دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ ضَيْعَةً فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا مَضَى، وَهَذِهِ صَدَقَةٌ بِالْكُلِّ، فَتَخَمَّشَ وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ يَتَبَلَّجْ مِنْهُ وَضَحٌ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَالْحَقُّ يُعَوِّدُ صَدَقَةَ الْكُلِّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ..قال السمرقندي: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} يعني: من الذين قبلت توبتهم، جاؤوا بأموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه أموالنا فخذها، وتصدق بها عنا فكره أن يأخذها فنزل: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ} بها من ذنوبهم، ويقال: هذا ابتداء، يعني: خذ من أموال المسلمين صدقة، يعني: الصدقة المفروضة.{تُطَهّرُهُمْ}، يعني: تطهر أموالهم، {وَتُزَكّيهِمْ بِهَا}، يعني: تصلح بها أعمالهم.{وَصَلّ عَلَيْهِمْ}، يعني: استغفر لهم وداعُ لهم {إن صلاتك سَكَنٌ لَّهُمْ} يعني دعاءك واستغفارك سكن لهم يعني: طمأنينة لهم إن الله تعالى قد قبل منهم الصدقة، ويقال: إن الله قبل منهم التوبة.{والله سَمِيعٌ} لقولهم، {عَلِيمٌ} بثوابهم.قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {إِنَّ صلواتك} بلفظ الجماعة، وقرأ الباقون {صَلاتَكَ} وقال أبو عبيدة: وهذا أحبَ إليّ، لأن الصلاة أكثر من الصلوات.ألا ترى إلى قول الله تعالى: {وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُون} [الأنعام: 72] وإنّما هي صلاة الأبد. اهـ..قال الثعلبي: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}واختلفوا في أعداد هؤلاء الناس وأسمائهم فروى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس قال: كانوا عشرة رهط منهم أبو لبابة، وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم أبو (منية): منهم هلال وأبو لبابة وكردم ومرداس وأبو قيس، وقال قتادة والضحاك: كانوا سبعة منهم جد بن قيس وأبو لبابة وجدام وأوس، كلّهم من الأنصار.وقال عطية عن ابن عباس: كانوا خمسة أحدهم أبو لبابة، وقال آخرون: نزلت في أبي لبابة واختلفوا في ذنبه. فقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين قال لقريظة: إن نزلتم على حكمه فهو الذبح وأشار إلى رقبته، وقد مضت القصة في سورة الأنفال. فندم وتاب فأقرّ بذنبه فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.قال الزهري: نزلت في تخلّفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية فقال: والله لا أحل نفسي منها ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت أو يتوب الله عليّ. فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعامًا ولا شرابًا حتّى خرّ مغشيًا عليه فأنزل الله تعالى: {وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} الآية فقيل له: قد تيب عليك يا أبا لبابة فقال: والله لا أحل نفسي منها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلّني، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحلّهُ بيده، ثمّ قال أبو لبابة: يا رسول الله إن من توبتي أن أبرّ دار قومي التي أصبت بها الذنب وأن انخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال: «يجزيك يا أبا لبابة الثلث».قالوا جميعًا: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلث أموالهم وترك الاثنين لأن الله عزّ وجلّ قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ولم يقل: أموالِهم، فلذلك لم يأخذ كلها.وقال الحسن وقتادة: هؤلاء سوى الثلاثة الذين تخلّفوا {تُطَهِّرُهُمْ} من ذنوبهم والقراءة بالرفع حالًا لاجوابًا، أي خذ من أموالهم صدقة مطهرة ومزكّية كقول الحطيئة:وقرأ مسلمة بن محارب: تطهرهم وتزكيهم بالجزم على الجواب، وقرأ الحسن: تطهرهم خفيفة من أطهر تطهير {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي تطهرهم، وقيل: تصلحهم، وقيل: ترفعهم من منازل المنافقين الى منازل المخلصين، وقيل: هي أموالهم.{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي استغفر لهم وادعُ لهم، وقيل: هو قول الوالي إذا أخذ الصدقة: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت، والصلاة في اللغة الدعاء ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دُعي أحدكم الى طعام فليجبه فإن كان مفطرًا فليأكل وإن كان صائمًا فليصلِ» أي فليدع، وقال الأعشى: أي دعا لها بالسلامة والبركة.وقال أيضًا: {إِنَّ صلاتك} قرأ أهل الكوفة: صلاتك على الواحد هاهنا وفي سورة هود والمؤمنين بإضماره.أبو عبيد قال: لأن الصلاة هي من الصلوات، وروى ذلك عن ابن عباس، ألا تسمع الله يقول: {أَقِيمُواْ الصلاة} فهذه صلاة الأبد، والصلوات للجمع كقوله: صليت صلوات أربع وخمس صلوات، وقرأ الباقون كلها بالجمع واختاره أبو حاتم، قال: ومن زعم أنّ الصلوات من الصلاة لأن الجمع بالتاء قليل فقد غلط، لأن الله تعالى قال: {مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} [لقمان: 27] {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} [التحريم: 12] لم يرد القليل.{سَكَنٌ لَّهُمْ} قال ابن عباس: رحمة لهم، وقال قتادة: وقار لهم، وقال الكلبي: طمأنينة لهم إن الله قد قبل منهم، وقال معاذ: تزكية لهم منك، أبو عبيدة: تثبيت.{والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} شعبة عن عمرو بن مرّة عن عبد الله بن أبي أوفى، وكان من أصحاب الشجرة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقاتهم قال: «اللهم صلّ عليهم»، فأتيته بصدقتي فقال: «اللهم صلّ على أبي أوفى» قال ابن عباس: ليس هذا صدقة الفرض، إنما هو كصدقة كفارة اليمين، وقال عكرمة: هو صدقة الفرض. فلما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يذنبوا متخلّفين: هؤلاء كانوا بالأمس معنا لايكلمون ولايجالسون فما لهم؟ فقال الله عزّ وجلّ: {أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} الآية. اهـ. .قال الماوردي: قوله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}قال ابن عباس: لما نزل في أبي لبابة وأصحابه {وَءَاخَرُونَ اعْترَفُواْ بِذُنُوبِهِم} الآية. ثم تاب عليهم قالوا يا رسول الله خذ منا صدقة أموالنا لتطهرنا وتزكينا، قال: لا أفعل حتى أؤمر، فأنزل الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وفيها وجهان:أحدهما: أنها الصدقة التي بذلوها من أموالهم تطوعًا، قاله ابن زيد.والثاني: أنها الزكاة التي أوجبها الله تعالى في أموالهم فرضًا، قاله عكرمة. ولذلك قال: {مِنْ أَمْوَالِهِمْ} لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها.{تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي تطهر ذنوبهم وتزكي أعمالهم.{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} فيه وجهان:أحدهما: استغفر لهم: قاله ابن عباس.الثاني: ادع لهم، قاله السدي.{إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} فيه خمسة تأويلات:أحدها: قربة لهم، قاله ابن عباس في رواية الضحاك.الثاني: رحمة لهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أيضًا.الثالث: وقار لهم، قاله قتادة.الرابع: تثبت لهم، قاله ابن قتيبة.الخامس: أمن لهم، ومنه قول الشاعر:وفي الصلاة عليهم والدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم ستة أوجه:أحدها: يجب على الآخذ الدعاء للمعطي اعتبارًا بظاهر الأمر.الثاني: لا يجب ولكن يستحب لأن جزاءها على الله تعالى لا على الآخذ.والثالث: إن كانت تطوعًا وجب على الآخذ الدعاء، وإن كانت فرضًا استحب ولم يجب.والرابع: إن كان آخذها الوالي استحب له الدعاء ولم يجب عليه، وإن كان آخذها الفقير وجب عليه الدعاء له، لأن الحق في دفعها إلى الوالي معيّن، وإلى الفقير غير معيّن.والخامس: إن كان آخذها الوالي وجب، وإن كان الفقير استحب ولم يجب. لأنه دفعها إلى الوالي إظهار طاعة فقوبل عليها بالشكر وليس كذلك الفقير.والسادس: إن سأل الدافع الدعاء وجب، وإن لم يسأل استحب ولم يجب.روى عبد الله بن أبي أوفى قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي فقلت يا رسول الله صلِّ عليّ، فقال: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى». اهـ.
|